هل الوجود أم الوجود المسيحي فقط في خطر

د. حمزة رستناوي*

[email protected]

هل الوجود المسيحي في الشرق في دائرة الخطر؟

سؤال يتكرر بإيقاع مرتفع في السنوات الأخيرة, و لعل حادثة تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية ليلة رأس السنة 2011 قد أعطى زخما آنيا للسؤال.

إن مقاربة ظاهرة الوجود المسيحي في الشرق تتم على نطاق واسع من خلال رؤى تبسيطية اختزالية جوهرانية, و يمكن تبيان بعض ملامح هذه المقاربة بما يلي:

أولاً: اختزال أبعاد الكينونة الاجتماعية في بعدها العقائدي فقط, بحيث يتم تصنيف الناس بشكل اختزالي : هذا مسلم,هذا مسيحي, هذا سني,هذا شيعي ..الخ.

و ضمنا هذا من جماعتنا , و هذا كافر ضال ..الخ

 فالكينونة الاجتماعية ذات أبعاد متعددة – راجع الايديلوجيا الحيوية لرائق النقري – إحداها هو البعد العقائدي فهناك أبعاد أخرى على سبيل المثال لا الحصر :زمان- مكان- سكان- عمل – علم – إدارة – قائد " و هذه الأبعاد كلها تؤثر في البعد العقائدي و تتأثر به .

 ثانيا ً: تجريد الحدث عن سياقه التاريخي : فهو جزء من سلسلة أحداث عنف شهدتها محافظات الصعيد منذ عقود على الأقل و كذلك سجالات عنيفة تتعلق بحوادث بناء كنائس أو انتقال أفراد من الإسلام إلى المسيحية و بالعكس كذلك , و يمكن تتبع جذور تاريخية أكثر عمقا واكبت صيرورة تشكيل الهوية المصرية إبان دخول العرب المسلمين لها بقيادة عمرو بن العاص و التفاعل مع سكان البلاد الأقباط,فليس ببعيد أيضا ً ذلك السجال فكري تم من عدة سنوات بين مثقفين مصريين هل عمرو بن العاص غازي مستبد أم صحابي فاتح؟

و غالبا ً لن يكون حدث تفجير كنيسة الإسكندرية الأخير في سلسلة العنف الدائرة في مصر؟ فالحدث أكبر من أن ننظر إليه في سياق حادثة عارضة .

ثالثا ً: اختزال حادثة تفجير الكنيسة بكونها مؤامرة خارجية صهيونية أمريكية ؟

مع عدم استبعاد دور إسرائيلي مباشر أو غير مباشر لإسرائيل في هذا الأمر , و لكنه ما كان ليتم لولا وجود قوى و جماعات إسلامية مصرية تتبنى هكذا خيار و تنظر للوجود المسيحي كحضور غير مرغوب به, و ليس هذا بغريب على أدبيات القاعدة و الإسلام السياسي, قد لا تكون فكرة قتلهم و تهجيرهم هي القاعدة في خطاب بعض هذه الجماعات , و لكنهم على الأقل مطالبين – من وجهة نظرهم- بدفع الجزية – عن يد و هم صاغرين- لدولة إسلامية افتراضية تحميهم.

ثم إن هناك خيط رفيع جدا – في فكر هذه الجماعات- يفصل بين " الغرب الصليبي" و بين "النصراني المشرقي " المُشتبه بالعمالة للأصل المفترض

و هذا الخيط الرفيع يسهل تجاوزه بفتاوى جاهزة إن لزم الأمر.

إن عموم زعامات الإسلام السياسي و القاعدة ليست عميلة للغرب بقرينة أحداث 11 أيلول و استهدافها لجنسيات غربية ,و لكنها تلعب دورا – من حيث تدري و لا تدري – في إضعاف المجتمعات العربية الإسلامية و زيادة تشرذمها,بما ييسر الهيمنة الخارجية.

رابعا ً: اكتفاء كثير من رجال الدين المسلمين بإدانة هذه الجريمة – رغم أهمية ذلك كرد فعل مباشر - و سكوت بعضهم عنها, و الإدانة هي غالبا إدانة لفظية إعلانية بروتوكولية , لكونهم في المجمل يتبّنون خطاب ديني جوهراني يميّز تفاضليا المسلم عن غيره , من خلال حقوق و امتيازات واجبة, هو خطاب بحاجة لإصلاح شامل, يتجاوز النظر إلى الآخرين و ضمنا المسيحيين كمجرد خطأ ينبغي إزالته أو هدايته أو التفضّل عليه بالتسامح.

خامسا ً: التركيز على انتهاك حقوق الإنسان "المسيحي ", بمعزل عن الإطار العام لظاهرة انتهاك حقوق الإنسان بشكل عام لدينا , و ضمنه حق الاعتقاد و حماية الحريات الدينية , ففي كثير من بلاد العالم العربي و الإسلامي ثمة انتهاكات لحقوق الإنسان و تمييز ضد مسلمين مثلا , فيجب قراءة الظاهرة ضمن إطارها القانوني و الاجتماعي العام , و العمل على تجاوز القصور في وقف و فضح انتهاكات حقوق الإنسان و ضمنه الاعتقاد و الحرية الدينية.

*

في الختام ثلاثة أنوه بثلاثة أدوار:

الأول دور الحكومات : ثمة مسؤولية غائبة للحكومات و النخب العربية الحاكمة, في تجنب مجتمعاتها و بلدانها عواقب حروب طائفية أو تدخل أجنبي أو انفصال جزء من التراب الوطني"كحالة جنوب السودان". هذه المسؤولية يجب أن تُتَرجم في سياسات اندماج وطني حقيقة, ضمن إطار المواطنة و الدولة الحديثة و إصلاح القوانين و سياسات التعليم.

الثاني دور المسلمين: تطوير صلاحيات الخطاب و السلوك الإسلامي المعاصر , و تجاوز مصالح مضى عصرها :كمصالح الجزية- و مصالح قتل المرتد..الخ, و كذلك المشاركة في بناء أفق سياسي مدني"دنيوي" مشترك, بناء على فهم حيوي للإسلام .

الثالث دور المسيحيين: تطوير صلاحيات الخطاب المسيحي المشرقي المعاصر ,و البحث عن المُشتَرك العام , فالمسيحيين ليسوا بضيوف ,إنهم أصحاب أرض و شركاء ماض و حاضر , و ينبغي التركيز على إصلاح مؤسسة الكنيسة باتجاه أكثر شفافية و أقل مركزية , و تجاوز مصالح: الهجرة ,و التبشير الديني , و ربما الاستخدام من قوى الهيمنة الخارجية .

                

* شاعر وكاتب سوري