الحكمة من تعدد زوجات الرسول

الحكمة من تعدد زوجات الرسول

صلى الله عليه وسلم (1)

مريم سيد علي مبارك/الجزائر

[email protected]

لماذا تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم من المطلقة؟ ولماذا تزوج من التي ترملت مرتين؟؟ ولماذا تزوج من الأرملة ذات الأولاد ولماذا بالغنية؟ ولماذا بالفقيرة؟ ولماذا ذات الأصل النصراني وذات الأصل اليهودي ولماذا ولماذا ولماذا؟؟؟ أسئلة نجد الإجابة عنها في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم مع زوجاته التي هي بمثابة دروس وعبر للعالم أجمع..

إن تنوع حالات النساء في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم من الثيبات المطلقات والأرامل (ما عدا عائشة رضي الله عنها الوحيدة البكر) جعل كل منهن مدرسة قائمة بذاتها، وأتاح لنا الخروج بالعديد من الدروس المستفادة من حياتهن بالصبغة الإسلامية، بعيدا عن قيم الجاهلية التي عادت وزحفت على هذه العلاقة المقدسة بين الرجل والمرأة في مجتمعنا المعاصر تدعو إليها الأنظمة العلمانية التي تغذيها الصهيونية من وراء الستار، لإفساد العالم أجمع..وفي شريعة الله وفعل الرسول الهدى الصحيح والأمان الدائم والسعادة الحقة للرجل والمرأة على السواء في جميع أحوالهما..

فلنأخذ الهدى الشريف من كل حالة من حالات زوجاته الثيبات..

1.     الحكمة من زواجه صلى الله عليه وسلم بالمطلقة :

إن البيئات التي تعودت ظلم المرأة يكون موقفها من المطلقة أشد ظلما، وهذه حقيقة من الواقع الحياتي الذي نعيشه، فعندما يقدم بعض الناس على الزواج من امرأة ثيب يستبعد من البداية أن تكون هذه الثيب مطلقة ويفضل الأرملة ويفضل من الأرامل من ليس لها أولاد..وهكذا تتراكم العوائق أمام سيئة الحظ المطلقة، فلا تجد لها في حياة الحلال من نصيب اللهم إلا إذا رضيت بأهون الأحوال، فكان زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش درسا لنا في تكريم صاحبة هذا الظرف العصيب..ولا تقف الدروس عند عتبة الزواج، إذ ما بال الموقف مع الزوج السابق في ظل شريعة السماء، التي تجعل هدفها إيجاد الحب بين قلوب المؤمنين وليس مجرد العدل، فالعدل يعطي كل ذي حق حقه، مثال ذلك )وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم( هذا هو العدل، ولكن الهدف رأب الصدع، ولأم القلوب، وتقوية دواعي الحب، فإن الآية الكريمة لا تنتهي عند استهداف العدل، بل تزيد بقوله تعالى )إلا أن يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفو أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير( البقرة 237. بهذا يعود الحب وكذلك ولي الدم في القصاص، إن أخذ بالقصاص فهذا هو العدل، ولكن عندما يقبل الدية أو يعفو فإن ذلك أقرب للتقوى، لأنه أعاد آصرة الحب بين القلوب، فكيف إذا يكون موقفنا من الزوج السابق؟؟، نقاطعه؟؟، نخجل منه؟؟، نذكره بسوء ؟؟

كل هذا يفعله جهلة اليوم، ومن ثمة يؤثر الكثيرون البعد عن هذه الحالة بالذات، ولكن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يعطينا الدرس حين يبعث بزيد بن حارثة زوج زينب بنت جحش السابق خاطبا لها لرسول الله..وبهذا تموت فجأة كل حساسيات الجاهلية، ويسود منطق جديد وعلاقات جديدة في بيئة الإيمان. فنجد أن زيد بن حارثة يذهب فيجدها قد شمرت لعجين لها، فيعطيها ظهره أدبا، ويقول لها : يا زينب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليك يذكرك، فتقول له حتى أوامر ربي، وتقوم إلى مسجدها للصلاة، وتنتهي بذلك علاقة قديمة بالكرامة أيضا، وتبدأ علاقة جديدة بالمودة بين جميع الأطراف كذلك..

هل في حياتنا حالة واحدة ذهب فيها زوج المطلقة ليخطبها لأخ له في الله؟؟

لا نعلم من ذلك شيئا في وقتنا الحاضر، لكن صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت لهم مواقف على مستوى إيمانهم وأهدافهم واستصغارهم للدنيا، فهاهم أولا يسجلون بحروف من نور مواقف لا يقوى عليها غيرهم...فها هو قائد جيوش الفتح الإسلامي للفرس المثنى بن حارثة يوصي أخاه سعد بن أبي وقاص أن يتزوج امرأته من بعده، لأن لها صفات طيبة تعينه على مهمته، ويستشهد البطل وتتزوج أرملته من سعد بن أبي وقاص، وتقف بجواره في خوض بقية المعارك، لا تضرب عن الزواج وفاء للذكرى كما تفعل بعض النساء والوفاء للذكرى لا يغني عن الحب للحياة..!

