ثورة التحرير وقضية فلسطين

بدر محمد بدر

[email protected]

ربما كانت هذه هي المرة الأولى التي يزور فيها مصر الدكتور محمود الزهار وزير خاجية فلسطين، ويشعر بالارتياح من المقابلات الرسمية مع المسئولين في بلادنا، وعلى رأسهم السيد نبيل العربي وزير الخارجية الجديد، ومسئولي جهاز المخابرات العامة، لقد وجد الرجل المجاهد في لقائه بالمسئولين في الأسبوع الماضي لغة جديدة أكثر تجاوبا، وأسلوبا محترما أكثر لياقة، وتفهما واضحا للمشكلات العالقة، ووعودا عملية بدأت تأخذ طريقها للتنفيذ.

هل كانت زيارة الوفد الفلسطيني في الأسبوع الماضي فرصة لكي يدرك أشقاؤنا في الأراضي المحتلة، وبخاصة في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، أن مصر الثورة تغيرت بالفعل، وأن القرار السياسي عاد مجددا إلى الشعب المصري فيما يخص القضية الفلسطينية، وأن الدور المصري الجديد سوف ينطلق من رؤية وطنية حقيقية وإرادة حرة نافذة، والتزام إستراتيجي دائم بالدفاع عن جبهتنا الشرقية؟.

لقد عاش الشعب المصري كله على مدى سنوات طويلة، حالة من الغضب العارم والغليان المستمر والحنق الشديد، من طريقة إدارة الملف الفلسطيني في النظام البائد، الذي أساء إلى مصر وتاريخها وحضارتها، وخصوصا بعد مشاركته في فرض الحصار على قطاع غزة، وتعطيل المصالحة الوطنية الفلسطينية، وتنفيذ الأجندة الصهيونية الأمريكية في خنق حركة "حماس"، وإرهاق الشعب الفلسطيني الصامد.

إن حركة "حماس" هي حركة مقاومة وطنية إسلامية، اختارها الشعب الفلسطيني بكامل إرادته لقيادة الوطن، في انتخابات حرة ونزيهة قبل خمس سنوات، وينبغي أن تتعامل معها مصر بصفتها قائدة للشعب الفلسطيني، ويجب أن تلقى كامل الدعم السياسي والدبلوماسي المصري، مثلما تلقى الدعم الشعبي الكبير.

أما السيد "أبو مازن" ومجموعته فقد انتهى دورهم البائس، ووصلوا بالقضية الفلسطينية إلى طريق مسدود، بعد أن تساوقوا مع الاحتلال العنصري الغاشم، ونسقوا معه أمنيا وسياسيا لإجهاض المقاومة الوطنية المشروعة، وإرهاق الشعب الفلسطيني الحر، وعليهم أن يغادروا الساحة فورا غير مأسوف عليهم، وأن يتركوا القيادة لمن يختاره الشعب.

وينبغي أن تستقبله القيادة في مصر، بصفته مواطنا فلسطينيا يرأس حركة "فتح"، وليس مسئولا أو قائدا أو معبرا عن الشعب الفلسطيني بأي حال، وعلى "أبو مازن" وحاشيته أن يدركوا أن ما يسمى ب "محور الاعتدال"، الذي كان يتزعمه النظام السابق، والذي كان في حقيقته محورا للتخاذل والاستسلام، قد انتهى إلى غير رجعة وإلى الأبد، وحلت محله مصر المقاومة الشامخة التي استعادتها الثورة.

ويكفي أن أشير إلى تصريح رئيس الحكومة الصهيونية، الذي حذر فيه من أن المصالحة بين السلطة الفلسطينية وحركة "حماس" تعني "نهاية العملية السلمية"، وقال ل "محمود عباس": "لا يمكنك التوصل إلى سلام مع إسرائيل وحماس، اختر السلام مع إسرائيل!"، لندرك حجم المأساة التي وصل إليها فريق أوسلو.

إن "مصر الثورة" لا بد أن تتعامل مع الصهاينة كدولة احتلال عنصري غاشم، وأن تتعامل مع الشعب الفلسطيني كشعب عربي مقاوم، يحتاج إلى كل أشكال المساندة والدعم، والدبلوماسية المصرية بعد ثورة "التحرير" ينبغي أن تنطلق من ثوابت ومصلحة الشعب الفلسطيني أولا، ومن عمق الرؤية الوطنية المصرية والعربية والإسلامية تجاه القضية الفلسطينية.

ولابد من إعادة فتح معبر رفح البري مع قطاع غزة بصورة دائمة، وبسيادة مصرية وفلسطينية كاملة، ولابد من العمل بكل جدية وإصرار ـ عربيا ودوليا ـ من أجل فك الحصار الظالم المفروض على القطاع، ولابد من إعادة الاعتبار لوحدة الشعب والأراضي الفلسطينية عبر إنهاء ملف المصالحة الوطنية، ولابد من الإفراج فورا عن جميع المعتقلين الفلسطينيين في السجون المصرية.