نقدا لمقال إبراهيم الجيار

(يا ابن أخي دع لحيتي.. نقد للتاريخ الإسلامي)

محمد تيسير أبو كويك (شكوكاني)

[email protected]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد::

شد انتباهي مقالة يعنون لها كاتبها إبراهيم الجيار بعنوان: "يا بن أخي دع لحيتي.. نقد إلى التاريخ الإسلامي" ولما كانت هذه المقالة تحتوي مفاهيم خاطئة، سواء كانت بشكل مقصود أو غير مقصود، كان لابد لي أن أقف معها وقفة أخرى، أجلي فيها الحقيقة التي لا تحتاج لمثلي أن يجليها، وهي واضحة كالشمس في كبد السماء، والإنسان بطبعه لا يبغي سوى الوصول إلى الحقيقة، ولا يبحث عن سواها إلا إذا كان هذا الإنسان لا ينظر إلى الحقيقة إلا بنظارة سوداء قاتمة.

ولما كان غرض الجيار كشف الغطاء عما هو مستور في تاريخنا العربي المشرق، الذي يعتقد أننا كمسلمين قد نستحي من إظهاره وإجلاءه وبيانه، أقول وبكل وضوح قبل أن أشرع بكتابة هذه المقالة التي هي رد ونقد لمقالة الجيار  أنني كمسلم أفتخر بأنني مسلم وأفتخر بأنني عربي وأفتخر بديني الإسلام وتاريخ أمتي الإسلامية والعربية هذا التاريخ العريق الذي يحاول المستشرقون طمسه وإخفاءه منذ زمن بعيد، سالكين بذلك عدة مسالك كلها أخبث من بعض، من أجل تشويه الدين الإسلامي وتاريخنا المجيد، فلم يُجدي معهم الغزو العسكري نفعاً ، بل وجدوا أن الغزو العسكري يكبدهم مخاسر فادحة وضخمة في الأرواح والأموال لأنه يضطر الأعداء إلى التواجد في ساحة المعركة، علاوة على أنه لا يؤدي النتائج المرجوة فالغزو العسكري يلهب حماسة الشعوب المغزوة،  ويدفع بهم إلى التمسك بدينهم ووطنهم والدفاع عنهما.

ومن وسائل أعداء الإسلام في الغزو الفكري ما يُسمى بالاستشراق ، وهو تعلم الكفار لعلوم الشرق – العرب والمسلمين- وتعلم لغاتهم ودينهم ومعرفة أوضاعهم السياسية والاجتماعية والثقافية ، بهدف إثارة الشبهات ، وقلب الحقائق ، وإخفاء التاريخ الإسلامي وطمسه، فهم لا يجدون ثغرة إلا ويدخلون من خلالها ، ولا يجدون رواية ضعيفة أو منكرة أو فيها اختلاف إلا ويطبلون ويزمرون لها ،أما الروايات الصحيحة والثابتة فيتم نكرانها وتجاهلها، وإن اعترض معترض على أفكارهم المنحرفة ، تحججوا بميزان البحث العلمي وغيرهم ، هذا الميزان الذي يجيرونه حسب مصلحتهم ، حيث يضعون الفكرة المناسبة لهم ثم ينصبوا شباكهم ، ويخدموا فكرتهم المنحرفة ، معتمدين كما ذكرت على روايات ضعيفة أو مختلف فيها أو ليس لها أصل ، ويدورون في فلكها، كما يتحججون بحرية الرأي والإعلام ..

ولعل سائل يسأل لماذا يفعل الكفار بنا ذلك ، مع أنهم اليوم في أوج تطورهم العلمي والثقافي والحضاري ، ونحن في الحضيض لا علم ولا ثقافة .