وهذه صورة أخرى بين أبي سلمة وزوجته أم سلمة، حيث دعى لها بأن يرزقها الله بمن هو خير منه إذ قال : "اللهم ارزق أم سلمة بعدي رجلا خيرا مني لا يحزنها ولا يؤذيها"، أما منطق الجاهلية فنراه فيما فعله زوج ريحانة عندما عاهدها ألا تتزوج أحدا من بعده، وأنقذها الله من منطق الجاهلية بزواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مقتل زوجها.

2.     الحكمة من زواجه صلى الله عليه وسلم بالتي ترملت مرتين :

هل يقبل في العادة شاب أعزب أو حتى رجل أرمل على الزواج مرة أخرى من امرأة سبق لها الزواج مرتين؟؟ إن جاهليتنا الحديثة تنفر ممن تزوجت مرة واحدة، فكيف بمن تزوجت مرتين، لكن الرسول الأمين يزيح عن القلوب غشاوة الجاهلية بهذا النوع من الزواج، ولا يجد في ذلك غضاضة ولا انتقاصا من قيمة المرأة التي رزئت مرتين في حياتها، ولا يثنيه ما تردده جاهليتنا بأنها تعيش في بيت من لحق بذكريات من سبق، فنرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوج بأمنا خديجة رضي الله عنها التي تزوجت قبله مرتين لها من كل زوج سبق أولاد (عتيق ثم أبو هالة)، وكذلك من زينب بنت خزيمة رضي الله عنها التي تزوجت قبله مرتين، وكذلك بأمنا صفية بنت حيي بن أخطب التي تزوجت قبله مرتين، تزوجت وهي صغيرة من شاعر قومها سلام بن مشكم، ومن بعده كنانة بن الربيع، وهو ابن أبي الحقيق شاعر أيضا قبل يوم خيبر، وكذلك بأمنا جويرية بنت الحارث التي تزوجت قبله مرتين، وكذلك بأمنا ميمونة بنت الحارث الهلالية، تزوجت مسعود بن عمرو ثم فارقها، فتزوجها أبو رهم ابن عبد العزى ثم توفي عنها، فهؤلاء الزوجات يشتركن في هذه الحالة، ويفترقن بعد ذلك في أحوال أخرى تنفي التكرار.

ابحثوا في شرائع الأرض كلها وفي طباع أهل الأرض أيضا لتروا معاملة هذا النوع من النساء، فالبعض يحرم عليها الزواج مرة أخرى، والبعض يعتبرها زانية إن تزوجت، أو يفضلون لها الموت الفعلي بعد موت الزوج، أو الموت الأدبي بالإهمال والبعد عنها، أو بإعناتها بقيم الجاهلية، ولهذا النوع من الجهل يأتينا التحذير الرباني لكل من يغلق أمامهن أبواب الأمل في استئناف حياتهن من جديد في قوله تعالى )فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون( البقرة 232

3.     الحكمة من زواجه صلى الله عليه وسلم بالأرملة ذات الأولاد :

الولد سواء كان كبيرا أو صغيرا هو مشكلة كل ثيب، وهو مشكلة أمام من يفكر في الزواج منها، وتزداد المشكلة تعقيدا عندما يكون الولد كبيرا، تزداد أمه حرجا منه ، فتفضل التضحية بسعادتها واستقرارها، أما عندما يكون عندها عدة أولاد ذكورا وإناثا كبارا وصغارا فمعنى هذا أن هذه الأم المسكينة قد قضى عليها بالإعدام، فمشكلتها عويصة، ولن يتقدم لمثلها أحد، ولن يتقدم لها كفء، ولن تتركها الألسن ولن يرحمها الأولاد!!

ولأن النساء ضعيفات في واقع الأمر ولأن الحياة لا يرفرف عليها علم الإيمان الذي يهدي الحيارى في ظلمات الحياة فإن موقف مثل هذه الأم في البيئات الجاهلية سيكون أكثر صعوبة، وحلمها في الاستقرار يكون مستحيلا..لمثل هذه الأم المسكينة أو المنكوبة يأتي عزاء الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله : "أكون أول من يدخل الجنة، فيبادرني على بابها امرأة قعدت على أيتام لها"، هذه هي الرحمة في قول الرسول، أما فعله فهو رحمة عملية لو قدرنا على فهمه، أو على تطبيقه في حياتنا، ذلك أن الله شرع لنا إكرام مثل هذه الأم، ومعاملة هؤلاء الأبناء بالزواج منها لا بنبذها، فقد تزوج صلى الله عليه وسلم ممن لها أولاد كبار من زوجين سابقين عليه وهي أمنا خديجة، التي كان لها من زوجها الأول عتيق بنتا، ومن أبي هالة ولدين، وكبر الأولاد في رعاية الرسول صلى الله عليه وسلم، وصار منهم الصحابي الجليل هند، وتزوج أم سلمة ولها أربعة أطفال برة وسلمة وعمرة ودرة، ورعى أبناء هذه وتلك..وشرع لنا علاج نفسية الطفل حين يرى القادم الجديد في حياة أمه، فقدعقد قران أم سلمة بوضع يده في يد سلمة الصغير، الذي قال له مازحا : كم تعطي أمي من صداق؟، فقال صلى الله عليه وسلم: "مثل صداق عائشة"، بما يدل على رضا الطفل وسروره، وبهذا ربانا صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى الفريد الذي يغيب عن علماء النفس، ذلك ليكون لنا في رسول الله أسوة حسنة عندما يقدم فريق من الناس على الزواج من مثل هذه الحالات من النساء، وكذلك ليكون للنساء أسوة حسنة في أمهاتهن خديجة وأم سلمة..

