نكت محششين

صهيب محمد خير يوسف

ربما تساءلتم: ما هذا العنوان الغريب على صفحات هذا الموقع "الجادّ"؟...

أردد الآن قول أبي العتاهية:

"جِدُّوا" فإنَّ الأمرَ جِدُّ

ولهُ أعِدُّوا واستعدُّوا..

فقد أحزنني شابٌّ لا يعرف من التحشيش إلا اسمه، ولا يعرف من الحشيش حتى رسمه، هوايته إذا دخل شبكة الإنترنت: البحثُ عن نكت المحششين، فتراه يبحث عنها هنا وهناك، ويضحك كثيراً إذا صادفتْه نكتة "جامدة"!

وسألت نفسي مراراً:

كيف سيكون تصور هذا الفتى حول التعاطي والمتعاطين إذا كبر؟ وتوالَت التساؤلات:

هل هي ظاهرة؟

نعم، لقد أصبحت هذه النكت ظاهرةً حقيقية منذ سنوات، وأصبح المحشش "رمزاً" و"نجماً" جذاباً في النكت العصرية.

 لقد أصبح المحششون:

ظاهرةً في عالم النكت، فلا تكاد تجد نكتةً مضحكة إلا ووراءها محششٌ ما.

وظاهرةً في عالم الإنترنت، فهناك مواضيع خاصة لهم في المئات من المواقع وأقسام الابتسامات في المنتديات.

وظاهرةً في عالم الشباب الذي نرجو له أن يبني المستقبل بعقله الذكي وقلبه الفتي وجسمه الصحيح.

فصار هذا الداء مستشرياً في مجالسنا ومنتدياتنا، وصار الشباب يَنكُتون ما في كنائنهم من نِكاتٍ سَكْرى ليلاقوا الترحيب والقهقهة.. بدون النظر في العواقب!

.. لذلك وجبَت التوعية والتنبيه حول هذه الظاهرة.

 ووجب القول:

إن علينا أن نواجه بحزمٍ كل من يروي نكتاً يُذكر فيها شيءٌ من الأمور المحرمة والانحرافات الأخلاقية والقوادح العقدية.

لماذا نضحك من نكت المحششين؟

هل نضحك منها لأن لها نهاياتٍ مرِحة تختلف عن نهايات النُّكت الأخرى؟

أم نضحك منها لأنها تصدر عن قوم لطفاء مسالمين محايدين ظاهريًّا، رسالتهم في الحياة "الكيف والانبساط"؟!

زعمَ المُدامةَ شاربُوها أنَّها     تنفِي الهُمومَ وتصْرفُ الغَمَّا

صَدَقوا، سرَتْ بعُقولهمْ فَتوهَّموا     أنَّ السُّرورَ لهمْ بها تمَّا

سَلبتهمُ أَديانَهمْ وعُقولَهمْ       أرأيتَ عادِمَ دِينهِ اغْتَمَّا؟!

قد يكون المتعاطي في بداية هلوسته وانسطاله سعيداً أمام الرائي، ولكن هذه السعادة والانبساطة - في الحقيقة - تأتي من أن الدماغ يصاب بالكسل، وببلادة وبطءٍ ذهني يعطلان الذاكرة والقدرة على الاستيعاب والتعلم، إضافة إلى أن المتعاطي تأتيه اللعثمة والهلاوس السمعية والبصرية - كما يقول المختصون -.

 ويقولون أيضاً: "تختل أحجام وأشكال المرئيات وكذلك المسافات، ويمر الزمن ببطء شديد بالنسبة للمتعاطي، ثم يشعر بأن الزمن قد توقف، وتختل الذاكرة بالنسبة للأحداث القريبة وكذلك الانتباه والتركيز، فيبدأ المتعاطي بجملة معينة ثم ينسى البداية قبل أن يتم الجملة، وتؤكد الاختبارات النفسية التي تجرى بالمختبرات هذه الانطباعات مثل حساب المسافات ومتابعة الهدف المتحرك".

ماذا يحدث بعد تناول الصنف؟

تقول إدارة مكافحة المخدرات في السعودية عن نبتة الحشيش المخدرة:

"يعدُّ الحشيش أكثر المخدرات انتشاراً في العالم، ويطلق اسم الحشيش على النبات وعلى الراتنج، وهو يشبه التبغ في مظهره، ولكن لونه يميل إلى الاخضرار. وقد أدرج الحشيش تحت الرقابة الدولية بناء على اتفاقية المؤتمر الثاني للأفيون التي وقعت في جنيف (فبراير 1925م)".