وللإجابة على هذا السؤال أقول : إن عقيدة أعداء الإسلام من يهود ونصارى وعلمانيين قائمة على المتناقضات ، لأنها من وضع البشر الذين حرّفوا التوراة والإنجيل وساقوا فيها ما يتماشى مع عقولهم وأهوائهم وشهواتهم ، أو وضعوا دساتير وقوانين من تلقاء أنفسهم ، هذه القوانين قاصرة على تحقيق العدل لجميع الناس ، لأن إرضاء الناس غاية لا تدرك ، وواضع هذه القوانين بشر تختلف رغباته عن رغبات غيره ، لذلك فهي ملئا بالمتناقضات التي تجعلهم يبحثون عن بديل لها، وبالتأكيد لن يجدوا أفضل من الدين الإسلامي كبديل، لأنه دين سماوي ، يناسب عقول البشر، تكفل الله بحفظه .

وهنا سؤال يطرح نفسه ، ما الذي يدفع اليهود للحفر تحت المسجد الأقصى والبحث عن ما يسمى بهيكل سليمان ؟ والجواب لا شيء سوى أنهم يريدون خيطا يربطهم بتاريخ فلسطين ، ليثبتوا أحقيتهم في فلسطين من الفلسطينيين ، ولتكامل الأدوار ولتتظافر الجهود من أجل سلخ الفلسطينيين من تاريخهم ليبقوا بلا حاضر ولا ماضي، وقس على ذلك بقية المسلمين في أنحاء المعمورة.

ومن هنا كان للمستشرقين دورهم في إثارة الشبه والشكوك ، حتى يُثبتوا لأبناء دياناتهم أن الدين الإسلامي ، لا يستحق التقدير ، وغير جدير بالإتباع ، بالإضافة إلى زعزعة المسلمين أنفسهم ، وتشكيكهم في دينهم ، وبالتالي إخراج المسلمين من مواطن التجمع والاتفاق ، إلى مواطن الفرقة والنزاع والخلاف ، وبالتالي يسهل على أعداء الإسلام السيطرة على المسلمين ، إن لم يكن سياسياً فيكفي إشغالهم بأنفسهم ، ولقد كان التشكيك في التراث الحضاري الإسلامي، والتشكيك في تاريخ المسلمين وماضيهم المشرق ، أحد الموضوعات التي ركزوا عليها.

 هذه هي مهمة الاستشراق ، تدرس علوم الشرق لتعرف مواطن الضعف والقوة عند العرب والمسلمين وبالتالي يسهل غزوهم عسكريا وفكريا سواء بالتغريب أو التبشير ، فهي التي تمهد الطريق لاحتلال الأوطان والعقول، وأسوق هنا ما قاله صمويل زويمر على سبيل التذكير:  "ولكن مهمة التبشير الذي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية فإن في هذا هداية لهم وتكريماً ،وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام، ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي فلا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، وبذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية، وهذا ما قمتم به خلال الأعوام المائة السالفة خير قيام، وهذا ما أهنئكم عليه، وتهنئكم عليه دول المسيحية والمسيحيون كل التهنئة. لقد قبضنا أيه الإخوان في هذه الحقبة من الدهر من ثلث القرن التاسع حتى يومنا هذا على جميع برامج التعليم في الممالك الإسلامية"

فهل يعي أبناء جلدتنا الدرس جيدا ؟ ويعرفوا حقيقة ما يُدار لهم في الخفاء ، ويقوموا بدورهم الريادي في الذود عن تاريخنا والدفاع عنه ، بل والانطلاق منه لتوعية أجيالنا الحاضرة واللاحقة، التي غلب عليها اليأس والإحباط والجمود ، إن دورنا كمثقفين عرب ومسلمين ، لا يقل عن دور المقاتل الذي يحمي حدود الوطن من الغزو العسكري ، فدورنا حماية العقول العربية والإسلامية من الغزو الفكري .

ومن هذا المنطلق ارتأيت أن أرد على مقالة إبراهيم الجيار التي وضع لها مقدمة يبرر فيها نقده للتاريخ الإسلامي ، هذه المقالة هي الأولى من سلسلة مقالات سيكتبها إبراهيم في هذا الشأن ، وبما أن إبراهيم برر لنفسه النقد لتاريخ بأكمله بمن فيه من رجال زكاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كعثمان بن عفان  الذي بشره الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة وزوجه بنتيه.. إلخ ، هذا الصحابي الجليل الذي ابتدأ الكاتب به معتمدا على روايات ضعيفة أو منكرة أو مكذوبة، فليتقبل إذن النقد ممن هم على شاكلتي من الذين لا يرضون المساس والتجريح بالصحابة الكرام ، ولا يرضون الانتقاص من شأن تاريخنا الإسلامي المجيد .