كما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ممن تكفل ذوات قربى لحكمة وتزوج من الغنية والفقيرة وتزوج ممن في يدها صنعة وتزوج بمن تعرف القراءة والكتابة، وتزوج ممن حرمت الولد، وتزوج ذات الأصل النصراني وذات الأصل اليهودي..كل ذلك لحكم عظيمة وإنها لدروس عظيمة نتلقاها من البيت النبوي..

4.     الحكمة من زواجه صلى الله عليه وسلم ممن تكفل ذوات القربى :

تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ممن تكفل ذوات القربى ليبين للناس بأنه لا حرج في ذلك..فماذا تفعل من لها أخت غير متزوجة أو خالة لا عائل لها؟؟، يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آدابا جديدة لكل من ترميه المقادير بهذه الحالة، أو لكل من ترميها المقادير بأهل فقراء منقطعين، ليكون لنا جميعا في رسول الله وفي أم المؤمنين ميمونة أسوة حسنة، إذ ضم الرسول إليها خالتها أرملة حمزة، وشقيقتها عمارة التي زوجها بعدما كبرت من ابن أم سلمة.

5. الحكمة من زواجه صلى الله عليه وسلم بمن في يدها صنعة :

يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم احترام وتقدير المرأة التي تقوم ببعض الصناعات اليدوية وأن ذلك ليس تقليل من كرامتها وشأنها..

كانت زينب بنت جحش رضي الله عنها تدبغ وتغزل وتصنع بيديها وتتصدق في سبيل الله، كما وصفتها عائشة رضي الله عنها، وصنعة يدها في الغزل والنسيج أتاح لها ما لم يتح لغيرها من النساء، بعلم الرسول ورضاه، تشريعا لنا وتكريما للمرأة ذات الموهبة، فكانت رضي الله عنها تشتري الصوف وتغزله، ثم تبيعه في السوق، وتقسم الثمن ثلاثة أقسام، ثلث تتصدق به وثلث لمطالب البيت، وثلث تشتري به من جديد، فكانت أطول زوجات النبي صلى الله عليه وسلم يدا بمعنى أكثرهن صدقة، نعتتها عائشة رضي الله عنها بعد موتها بقولها : "لم أر امرأة قط خيرا في الدين من زينب، وأتقى لله وأصدق حديثا، وأوصل رحما وأعظم صدقة، وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي يتصدق به ويتقرب إلى الله عزوجل".

وعندما بلغها نبأ موتها قالت : "ذهبت حميدة متعبدة، مفزع اليتامى والأرامل". كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لزوجاته : "أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا"، فكانت نساء النبي إذا اجتمعن مددن أيديهن، فلما ماتت ولم تكن أطولهن يدا علمن أن المقصود هو الصدقة، حتى كفنها أعدته من عمل يدها، ولما حضرتها الوفاة قالت : "أعددت كفني، وإن عمر أمير المؤمنين سيبعث إلي بكفن فتصدقوا بأحدهما" رضي الله عنها وأرضاها.

6.     الحكمة من زواجه صلى الله عليه وسلم ببنت عدوه :

تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من بنت عدوه لأن زوجته أم حبيبة كانت بنت ألد أعداء الله في ذلك الوقت "أبو سفيان"، ولم تعكس هذه العدواة أي أثر عليها، فلا تزر وازرة وزر أخرى، بل لم يسجل التاريخ أي كلمة مؤذية من الرسول صلى الله عليه وسلم لها.

لم يمنع الرسول صلى الله عليه وسلم أبا سفيان عندما جاء إلى المدينة ليمنع الحرب بعد أن نقضت قريش صلح الحديبية، لم يمنعه الرسول من زيارة ابنته، ودخول بيت النبوة، ويتكلم مع ابنته في علاج الموقف، كان يمكنه أن يمنعه من دخول البيت وألا يرى ابنته، وهذا أقل شيء يفعله المنتسبون إلى الإسلام اليوم، فضلا عن دفع الزوجة في أتون الصراع، فإن لم تنتصر للزوج في مواجهة أهلها كان نصيبها الطلاق، وبمثل هذا السبب طلقت الامبراطورة فوزية من شاه إيران قبل زواجه من ثريا، كل هذا جهل وبعد عن هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وزواجه هذا عبرة لنا ليكون لنا في معاملته صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة أسوة حسنة...يتبع

                

المصدر : د. عبد الحليم خفاجي "كواكب حول الرسول" (مع بعض التصرف)