 وتقول عن تأثير التعاطي:

"يسبب تعاطي الحشيش تشويش الإدراك بالزمان والمكان، واختلالاً في الوظائف العقلية، كما يولد إحساساً خاطئاً بالقدرة على التفكير الثاقب والإبداع، وتعاطيه يسبب الاعتماد النفسي على الغير، وقد يسبب الاعتماد الجسمي أيضاً، وفي بعض الأحيان يؤدي التعاطي إلى الموت أو الجنون. كما يشكل تعاطي الحشيش نقطة انطلاق نحو تعاطي عقاقير أكثر خطورة مثل: الهيروين، والكوكايين، والمؤثرات العقلية من منشطات، ومهبطات، وعقاقير هلوسة، وأحياناً يقوم متعاطي الحشيش بقتل أقاربه ومن حوله".

لماذا كثرت نكت المحششين في هذا العصر؟

هناك عدة أسباب تجعل من "التنكيت" عليهم أمراً طبيعيًّا لدى البعض، ومنها:

1- مع الأسف، أصبح تعاطي الحشيش في بعض الدول شبيهاً بتعاطي الدخان الذي يعتبره البعض عاديًّا وغير ضار؛ بينما يعتبر الحشيش من المسْكرات والمخدرات القاتلة. وفي دول أخرى يوزع الحشيش في بعض الحفلات والأعراس كتقدير للحاضرين، لأن العرس للفرح والانبساط في رأيهم!

 2- وجود نِسب قد تكون كبيرة في بعض الدول من المتعاطين الذين لهم أصدقاء من غير المتعاطين.

 3- التهاون بذكر المحرَّمات على الألسن وتداولها بين الصغار والكبار والرجال والنساء.

 4- ضعف الوازع الديني وتغيُّر الحال.. فقبل سنواتٍ قليلة من الآن لم يكُن يذكر شيء من ذلك في النكت.

 5- اختلاط الثقافات في هذه المرحلة التاريخية بشكل عشوائي وغير منظم، ودخول الصغار في عوالم الكبار المختلفة.

 6- قابلية هذه الطرائف للانتشار في الإنترنت والإعلام الجديد وأجهزة الاتصال.

 7- كانت هذه النكات تُتداول في بعض البيئات.. أما الآن، ومع الانفتاح اللاَّواعي على الآخر، فقد عمَّ البلاء ودخل ذكر الحشيش عن طريق الضحك في بيئاتٍ محافظة تحارب المسكرات والمخدرات.. وما لا يأتي بالإقناع يأتي باللطف واللين!

عزلة المحششين:

من المضار الاجتماعية لتعاطي الحشيش: أن ينزوي متعاطوه في مجموعات انطوائية وأوكارٍ بعيدة عن الناس، ويجتمعوا - اثنان أو ثلاثة أو أكثر - ليبدؤوا بالتحشيش والهلاوس التي تأتي جراء هذا التعاطي المحرَّم.

من آثار تداول نُكت المحششين:

لست هنا أدعو إلى ترك الابتسامة البريئة التي تجدد نشاط النفوس وتصنع التآلف والمحبة وتخفف من أعباء الحياة.. فكما يقال اليوم: صارت الحياة صعبة!

 ولكني أنبِّه إلى أن على خطاباتنا وحواراتنا أن تتحلى بالجدِّية، وأن نتخلى عن الصبغة الهزلية التي أصبحت طاغية على العديد من جوانب حياتنا.

 كما أنبه إلى آثار الإكثار من الطرائف التي تخص موضوع المقال:

1- الراحة والميل إلى هؤلاء المنحرفين ومرتكبي الحرام.

 2- تكوُّن الاستعداد النفسي للانحراف، وغرس القابلية لتعاطي الحشيش أو الدخان لدى متداولي هذه الطرائف.

 3- دعم تجار المخدرات بالترويج لهم وتحسين صورتهم وصورة المخدرات.

 4- لا تخلو طرائف المحششين من القبائح ومساوئ الأخلاق، وربما القوادح والفظائع، وهي متاحة للنشء، ليقرؤوها، ويتعلموا منها بذاءة اللسان، ويلطخوا بها طهارة قلوبهم.

 5- قال أبو فراس: "أروِّحُ القلبَ ببعضِ الهزْلِ". ونلاحظ أنه قال: "ببعض" أي بشيءٍ يسير من الهزل الذي يتخلل حياة المؤمن الجادَّة. فالطرائف والمُلَح كالمِلح في الطعام، ومن أكثرَ من شيء عُرف به.. فلا يُعرفنَّ عن شبابنا أنهم مضحِكون ومحبون لهذه الفئة!

