الحرب الإلكترونية

تُشيّع الأحزاب والأنظمة البوليسية للمتحف الوطني

د. عصام مرتجى- غزة

[email protected]

ولى زمن السيف يا عنترة، والأنظمة البوليسية شَيّعوها للمتاحف ....

اليوم تسقط الهراوات وتنهار القلاع البوليسية ،  وينصهر حديد المجنزرات والمدرعات وجيوش المخبرين أمام العقول المستنيرة وأمام صفحات المعرفة والحقيقة؛ فالحقيقة تتبختر عارية من صفحة إلى صفحة ومن موقع إلى موقع تسبح برشاقة في خيوط الشبكة العنكبوتية،  والبقاء لمن يصمد واقفا لا تخجله حقيقته العارية أمام الجماهير بلا عمليات تجميل دبلوماسية أو خُطب  ديماغوجية وبدون مساحيق إعلامية .

ماذا ستصنع طائرات ال أف 16  فوق خيوط الشبكة العنكبوتية وكيف سيحجب البوليس السياسي ومخبريه ملفات الزعيم السرية عن عيون الناس بعدما باتت على مواقع الويب المفتوحة للجميع ؟!

كيف ستبقى عيون الفرعون هي العين التي يبصر بها الناس بعدما رأوا ثعبان الحقيقة يبتلع صحافته وينزع عنه ثيابه ويسقط قناعه ؟!

كيف ستقنع الهراوات، أو البنادق أو الدبابات، جمهور الثائرين بزعيمٍ يعاني من سلسل البول السياسي ومن الزهايمر الفكري وكراسي الحكم الأثرية تحتهم مبتلة ؟!

كيف سيطيح القراصنة فوق الجٍمال والبغال بمن يمسكون بخيوط الشبكة العنكبوتية ، ويصنعون الأدمغة في عصر الشفافية المطلقة التي لا تعرف الحدود؟!

كثير من الأحزاب والأنظمة التي عرفنها في زمن مصابيح الكاز،قبل أن يتعرف علينا زمن الكهرباء ؛ صارت اليوم تثير الشفقة ، وأحيانا الضحك، و كأنها عنترة يحمل سيفه وينشد أناشيده وهو يصارع طائرة أف 16 ويتوعدها بالسحق وبالهزيمة.

لقد بدت  هذه الأحزاب وهي مثيرة للشفقة وهي تعيش خارج الزمان، ولا تبصر حركة التاريخ الدءوبة وتدافعها بلا هوادة ، وهم لا يزالون يعيشون في عهدهم الفكري المحنط.

اليوم يركض فراعنة الأحزاب والأنظمة القديمة خلف الفتية الذين آمنوا بالوطن وبالحرية والعدالة الاجتماعية للجميع ، فانشقت بحور الصحافة والانترنت في زمن العولمة لتشق لهم طريقا يبسا نحو الحرية والشفافية , وأطبقت الشبكة العنكبوتية وصفحات الويب ومقاطع الفيديو على رقبة الفرعون ، ليقول في النهاية  " آمنت وفهمت بأني لست إلهكم الأوحد ولست ربكم الأعلى".

هذا هو صراع الأدمغة  و العقول والصحافة الحرة في زمن الحروب الإنترنتية، جاء ليقول بأن من يخجل من ملفاته السرية ، فقد آذن نجمه بالأفول. و من لا يستطيع أن يرى الجماهير أو يسمعهم فقد آن أوانه أن يوضع في المتحف الوطني.

كان الفراعنة دوما يحتكرون عيون الناس و عقولهم (لا  "أريكم" إلا ما أرى ، ولا "أهديكم" إلا سبيل الرشاد) ....

 فكانت الصحافة المسموعة والمرئية والمقروءة لا تقرأ على الناس سوى تاريخ الفرعون ومجده وتؤرخ مجد عهده،  والمنهاج الدراسي يُرضع الطلاب والتلاميذ حليب عبوديته ويعلمهم طقوس الولاء.

لقد جاء زمن الصحافة المفتوحة والحرب الإنترنتية ليضع  الأنظمة البولسية وفراعنتها ومخبريها  وأحزابها المحنطة ، ومسلات خطاباتها التاريخية المنحوتة، في المتحف الوطني الأثري..

لقد جاء الزمن الذي يكون فيه  بيوت الزعامات والحكومات زجاجية شفافة ، يُرى ظاهرها من باطنها، ويُرى باطنها من ظاهرها، ولا مجال لأن يكون في جعبعتهم ما هو محجوب عن الجمهور والشعب صاحب البيت والزعامة والشرعية.

لقد جاء الزمان الذي يكون فيه تاريخ الصلاحية محدود لكل قائد وزعيم  ونائب ونقيب.....، ولا يوجد في هذا الزمان ثائر أبدي أو زعيم معبود يعيش أكثر من فترته التي يمنحه إياه الناس أو يأخذ أكثر من صلاحياته أو يسرق من عمر الناس أكثر من وقته.

لقد وقف العقل العربي اليوم أمام مرآة الحقيقة فرأوا حقيقة واحدة تقول لهم ؛ يلزمكم متحف وطني أثري يستوعب الأحزاب والأنظمة والرؤساء الذي يعانون من عقدة الزعامة والريادة ويفكرون بعقل عنترة وسلاحه في زمن التكنولوجيا والشبكة العنكبوتية،  ويحتكمون لفكر نيرون في الزمن الذي تحكم فيه الديمقراطية ويسقط الزعيم بورقة انتخابية من بائع ترمس ترشح وترجح المنافس.

في الختام أقول ، من يخجل من عوراته ومن يخجل من برنامجه، ومن يخجل من مرتكزاته الفكرية والأيديولوجيته ؛ فلا مجال له في هذا الزمان أن يحجبها عن الناس، وليحجز مكانه في المتحف الوطني ، فلن تنفعه جيوشه أو ملفاته السرية أو مخبريه أو أجهزته الإعلامية الموجهة ... فالحرب الإنترنتية سمة هذا العصر .... والفيسبوكيون قادمون.