آصف شوكت - بثينة شعبان: حلم لم يتحقق

قصتي هناك.. 

آصف شوكت - بثينة شعبان: حلم لم يتحقق..؟

لماذا ألاحق في دمشق وتضمني قائمتان:

شهود الزور.. والتسوية اللبنانية..؟

نهاد الغادري

تمهيد مختصر: لم يعد مفيداً أن يفعلها آصف شوكت أو تدفعه لفعلها بثينة شعبان تغطية للمستور ولم يعد مستوراً. فقد كتبتُ القصة وتم تسجيل ما أنشر منها اليوم وماقد أنشر غداً بوقائعها وأحداثها، وبالقليل القليل من خفيّ أسرارها. 

كان ذلك بعد أن تولى الرئيس بشار الأسد الرئاسة وقد عرفته يوم عدت إلى سورية في نهاية العام ١٩٩٤ والتقينا في بيت مسؤول أمني وكان معي الصديق الدكتور غسان الرفاعي مدير التحرير في "المحرر" لذلك الزمن الجميل. يومها سألني الدكتور بشار الأسد عن أوضاع السوريين في الخارج فرويت له بعض آلام الغربة والهجرة فأصدر أمره بأن يعود لسورية كل من آخذه على مسؤوليتي، والتفت إليّ يقول: على أن تكون يداه نظيفتين من الدم.. وكان يعني أن لاتكون له صلة بالأحداث الدامية التي عرفتها سورية قبل سنوات بين النظام وتنظيم الإخوان المسلمين. وقد حدث أن اتصلت من باريس من أجل عدد ممن كانوا يعانون في الغربة وأثق بهم فعادوا إلى سورية دون مساءلة وشكرت للدكتور الأسد - الرئيس فيما بعد ـ ثقته. 

عدت إلى سورية ـ لبنان في منتصف التسعينات وكان لدي في مكتبي بالمحرر العربي في دمشق سكرتيرة ما لبثت أن اختارت العمل مع بثينة شعبان لأنها كانت تصحح لها بعض ما تكتب واختارت لي أختَها سكرتيرة مكانها. لاحاجة للأسماء فمن يعرف القصة يعرفها، وليس هذا هو الموضوع على أي حال. 

كانت سكرتيرة بثينة تنقل لي كثيراً من الأخبار شديدة الخصوصية عن حياتها وصداقاتها وما يجري في مكتبها في الغرفة الأخرى وما تكتب من مذكرات بالإنكليزية وما تهمس لها به من خصوصياتها. ثم بدأت السكرتيرة تحدثني عن بعض أسرار الدولة مما تكتبه بثينة وترسله إلى الخارج في رسائل أو تقارير تتقاضى أجرها. لم أعر القصة كبير اهتمام، واعتقدت أن ما تكتبه وترسله لجهة ما زلت أجهلها هو مجرد باب جديد للرزق. وحين ساورني الشك في ما بعد صارحتُ من اعتبرته لزمن صديقاً أو معرفة جيدة على الأقل، وهو اللواء آصف شوكت صهر الرئيس الأسد. طلب مني آصف أن أترك له الأمر لأنه سيتولاه. وكان طبيعياً أن أتركه فلست موظف أمن ولا مسؤولاً في النظام. آصف من الداخل أما أنا فما يهمني وقد تجاوزت الأحلام هو استقرار سورية وذلك القدر الممكن من الحرية لمواطنيها وهم أهلي. 

ومضت الأيام وصرت أسمع من الشقيقتين قصصاً وروايات تتصل بالعلاقة بين آصف وبثينة وما تنقل إليه من محادثات القصر ووثائقه. حتى عرفت يوماً أن آصف كان يعتزم قلب النظام وكانت بثينة تمني النفس بأن تكون السيدة الثانية لاستحالة أن تكون الأولى.؟!! 

أحدهم، وكان مسؤولاً، حذرني يومذاك من آصف. قال لي إنه لايثق بأحد وإنه يعمل بصمت لتحقيق هدف يتجاوز واقعه وقدراته. إنه يتطلع لما هو أكثر من ابنة النظام. يتطلع للنظام ذاته. شاب طموح لم يعد يقف أمام طموحه وما يحلم به إلا بشار الأسد وشقيقه ماهر. الأول يتطلع آصف لموقعه، أما الثاني فيخشاه. 

ثم حدث ما لم أتوقعه في إطار ما تقدم. 