وقال البُستي:

ولكِن إذَا أَعطَيتَهُ المَزحَ فَلْيكُن

بِمقدارِ مَا تُعطِي الطَّعامَ مِن المِلحِ

كيف نقي أبناءنا من نكت المحششين؟

1- نقدم لهم طرائف بديلة، هادفة، قديمة وحديثة.

 2- ننهاهم عن قول النكت التي فيها شيء محرَّم أو استهزاء أو انحراف عقدي وأخلاقي، مهما كان حجم هذا الانحراف، فمن أهم ما يجب مراعاته في المزاح ألاَّ يكون فيه أذًى لأحد في نفسه أو دينه أو خُلقه.

 3- نشرح لهم مخاطرَ الإدمان والمخدرات على الأفراد والأُسَر والمجتمعات، صحيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، وكذلك نذكِّرهم بتحريم تعاطيها، ونذكُر لهم مآسي المدمنين ليعتبروا.

 4- نغرس الجدِّية في نفوسهم، وأن الإنسان خُلق للعبادة ولعمارة الأرض وليس لتغييب العقل بالمسكرات أو للضحك أربعاً وعشرين ساعة.

 5- وعي الخطر الكبير لتعاطي الحشيش والمخدرات على فئات الأطفال والفتيان خصوصاً.

 6- كذلك فإن معرفة احتياجات الشباب الذين يوزعون هذه الطرائف، ومعرفة الأسباب المؤدية إليها تسهِّل عملية الوقاية.

 7- يجب علينا معرفة من أين يأتي الأطفال أو الشباب بهذه النكت؟ فربما كانوا يرتادون مواقع منحرفة، أو ربما لديهم أصدقاء سوء يعرِّفونهم إلى هذه الأشياء.. وهنا يأتي دور الرقابة.

 8- إذا أصر الشخص على ذكر الطرائف والنكت في جلساته، يُقترح عليه - بلطف - أن يستبدل كلمة "محشش" بكلمة أخرى.. فاللُّطف آسِر.

 9- صناعة جوٍّ أُسْري متآلف تتخلله الابتسامة والمرح الهادف واللهو المباح.

 10- إرسال رسائل عن طريق البريد الإلكتروني، وكذلك النشر في المنتديات والمواقع، عن خطورة وأضرار تداول نكت المحششين والنكت اللاَّأخلاقية بشكل عام.

جريمة الترويج الإلكتروني للمخدرات:

من المادة السادسة في نظام مكافحة جرائم المعلوماتية:

"يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل شخص يرتكب أيًّا من الجرائم المعلوماتية الآتية: ... [ومنها:]إنشاء موقع على الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي أو نشره، للاتجار بالمخدرات، أو المؤثرات العقلية، أو ترويجها، أو تسهيل التعامل بها".

كلام للإمام ابن تيمية - رحمه الله –:

"فهذه الحشيشة الملعونة هي وآكلوها ومستحلوها، الموجبة لسخط الله وسخط رسوله وسخط عباده المؤمنين، المعرضة صاحبها لعقوبة الله; إذا كانت كما يقوله الضالون من أنها تجمع الهمة وتدعو إلى العبادة، فإنها مشتملة على ضرر في دين المرء وعقله وخلقه وطبعه أضعاف ما فيها من خير؛ ولا خير فيها، ولكن هي تحلل الرطوبات، فتتصاعد الأبخرة إلى الدماغ وتورث خيالاتٍ فاسدة فيهون على المرء ما يفعله من عبادة، ويشغله بتلك التخيلات عن إضرار الناس. وهذه رشوة الشيطان يرشو بها المبطلين ليطيعوه فيها، بمنزلة الفضة القليلة في الدرهم المغشوش، وكل منفعة تحصل بهذا السبب فإنها تنقلب مضرة في المآل ولا يبارك لصاحبها فيها، وإنما هذا نظير السكران بالخمر، فإنها تطيش عقله حتى يسخو بماله ويتشجع على أقرانه، فيعتقد الغرُّ أنها أورثته السخاء والشجاعة وهو جاهل، وإنما أورثته عدم العقل. ومن لا عقل له لا يعرف قدر النفس والمال فيجود بجهله لا عن عقل فيه".

ولمن أراد الاستزادة من المختصين حول الحكم الشرعي، يمكن الرجوع إلى كتاب: "زهر العريش في تحريم الحشيش"، للإمام بدر الدين الزركشي.

سُئل ابن عمر رضي الله عنه: هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون؟

قال: نعم، والإيمان في قلوبهم أعظمُ من الجبل.