كما إنني أؤكد أن هذا التاريخ صنعه رجال أبطال أفذاذ لا يمكن بأية حال أن ننكر دورهم، كذلك فإن هؤلاء البشر ليسوا معصومين من الخطأ ، لذلك فكلهم يؤخذ منهم ويُرد عليهم إلا النبي صلى الله عليه وسلم فإذا جاء أي كان من البشر بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف القرآن والسنة ، فإننا نضرب به عرض الحائط ولو كان من أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي رضي الله عنهم ، فنحن كمسلمين لا نتعصب لرأي أي أحد من الصحابة إلا إن كان معه دليل، فإن صدر أية أخطاء أو سلبيات خصوصا من الصحابة فليبينها الكاتب شريطة أن يأتي بروايات صحيحة وأؤكد على كلمة صحيحة ، بكل أدب واحترام ، وأن يبعد عن التجريح والاستهزاء وأن يبتعد عن الروايات المكذوبة ، والجدير بالذكر أن كتب التاريخ والسير تعجّ بالروايات والإسرائيليات سواء كانت الصحيحة أو المكذوبة ورواة هذه الروايات لا يعلم أحوالهم إلا أهل الجرح والتعديل وعلماء الرجال وهم الذين يبينون كذب هذه الروايات من صدقها.

وأنصح أي ناقد للتاريخ الإسلامي وخصوصا عند تعرضه للصحابة ، الذين زكاهم الله ورسوله أن يعرض الروايات على علماء الرجال ليبينوا غثها من سمينها ، وصحيحها من سقيمها ، كذلك لا يجب التحكم في المصادر فيأخذ الناقل من كتب التاريخ ويبني عليها أحكام شرعية وفقهية .

يقول إبراهيم الجيار : " أراد الله للإسلام أن يكون أن دينا بينما أراد الناس أن يكون سياسة وأن تصبح السياسة دينا مع أن الدين عام شامل وإنساني بحت أما السياسة فقاصرة ومؤقتة"

أقول أن الله عز وجل أراد للإسلام أن يكون دينا وسياسة ، والسياسة جزء من الدين بمفهوم السياسة على أنها الحكم وتسيير أمور الناس وغير ذلك، ولا يجوز بأي حال أن نفصل بين السياسة أو الحكم وبين الدين كما هو الحاصل اليوم في أمتنا الإسلامية، قال صلى الله عليه وسلم: )تنقض عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحكم، وآخرهن الصلاة( ، فالإسلام دين ودولة ، لا يجوز بأي حال من الأحوال أن نحجر الدين في المساجد والمعابد وغير ذلك ، ولا دخل له بعد ذلك بأمور المسلمين ، قال تعالى "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" فالإسلام جاء ليَحكم ويسود وليس ليُحكم .

يقول الجيار : "حكومة النبي- صلوات الله عليه وسلامه- كانت حكومة من نوع خاص الحاكم فيها هو النبي-عليه الصلاة والسلام- ولما كان المسلم ينطق بالشهادتين كان رضاء ضمنيا بسياسة النبي—عليه أفضل الصلوات والتحيات- لأموره فقد كان هو((الحكم – وليس الحاكم)) الوحيد الذي يلجأ إليه الناس مختارين "

الكاتب الجيار يناقض نفسه تارة يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الحاكم، وتارة يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الحكم وليس الحاكم ، وبالتالي فلا يمكن حسب رأيه قيام نموذج آخر لحكومة إسلامية غير حكومة النبي لأنه يُوحى إليه ، ولأن رعيته من السلف الصالح والصحابة ، فلا يمكن تكرار النموذج لموت النبي صلى الله عليه وسلم ، وكأن الدين الإسلامي ما جاء إلا  ليطبق في عهده وعهد الصحابة فقط ، وكأن آيات الحاكمية في القرآن  التي تدعو المسلمين للتحاكم لقول الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم انتهى مفعولها، ولا يصح تطبيقها في هذا الزمن، يقول تعالى: "أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ"المائدة:50

يقول الجيار: " ولا يمكن للناس أن يكونوا مثلما كان الصحابة والسلف الصالح طوال حياته صلى الله عليه وسلم"

أنا أسأل الكاتب هل عثمان بن عفان رضي الله عنه يُعد من الصحابة الذين لا يمكن للناس أن يكونوا مثله ، إذا كان الجواب نعم ، فلم تنتقص من عثمان في السطور التالية من حديثك ، ألا يعد هذا تناقضا واضحاً.

