الخروج إلى الحاكم

ياسر الباز

من المجمع عليه عند علماء المسلمين أن الخروج واجب على الحاكم المرتد أو الحاكم الكافر.

ولكن ماذا عن الحاكم المسلم الجائر الذي يغلب ضررُه نفعَه أو الفاسق الذي يعطل بعض الأحكام الشرعية؟

هذه مسألة خلافية بين مجيزين للخروج ومانعين له ، ولكل فريق أدلته ولا يتسع المقال لبسطها والترجيح بينها ، إذ أن صاحب المقال يرى أننا نضيع الكثير من الوقت في الخلافات النظرية رغم اتفاقنا في الناحية العملية.

وربما تغيير عنوان المقال كفيل بحل الإشكال ، ألا وهو الخروج إلى الحاكم لا على الحاكم.

وقد أرى الاجتماع تحت هذه الراية كفيلاً بتوحيد صفوف المسلمين من العلماء والدهماء ، من الخاصة والعامة ، من المثقفين والأميين. إذ أن حق تظلم المحكوم من الحاكم وإسداء النصيحة للحاكم هو حق إنساني قبل أن يكون حقاً شرعياً.

وها هو رجل مؤمن من آل فرعون يقف وحده أمام فرعون ودولته ، لا يخشى من بطشه وصولته ، يعلنها للناس أجمعين ، ويُتَعَبَّدُ بها إلى يوم الدين "وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ"  (غافر-28). ولم يحك لنا القرآن ماذا حدث بعدها لهذا الرجل المؤمن ، لأن العبرة في فعل الرجل لا فيما حدث له. وهذا من جمال القصص القرآني البديع الذي يركز على الدروس والمنافع لا على النفوس والمواقع. 

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أفضل الجهاد كلمة عدل (أو حق) عند سلطان جائر".

والمتتبع لتاريخ علماء المسلمين يرى العجب العجاب ، واقرأ ما نقله إلينا الإمام الذهبي في ترجمة أبي بكر النابلسي (محمد بن أحمد بن سهل بن نصر ، كان إماما في الحديث والفقه).

قال أبو ذر الحافظ: سجنه بنو عُبيد (الفاطميون الشيعة) ،وصلبوه على السُنَّة، سمعت الدارقطنَّي يذكره ويبكي، ويقول كان يقول، وهويُسلخ:{كَانَ ذَلَكَ فِي الكِتَابِ مَسْطُوراً}.

 قال أبو الفرج بن الجوزي:أقام جوهر القائد (الصقلي) لأبي تميم صاحب مصر(المعز لدين الله الفاطمي) أبا بكر النابلسي، فقال له: بلغنا أنك قلت:إذا كان مع الرجل عشرة أسهم، وجب أن يرميَ في الروم سهماً،وفينا تسعة. قال:ما قلت هذا،بل قلت:إذا كان معه عشرةُ أسهم، وجب أن يرميكم بتسعة، وأن يرمي العاشر...فيكم أيضاً؛فإنكم غيرتم الملة،وقتلتم الصالحين،وادعيتم نور الإلهية، فشهَره ثم ضربه ثم أمر يهوديا فسلخه، وقال ابن الأكفاني: (سُلِخ ،وحُشِيَ تبناً-علف الماشية-،وصُلب)،وقيل: (سُلخ من مفرِقِ رأسه حتى بلغ الوجه، فكان يذكر الله، ويصبر حتى بلغ الصدر،فرحمه السلاخ، فوكزه بالسكين موضع قلبه، فقضى عليه،وقيل: (لما سُلخ كان يُسمع من جسده قراءة القرآن) ، وذكر ابن الشعشاع المصري إنه رآه في النوم بعدما قُتل، وهو في أحسن هيئة. قال: فقلت: ما فعل الله بك؟ قال:

حباني مالكي بدوام عزٍ *** وواعـدني بقـرب الانتصارِ

وقربنـي وأدناني إليه *** وقال: انعم بعيشٍ في جواري

لقد انطلق قطار التغيير فكن راكباً ، كن وقوداً ، كن سائقاً .... لكن بالله عليك لا تكن عائقاً