وصل إلى دمشق شخص تربطني به علاقة عُمْر. اتصلت به سكرتيرتي لتنقل له عني أخباراً جدّ خاصة بعضها صحيح وبعضها تمّ تركيبه. وحين أيقنت سكرتيرتي أن الوضع النفسي أصبح ملائماً لتنفيذ ما تم تكليفها به سألت الشخص الذي تربطني به تلك العلاقة الحميمة ما إذا كان يرغب في الانتقام مني بما روت له عني وصدّقه فجاء الجواب سريعا نعم. عادت السكرتيرة وشقيقتها التي تعمل في مكتب بثينة وتعرف الكثير من أسرارها، عادتا ومعهما وثائق بالغة الخصوصية من القصر الجمهوري تتضمن أسراراً ومعلومات ومحادثات، وقيل لمن تربطني به تلك العلاقة الحميمة أن يضع هذه الوثائق في محفظتي الخاصة، وفي كومبيوتري إذا أمكن، وأن يهتف من مكتبي بدمشق لمحاميّ في أميركا ـ وهو يهودي الولادة يصعب أن تجد أصدق منه أو أصفى ـ.. يهتف من دون أن يتحدث معه. فقط يطلبه ويضع الهاتف لتسجيل أنني اتصلت به، وكان الهدف من فبركة تهمة "الخيانة والتجسس" عليّ، ولم يكن ذلك صعباً على من يملك القوة، وشجاعة التزوير، وأحلام السلطة. 

تردد الشخص الذي تشدني إليه تلك العلاقة الحميمة التي سبق ذكرها في تنفيذ المخطط لما سيترتب عليه من نتائج مأساوية. طلب التأجيل. وصلت دمشق يومذاك. شعرت أن شيئا غير مألوف قد حدث أوسيحدث. غادرنا معاً عائدين إلى بيروت. عرفت كل شيء في ما بعد. 

يجب أن يعرف المرء سورية ليعرف أن الرئيس حافظ الأسد نجح في بناء أجهزة أمن عظيمة الحضور، بغض النظر عن خطأ هنا أو تجاوز هناك، وهو ما يجري في كل مجتمع أو نظام من أنظمة الشرق الأوسط الغارق في لعبة التاريخ والتأليه والتوريث. 

لم يكن أحد تلك الأجهزة، فيما يبدو، بعيداً عما يحدث من حولي. كان يراقب كل شيء بصمت من دون أن يعلم أحد. عدت إلى بيروت كما سبق وعاد معي من تربطني به تلك العلاقة الحميمة، لنستيقظ صباح اليوم التالي على نبأ غياب سكرتيرتي وشقيقتها الكاتبة يومذاك في "المحرر العربي" وكانت في الوقت نفسه سكرتيرة لبثينة شعبان تساعدها على صياغة مقالاتها. أثارني ذلك وطرح أكثر من علامة استفهام عما يجري في الخفاء. بدأت أسأل وأتساءل. نصحني صديق أثق به بالبقاء في بيروت لأيام بانتظار ما سيكون. 

فوجئت بعد يومين باتصال من آصف شوكت من دمشق يسألني عن السكرتيرتين. قلت: وكيف لي أن أعرف أكثر منك.؟. قال بلهجة بدت لي جافة وكانت علاقتنا جيدة كما سبق، قال: "إذا عرفتُ في المستقبل أنك كنت تعرف فلن يحصل خير". أدركت أن شيئاً يحدث يتجاوز قصة الشقيقتين اللتين كانتا مجرد أدوات في لعبة باطنها أخطر من ظاهرها. قلت لآصف على الهاتف: لا أعرف. هذا كل ماعندي. 

عدت إلى دمشق بعد أكثر من أسبوع ليقول لي أصدقاء من داخل النظام إن بثينة وآصف يحاولان بأي ثمن معرفة ما حصل ومن اعتقل الشقيقتين: سكرتيرتي وشقيقتها سكرتيرة بثينة. راجعا وزير الداخلية ولم يكن يعرف. راجعا أجهزة الأمن فلم يسمعا إلا الصمت أو الجهل. من يعرف سورية يعرف أن لاجهاز يكشف للآخر ما يعرف. لم يجرؤ آصف أو بثينة أن يقولا للرئيس ما حدث مخافة أن يسأل فيعرف الحقيقة. 