يقول الجيار : "لذلك بعد وفاة النبي-صلى الله عليه وسلم- عادت قوانين السياسة والحياة لتعمل من جديد فقد أخذ على الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه ولى أقرباءه من بني أمية أمور البلاد ومسئولياتها بصرف النظر عن كفاءتهم—فولايته أحاطهاالفساد الإداري "

أقول لو تعرفنا على أسماء الولاة في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه وعددهم لوجدناهم زادوا عن الخمسين والياً في الوقت الذي كان من أقرباء عثمان منهم ثمانية وهم :

1-معاوية بن أبي سفيان (الشام). ولاه عمر وثبته عثمان رضي الله عنهما

2- سعيد بن العاص (الكوفة) من خيار الصحابة

3- الوليد بن عقبة (كان أمير على الكوفة خمس سنين) نُقم عليه أنه نزل فيه : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات6] وقالوا أنه صلى الفجر وهو سكران، ذهبوا إلى عثمان و اشتكوه فجلده عثمان حد الخمر

4-عبد الله بن عامر بن كريز (البصرة فارس) أكمل فتح بلاد فارس

5- عبد الله بن سعد بن أبي السرح - مصر

6- عبد الرحمن بن سمرة -سجستان

7- علي بن عدي العبشمي - مكة

8-مروان بن الحكم- البحرين

هؤلاء هم الخلفاء الذين عينهم عثمان ، ثمانية منهم واحد عينه عمر رضي الله عنه ، وهذا العدد ضئيل بالنسبة لعائلة بني أمية الكبيرة جدا ، علاوة على أن عدد كبير من عائلته من الصحابة ، وقد كانت تولية عثمان لأقاربه قائمة على الكفاءة والقدرة العسكرية والإدارية، كما أن عثمان لم يتورع في إقامة الحدود عليهم وعزل من يستحق العزل منهم ، فقد أقام حد الخمر على الوليد بن عقبة رضي الله عنه ، وعزله عن الكوفة ، وعزل أيضا سعيد بن العاص رضي الله عنه عندما أخرجه أهلها ، وعين عليهم من يحبونه.

يقول الجيار : "فلقد أعاد إلى المدينة (الحكم بن العاص) بعدما كان قد طرد منها بأمر النبي –عليه الصلاة والسلام- فسمى لذلك طريد رسول الله(صلوات الله عليه وسلامه) وظل طريد طوال ولاية أبى بكر وعمر لأنه أخترع أحاديث كاذبة عن النبي-عليه أفضلالسلام والتحيات- ويستهزئ به وبأهل بيته من الهاشميين لصالح بني أمية"

أقول لقد كان الحَكم بن العاص في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يحب المنافقين ويعاون الكفار ويُشعل فتيل الفتن ، وقد تاب الحَكم من الكفر والنفاق وزالت علة إخراجه من المدينة ، كما هو مقرر عند العلماء أن( الحُكم إذا علل بعلة ثم زالت زال) ، فلذلك رأى الخليفة عثمان رضي الله عنه أنه لا مانع من إرجاعه إلى المدينة ، وقد كان عثمان قد طلب الإذن من النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته، وقد قال عثمان ذلك أمام أبي بكر وعمر رضي الله عنه في خلافتهما ، فرفضا لعدم وجود شاهد مع عثمان رضي الله عنه أيضا ظناً منهما بأن الحَكم لم يتُب  ، وبعد وفاتهما أصبح عثمان الخليفة وعلم بتوبة الحَكم فأرجعه إلى المدينة .

