ليس هذا طريق الإصلاح

زهير سالم*

[email protected]

امتحن صبري عدة مرات يوميا بالعودة إلى التلفزيون السوري، أستمع إلى نشرة أخبار أو إلى حوار سياسي. كما أمارس رياضة التعود على الإصغاء بالاستماع إلى المعلقين السوريين على الفضائيات الحرة. أفعل هذا وذاك ليس فقط كامتحان للصبر أو نوع من الرياضة، وإنما أيضا لأحاول أن أستشف إلى أين يتجه عقل النظام في ( مسلاخه الأخير ). وإلى أي نهاية موحشة قادته آثامه وخطاياه؟!

فشعار اكذب اكذب اكذب حتى تصبح ( كذبذبان)، رغم أنه قد سقط في زمن مشاعية المعلومة كما سقطت نظرية استقرار الأرض على قرن الثور، فهو ما يزال القاعدة الأساسية للإعلام السوري.

تقول العرب إذا كنت كذوبا فكن ذكورا، لكي لا تقول اليوم ما يناقض ما قلته غدا، ولكن القائمين على الإعلام السوري والفضائية السورية منهم بشكل خاص لا يهمهم أن يضطربوا في التقارير والمعاذير، ولن يجد أحدهم حرجا أن تواجهه بكذبته البلقاء فيجاحدك الحق كالذي قال له أحمد بن حنبل وسمعه يروي الحديث عنه: ويحك أنت تروي عني وأنا لم أحدثك ولم أعرفك قط، فنظر إليه الكذاب شزرا، كما يفعل الإعلامي السوري، وقال للناس: يا له من أحمق يظن أن الله لم يخلق احمد بن حنبل غيره. أنا اروي عن أربعين رجلا اسم كل واحد منهم أحمد ابن حنبل غيرك..

ومن المنهج المتبع في الإعلام السوري إتباع الكذب بالكذب، وتحري الكذب واختلاقه والتزامه، يقود هذا المنهج إلى ما يمكن أن نسميه فوضى الكذب. بحيث يمكن أن يصوغ مسئول الكذبة ويلغيها آخر ويؤلها ظاهرا بباطن ثالث.

والكذب في التلفزيون السوري ليس شفهيا فقط ، فهذا سفيه يبسط لسانه في الشيخ الداعية يوسف القرضاوي. وهذا ثالث يضع الحديث على صاحبه جهارا نهارا ثم يؤلف مجلدا في شرحه والبناء عليه.

وحين تواجه هذا الواقع أو بعضه. تتساءل أي مصداقية لوعود الإصلاح التي يطرحها هؤلاء؟!

مرة أخرى أعود إلى أحاديث التلفزيون السوري، لأستمع إلى من يحاول استدعاء الماضي .أي استدعاء الجرائم التي ارتكبها جلاوزة النظام، والمجازر التي نفذوها، والعدوان على الحرمات الذي مارسوه. هم يعلمون أن تلك الأفعال الرهيبة قد مكنت لهم من رقاب الشعب السوري مدة ثلاثة عقود!! وهم اليوم خائفون لأن جيلا جديدا من الشباب أصبح قادرا على تجاوزها أو نسيانها، فيسارعون إلى استحضار فزاعاتها والتذكير بها عساها أن تسعفهم في الموقف الصعب وتمنحهم القليل من الوقت ليعيدوا صياغة المعادلة بطريقة تخدمهم..

حين تسمعهم يتحدثون عن الإصلاح تقول أريد أن أصدق، أتمنى أن يوفروا على شعبنا السير في طريق الجلجلة الرهيب. ولكنك حين تلمح لحن الخطاب هذا تدرك أن ذاك منك بعيد..

ومرة ثالثة أشتق من التلفزيون السوري هذه الرغبة الجامحة في إيقاظ الفتنة الطائفية وتوظيفها والتخويف منها. وبينما ينادي المتظاهرون داخل المسجد الأموي: واحد.. واحد.. واحد.. الشعب السوري واحد. وبينما تصر القوى الوطنية الإسلامية والعلمانية في الداخل والخارج على رفع الراية الوطنية وإعلائها، يصر الإعلام السوري بالمقابل على استدعاء عفريت الطائفية وإطلاق أشباحها. لقد كان ما حدث في اللاذقية فعلا طائفيا بامتياز ارتكبته مافيات الفساد وعصابات من سنخدمهم بذكرنا أسمائهم ولن نفعل ليموتوا بغيظهم..

إن استحضار عفريت الطائفية وأشباحها وذكريات الماضي الحمراء والصفراء إنما يراد منها في النهاية استعداء بعض المواطنين على بعض. وما يراد من هذا الاستعداء إلا التسخين للفتنة التي يختبئ وراء حطبها هؤلاء الفاتنون..

تتابع كل ذلك وتعود إلى أحاديث الإصلاح التي يرددها هؤلاء...، تكذّبُ نفسك، أو تكْذبُ قومك، أو تدعو شفقة على شباب أراد الحياة : رب سلّم.. رب سلّم..

                

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية