هوس الحكم وجنون العظمة

صالح خريسات

هل يجب أن نتطلع إلى إله جديد لينقذ الشعب العربي من هوس الحكام وجنون عظمتهم؟ لماذا يتشبه هؤلاء الحكام بالرجال العظماء، وهم أبعد ما يكونوا عنهم؟ إننا نخجل من تصرفاتهم وطموحاتهم الصغيرة، أفلا يخجلون من أنفسهم؟ ما الذي يجري؟ فعلى الرغم من سنوات حكمهم الطويلة، لم نجد زعيماً واحداً اتصف بقوة الروح وسعة الأفق، وأقام حكماً أساسه العدالة والحرية والنظام، بل إن بعضهم استخف بقومه، وحمل على ظهره خيمة، يتنقل بها بطريقة بدائية، مدعياً أنه نبي حاكم، وأن الوحي يتنزل عليه من السماء، ليقود العالم إلى الطهر والنقاء والصفاء، بعد أن أفسده الغرب.

لقد عبر الزعماء العرب، عن روح الاستبداد والتسلط، التي ابتلي بها العرب منذ سقوط الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وعدم محاكمة من كان له مصلحة في الثورة عليه وتصفيته. وخروجهم من الصحراء حاملين معهم مظاهر التخلف والتراجع والهمجية بأبشع صورها. إننا نجد العالم المتحضر تسوده القوة والحرية والصدق والذوق الرفيع، وقد هدفوا طوال سنوات حكمهم إلى تكريم الإنسان الأوروبي، واحترام حقوقه، والدفاع عن مصالحه في كل مكان من العالم. فيكفي ما قد جرى في بلادنا، بلاد العرب أوطاني، ودعونا نرى عصور التخلف والتراجع وهوس الحكم، تخفض أشرعتها، لينبثق عصر جديد، يمهد لعصر الثورة الكبرى، والنهضة الشاملة لمختلف أوجه النشاط الإنساني.

لقد قامت محاولات عديدة لإيجاد نوع من الاستقرار السياسي، ولكن سرعان ما أصابها التفكك والانقسام، وأصبح سلطانها إسمياً، وعمل الزعماء العرب على إفشالها، والاكتفاء بتحقيق مصالحهم الشخصية. فيجب أن تنكشف للعالم أكذوبة أنظمة الحكم الديمقراطية في العالم العربي، ولتظهر جلياً صورة طغيان السادة الكبار، وأطماعهم التي فاقت أطماع الاستعمار. فهل من المعقول أن ندخل القرن الحادي والعشرين، ونحن ما زلنا نبحث حقوق المواطن، على الرغم من انقضاء أكثر من قرن على الثورتين الفرنسية والأمريكية؟ لماذا لا يقبل الزعماء العرب إلا حكماً مستبداً مدى الحياة؟ لماذا يعتقد كل واحد منهم، أنه الرجل الذكي الوحيد في العالم، مع أن الواقع ينطق بغير ذلك؟ لماذا يستندون إلى قوة السلاح في عالم يتفوق بقوة العقل؟ كنا نرى في عصر النهضة أن الثروة أتاحت الفرصة لنشر العلم والأدب والفن، وأن أغلب الحكام والأثرياء، كانوا أصحاب فن وذوق، وأن الزعماء شجعوا رجال العلم والفن، ووفروا لشعوبهم مناخاً واسعاً من الحرية والنظام. بينما نجد في عالمنا العربي، أن تجميع الثروة في أيدي الزعماء والحكام، وعدم مساءلتهم، دفعهم إلى الانصراف عن واجبهم، وجندوا لأنفسهم جيوشاً من المرتزقة، يواجهون بهم أبناء شعبهم.

أما وقد هبت رياح التغيير من كل جانب، فعلينا أن نستقبلها بالترحاب، وأن لا نتخوف منها، فالعناد كفر، ومن المرجح أن يكون المستفيدون من التغييرات التي تحصل الآن في الوطن العربي، أكثر عدداً من الخاسرين بسببها، ولكن قد يكونون أقل إدراكاً للمكاسب الجمة التي سيتمتعون بها، وهي كثيرة، نجملها في ما نراه في أوروبا وأمريكا، ونقيس عليه.

الملفت للنظر، أنه حتى هذه اللحظة، وبالرغم من سقوط النظامين التونسي والمصري، وتلاحق الأحداث في اليمن وليبيا، والاضطرابات المنتشرة على امتداد مساحة الوطن العربي، فإن زعيماً عربياً واحداً، لم يستبق الأحداث، ويخرج من قمقمه ليناقش مع جماهير شعبه بصراحة مطلقة، الحيثيات التي دفعت الجماهير العربية، إلى النزول إلى الشوارع، في ظاهرة لم يسبق لها مثيل، ولم يسأل عن أسباب سكوتهم نحواً من أربعين سنة على مثل هذه الأنظمة.

إن أي زعيم عربي، يستطيع أن يفعل ذلك، ويقلل من نسبة خطورة الأحداث، أو خروجها عن نطاق السيطرة،كما حصل في اليمن وفي ليبيا.

إن الجماهير العربية تعيد الآن صياغة واقعها السياسي، وتعمل على تغيير إرادة الحكام، الذين ما كانوا يوماً يعنون بمستقبل هذه الشعوب، واكتفوا بتحقيق مصالحهم الذاتية، وجمع الثروات تحسباً لأي أمر طارئ. بدليل ما يتكشف الآن من حجم الثروات التي يملكها هؤلاء الزعماء، وما يملكه أولادهم وبناتهم وأنسابهم عوضاً عن سنوات حكمهم، وما فيها من امتيازات تشابه الخيال.

إن ثورة الشباب في تونس ومصر، وما أفرزتاه من إنجازات ديمقراطية، فتحت الباب على مصراعيه أمام طوفان غامر من الثورات والاضطرابات، التي يخرج بها الشباب مطالبين بالإصلاحات السياسية، كما كشفت هذه الأوضاع عن آفاق جديدة في مجال الاتصالات الفائقة السرعة، التي تسمح لجماهير الشباب بالتحاور والتنسيق والتوفيق بينها، والخروج بقوة الرجل الواحد، رغم كل أشكال الرقابة الرسمية والأمنية، وأضحى المفهوم التقليدي للرقابة الرسمية والأمنية، التي تتبجح بها الحكومات العربية، غير ذي معنى. فهنيئاً للشباب ثورتهم، وهنيئا للشعب العربي صحوته.