 يقول الجيار: " وفتح عثمان بن عفان خزائن بيت المال لبنى أمية"

لنسلم جدلاً بأن عثمان رضي الله عنه كان يبذل من بيت المال لا من كيسه ، فإنه كان من المنفقين والمتصدقين والممولين لبيت المال قبل أن يكون خليفة ، ومن أراد التأكد فليراجع كتب التاريخ والسير، فقد كان يعتق في كل جمعة رقبة ، وكان يضيّف المهاجرين والأنصار ، ويطعمهم في كل يوم ، ولقد بلغ عثمان من الغنى أنه جهز جيشا بأكمله وهو جيش العسرة ، أبَعْد هذا وما غفلنا عن ذكره يشك أحد بأن عثمان كان يُنفق على أقاربه من ماله الخاص، لا من مال الدولة، ولو أنفق من مال الدولة فلا ينفق إلا على من يستحق، سواء كان من أهل الصدقات أو الزكوات أو من المجاهدين فيأخذ نصيبه من الغنائم.

        قال الطبري في تاريخه: كان عثمان قد قسم ماله وأرضه في بني أمية ، وجعل ولده كبعض من يعطي ، فبدأ ببني أبى العاص فأعطى آل الحكم رجالهم عشرة آلاف عشرة آلاف ، فأخذوا مائة ألف ، وأعطى بني عثمان مثل ذلك ، وقسم في بني العاص وبني العيص وفي بني حرب . وقد أشار عثمان إلى ذلك في خطبته المشهورة على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رداً على زعماء الفتنة والبغاة عليه فقال : ( وقالوا إني أحب أهل بيتي وأعطيهم،  فأما حبي لهم فإنه لم يمل معهم على جور، بل أحمل الحقوق عليهم، وأما إعطاؤهم فإني إنما أعطيهم من مالي ، ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد من الناس، وقد كنت أعطي العطية الكبيرة الرغيبة من صلب مالي أزمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر، وأنا يومئذ شحيح حريص ، أفحين أتت عليّ أسنان أهل بيتي وفني عمري وودعت الذي لي في أهلي قال الملحدون ما قالوا ؟)

يقول الجيار : "فضلا عن انه آذى أصحاب النبي(صلى الله عليه وسلم) ومن ضمنهم عبد الله بن مسعود"

 يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : فإن قيل إن عثمان قد ضرب ابن مسعود و عمار فهذا لا يقدح في واحد منهم فإنا نشهد أن الثلاثة في الجنة و أنهم من أكابر أولياء الله المتقين و لقد ضرب عمر أبي بن كعب بالدرة لما رأى الناس يمشون خلفه و قال : ذلة للتابع و فتنة للمتبوع .

يقول الجيار : " وأبو ذر الغفاري الذي طرده من المدينة كما سمح عثمان(رضي الله عنه) لأكابر المسلمين والصحابة أن يغادروا المدينة بعد أن منعهم كلا من أبو بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، من ذلك حتى لا يقيموا مناطق نفوذ دينية خارجها ومن ثم ستكون النتيجة سياسة في الأسلوب دينا في المظهر، وهو تقريبا ما حدث فيما بعد"

هذا فيه ظلم لعثمان ، فهو أكرم وأفضل من أن يفعل بالصحابة ما يضرهم ، والأمر كله كان تخييراً لأبي ذر، قال غالب القطان : قلت للحسن البصري : أعثمان أخرج أبا ذر ؟ قال : لا .... معاذ الله، وللاطلاع أكثر يُرجى مراجعة كتاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم للشيخ محمود المصري، المجلد الأول، طبعة دار التقوى للتراث بمصر .

ثم يواصل الجيار نقده اللاذع الموضوعي لتاريخنا المشرق ويسرد عددا من أسماء الصحابة أصحاب رؤوس الأموال الضخمة  من بينهم عثمان فيقول عن عثمان رضي الله عنه : " أما عثمان بن عفان نفسه-رضي الله عنه-فقد ترك يوم قتل ثلاثة ملايينوخمسمائة ألف درهم ومائة ألف دينار وترك ألف بعير بمنطقة الربذة وترك صدقات كان قد تصدق بها برادييس وخيبر ووادي القرى قيمتها مائتا ألف دينار"، ثم يسرد عددا من  الصحابة والخلفاء كعمر وعلي رضي الله عنهما ويُبين تواضعهما وفقرهما.