بالنسبة لي لم أكن أعرف طبعاً، سبب الإعتقال، من اعتقل ومن أمر ولماذا ـ عرفت قليلاً منه فيما بعد ـ. لم أكن أعرف أيضا الجهة التي راقبت وسجلت أحاديث الهاتف واعتقلت وصادرت الوثائق، أو ما تبقى منها لأن بعضها أعيد إلى مكتب بثينة. من يعرف النظام يعرف أن لعبة الأمن هي السر الأخفى ويعدل كشفه حياة من يعرفه أو يفضحه. ثم عرفت القليل وبقي الكثير غامضاً وأجهله. عرفت فقط أن الجهاز الذي أوقف الشقيقتين تجنب الكشف عن الكثير من الأسرار لئلا يتم عرضها أمام القضاء، واكتفى القضاء بالحكم عليهما بالحبس سنتين لحيازتهما وثائق سرية هي الوثائق التي أعطتها بثينة للأختين بمعرفة آصف لوضعها في حقيبتي وكومبيوتري والزج بي في السجن تغطية لواحدة من عمليات التلصص التي كانت تدور داخل القصر وفي الخفاء. وقد أضيف: ربما كان لعلاقتي الخاصة ببعض أهل النظام ممن كان يخشاهم آصف أو يود تهميشهم، أو تغييبهم، صلة ما بما حدث. كنت مستهدفاً بنفسي وعلاقاتي وصحيفتي "المحرر العربي" التي تجاوزت أرقام توزيعها في سورية كل ما عرفته في تاريخها. 

أدركت وقد بلغ الأمر حدود الخطر أن عليّ مغادرة سورية وأن البقاء فيها أصبح غير آمن، وأن في النظام جيوباً تعمل مع الخارج، وأخرى تعمل على التغيير ـ وما زالت ـ ولها روابط خارجية. وأنها تبحث دائماً عن ضحايا تتستر وراءهم لتخفي سرها أو أسرارها، ما كان منها خاصاً كـ "سرّ بثينة مع آصف من قبل"، أو كان سياسياً كـ "سرّ آصف مع النظام.؟". 

من هذه القصة، وذلك التاريخ وقد مضى عليه ثماني سنوات فيما أذكر، بدأت القصة الأخرى التي حاولت فيها بثينة استحضار أكثر من شخص من أسرتي وتوظيفه في بعض صحف النظام لتوجيه الشتائم والإتهام لي.. ثم.. ثم.. ثم أصبحت مؤخراً، وفجأة، أحد شهود الزور في لعبة اغتيال رفيق الحريري الشهيد دون أن أكون شاهداً. مجرد اتهام أرادته بثينة ومعها آصف - ومثيله اللبناني جميل السيد.. - شاؤوا أن يُدْرَج اسمي في قائمة شهود الزور. لم أشهد، بالرغم من أنني أعرف الكثير وقد رافقت بداية القصة وكان لي دور في إحدى مراحل الصراع السياسي. وأسأل: لماذا أضافوا اسمي..؟ وأجيب: لتصفية حسابات قديمة بعضها قذر جداً وبعضها الآخر أكثر قذارة. 

أخيراً رأت السيدة الفاضلة بثينة وفريق ممن بيده الأمر إضافة اسمي لقائمة أخرى حملها مسؤول عربي مكلف في الأزمة اللبنانية ما بين دمشق ـ الرياض، والهدف هو تصفية حساب تلك الأحداث التي أدفع ثمنها مرتين: 

مرة في دمشق مع البعث الذي كنت من أحد شقّيه يوماً.. 

ومرة في الرياض التي قاتلت لزمن دفاعاً عنها وما زلت أذكر بالخير كثيراً من أيامها ورجالها وفي مقدمتهم فيصل بن عبد العزيز رحمه الله.؟!!!!

..                     ..                     ..

أروي هذه القصة اليوم باختصار لأن تداعياتها ما زالت تلاحقني ولأن من بيده، أو بيدهم الأمر يجب أن يعرفوا الحقيقة، ولهم، في ما بعد، حرية القرار. 

للتوضيح؛ ولئلا يحسب أحدهم هناك أن التصفية، أي القتل، هو الحل فقد كتبت القصة كاملة بأسمائها وأحداثها وتفاصيلها لتوضع أمام الرأي العام إذا ما تم تغييبي، وهو ما يهدد به من كان يحلم وما زال يحلم بقلب النظام.. ويحلم معه آخرون ؟!!! 

بقي أن أذكّر صاحب الأمر في دمشق أن لامطالب لي ولامصالح ولا خصومات شخصية. لا شيء أريده سوى الخير لوطني الأول سورية وقليل من الحرية والعدل والاستقرار لشعبها الذي دفع ويدفع ثمن صدقه وأحلامه الكبيرة. لا شيء أطلبه لنفسي أو أتطلع إليه أو أحلم به، فقد تجاوزت كل هذا.. 

وأسكت إلى حين..........