فأقول للكاتب يا ليت لو أتيت لنا بكشف حساب لعثمان وغيره من الصحابة الأغنياء ، ولا تألُ جهدا علينا في ذكر أسماء الدول الكبرى التي يحفظون بها أموالهم ، ولا أدري لماذا ذكرتَ المفارقة بين عمر وعلي وباقي الصحابة، هل لتوصل القارئ إلى نتيجة أن حكم عثمان قد تخلله الفساد المالي بالإضافة إلى الفساد الإداري الذي سبق ذكره، لقد سبق وأن ذكرت لك بأن عثمان قد كان يُنفق من جيبه على بيت مال المسلمين قبل وبعد أن صار خليفة ، ولم يجمع عثمان أمواله من الرشاوى والضرائب وحقول البترول وحقول الغاز !!!

 يقول الجيار: "والسيدة عائشة رضي الله عنها نفسها في معركتها مع عثمان شبهته بمسيحي مرأب مقيم بالمدينة اسمه(نعثل) ونادت في المسلميناقتلوا نعثلا فقد كفر".

أقول: إننا كمسلمين لا نتعصب لرأي أي أحد كائناً من كان حتى ولو كان من خيار الصحابة ، طالما رأيه فيه خلاف للقرآن والسنة، وإذا سلمنا جدلنا بأن عائشة قد قالت ما ذكره الكاتب فهذا لا يضير عثمان شيئا، ولا ينقص من فضله، ويكون الأمر اجتهادا من عائشة رضي الله عنها، ففي هذه الرواية تُكفر عائشة رضي الله عنها عثمان وتدعو إلى قتله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشره بالجنة، فأي رأي وأي قول نتبع قول عائشة أم قول النبي صلى الله عليه وسلم.

 والصحيح هو أن عائشة لم تحرض على قتل عثمان ولم يثبت عنها، وإن كان هناك رواية لدى الكاتب فليأت بسندها ورواتها، شريطة أن يكون الرواة ممن يؤخذ بشهاداتهم، وقد كُذب على عائشة في نسبة هذا القول لها، لعلمهم بقدر عائشة عند أهل السنة، وبالتالي أرادوا نشر باطلهم بلصق الفرية بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

وعائشة رضي الله عنها نَفَتْ ذلك، بل أقسَمت أنها ما كتبت في ذلك شيئا،  كَتَبتُ سواداً في بياض .

 وهذه الرواية يقول عنها علماء الحديث: فقد جاءت من طريق سيف بن عمر، قال يحيى بن معين: وابن أبي حاتم: ضعيف الحديث،وقال النسائي: كذاب، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات، قال وقالوا: إنه كان يضع الحديث، وقال الدارقطني: متروك، وقال ابن أبي حاتم: مرّة: متروك الحديث، يشبه حديثه حديث الواقدي، وقال أبوداود : ليس بشيء وقال ابن عدّي : عامّة حديثه منكر. 

فيه نصر بن مزاحم قال فيه العقيلـي " كان يذهب إلى التشيع وفي حـديثه اضطراب وخطأ كثـير" (الضعفاء للعقيلي (4/300) رقم (1899) وقال الذهـبي » رافضي جـلد، تركوه وقال أبو خيثمة: كان كذابـاً، وقـال أبو حاتم: واهي الحديث، متروك، وقال الدارقطني: ضعيف« (الميزان للذهبي 4/253) رقم (9046).) وقال الجوزجاني: كان نصر زائفاً عن الحق مائلاً، وقال صالح بن محمد: نصر بن مزاحم روى عن الضعفاء أحاديث مناكير، وقال الحافظ أبي الفتح محمد بن الحسين: نصر بن مزاحم غال في مذهبه « (تاريخ بغداد 13/283) وعلى ذلك فهذه الرواية لا يعول عليها ولا يلتفت إليها إضافة إلى مخالفتها للروايات الصحيحة الناقضة لها.

كما أن  المنقول عن عائشة رضي الله عنها يخالف ذلك ويبين أنها أنكرت قتله وذمّت من قتله ودعت على أخيها محمد وغيره لمشاركتهم في ذلك، كما قال شيخ الإسلام في ردّه على ابن المطهر الرافضي-انظر (مختصر المنهاج ) (ص246) .

يقول الجيار:"وكان الأمر لابد أن ينتهي بالدم، وعندما تسلق الثوار سور منزل عثمان وعاجلوه وهو يقرا القران";

إذن هي نهاية طبيعية لما ذكره الكاتب من ظلم وعدوان وفساد مالي وإداري للخليفة بأن يقوم الشعب ويثور عليه !!!

وأنا هنا أتساءل وأسأل الكاتب لم كل هذا الحقد الدفين على عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأين النقد الموضوعي بما فيه من إيجابيات وسلبيات؟ لم نر منك سوى روايات هشة ضعيفة أو مكذوبة أو منكرة، ورواتها من الكذابين والروافض وممن لا يُشهد لهم لا بعدالة ولا غير ذلك، ثم ما هي النظرية العلمية الفريدة التي توصلت إليها من خلال دراستك النقدية لتاريخنا المشرق؟ لعل النظرية التي توصل إليها الكاتب هي: أن الدين الإسلامي مكانه دور العبادة فقط، ولا يصلح لأن يحكم ويسوس أمور المسلمين، يقول الجيار: " فالتاريخ يقول لنا أن عندما يصير فناء الدين ساحة للسياسة تباح المحرمات فالسياسة-غالبا- تبيح المحرمات وتنتهك العورات على عكس الدين يرى أن الأصل في ((الدماء)) و((الأعراض)) التحريم".

فأقول لك على فرض صحة نظريتك، فالخطأ ليس في الدين نفسه، وإنما يكون في الأشخاص أنفسهم، وتتم معالجة أخطاء الأشخاص بما وضحه الشرع، فالدين الإسلامي لا يسمح بإباحة المحرمات ولا انتهاك العورات، وإن الذي يفعل ذلك هو القانون الوضعي والبشري الذي يحكم العالم الآن، فهل يوجد عدالة ؟ وهل يوجد حرية رأي وهل يوجد احترام لآدمية الإنسان.

إن الواقع اليوم يشهد أن كل إنسان بعيد عن الإسلام له كرامته وله الحق في الحرية ، حرية الفكر والاعتقاد وغير ذلك ، أما إذا كان مسلماً اختار الإسلام ليحكمه فمكانه ، حفرة تحت الأرض، أو زنزانة فوق الأرض، لا فرق بينهما سوى أنه في الثانية يتنفس الذل والقهر والاستبداد.

ولهذا فإن كل القوانين والدساتير البشرية التي تحكم العالم اليوم لم تجد نقدا من الجيار، وسلم من لسانه تاريخ أوروبا وأمريكا وغيرها، وسلمت من لسانه كل الدساتير البشرية والقوانين الوضعية، ولم يسلم من لسانه القانون الإلهي والإسلامي ( الشريعة الإسلامية) ولم يسلم من لسانه تاريخ العرب والمسلمين، وبعد كل ما ذكر من مساوئ لتاريخنا يا ليته أتحف مقاله بكلمة يذكر فيها شيئا من بطولات المسلمين.

أقول للكاتب الجيار لقد سلكت بمقالك هذا مسلكا خطيرا، فقد سئل بعض العلماء عما وقع بين الصحابة من قتال فقال "تلك دماء قد طهر الله منها أيدينا فلا نلوث بها ألسنتنا وسبيل ما جرى بينهم كسبيل ما جرى بين يوسف وإخوته".

 وفي الختام أحمد الله الذي شرفني بالدفاع عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أحد صناع التاريخ المشرق، وهذا على قلة علم مني بعلم الجرح والتعديل وتحقيق الروايات الذي هو اختصاص علماء السنة والحديث ، ولكني استفدت من أقوالهم ومن بعض المقالات التي نشرت على الشبكة العنكبوتية في هذا الشأن..