العراق: فضيحة الجنود الوهميين في «الدولة الوهمية»

العراق:

فضيحة الجنود الوهميين في «الدولة الوهمية»

رأي القدس

بدأت السلطات العراقية توسيع التحقيقات في قضية الجنود الوهميين» بعد الكشف عن وجود خمسين الف عنصر «وهمي» في الجيش، وهو ما بات يعرف اعلاميا بـ»الفضائيين»، ليشمل أيضا وزارة الداخلية بكافة مراكزها الأمنية.والمقصود من «الجنود الوهميين او الفضائيين» عناصر في الأجهزة الأمنية العراقية من الجيش والشرطة ممن يتمتعون بإجازات مفتوحة مقابل دفع مرتباتهم الشهرية إلى قادتهم العسكريين مع ضمان استمرارهم بالخدمة، أو جنود قتلوا في المعارك ولم تحذف أسماؤهم من قوائم الرواتب الشهرية.

واكد برلمانيون عراقيون ان «الجنود الوهميين» يتحملون جزءا كبيرا من المسؤولية عن سقوط الموصل في ايدي داعش، حيث ان الآلاف منهم كانوا من الذين يفترض ان يدافعوا عن المدينة.

واشاروا إلى ان هذه الظاهرة كانت موجودة قبل الغزو الامريكي للعراق في العام 2003، لكنها كانت محدودة للغاية، ثم توسعت منذئذ، مؤكدين ان العدد الحقيقي لـ «الجنود الوهميين» قد يكون اكبر كثيرا من الخمسين الفا الذين اعلن عنهم رئيس الوزراء حيدر العبادي قبل يومين، حيث ان «الوهم موجود» ايضا بين صفوف الشرطة واجهزة امنية اخرى.

ويتقاضى الجندي العراقي راتبا شهريا متوسطا قدره 750 ألف دينار عراقي، اي نحو 600 دولار أمريكي، وهو ذاته الذي يتقاضاه أقرانه في وزارة الداخلية من الجنود بينما يتقاضى الضباط في وزارتي الدفاع والداخلية، حسب الرتب العسكرية راتبا مضاعفا.

واذا افترضنا ان الخمسين الفا هو العدد النهائي في هذه الفضيحة، سيتبين ان مقدار ما تم اهداره من اموال الشعب العراقي على اولئك «الوهميين» في السنوات العشر الماضية هو ثلاثة مليارات وستمئة مليون دولار. اما اذا اردنا اضافة قيمة «الصفقات الوهمية» في التسليح والتدريب لذلك «الجيش الوهمي» حقا، فان ذلك الرقم سيتضاعف عشرات المرات دون مبالغة.

وبينما يتحدث البعض عن ضرورة احالة مسؤولين عسكريين إلى التقاعد او المحاكمة، لم يشر احد إلى المسؤولية الجنائية والسياسية لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي تولى الحكم لثماني سنوات وكان يترأس خلالها كافة الاجهزة والقوات الامنية بما فيها الجيش والشرطة.

لم يفسر احد للشعب العراقي الذي اصبح يعاني الفقر والجوع ويطلب المساعدات الدولية لاغاثة اكثر من مليون نازح، كيف تمكنت الحكومة من التورط في كل هذا الفساد، واهدار كل تلك المليارات طوال تلك السنوات دون أدنى خوف من محاسبة او عقاب؟

ومن المشروع ان يسأل العراقيون اليوم: هل الخوف من تكشف مثل هذه الفضائح هو ما جعل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي يصر على التشبث بمنصبه حتى بعد ان تخلى عنه اغلب انصاره، ثم جعله يصر على تولي منصب «نائب رئيس الجمهورية» طلبا لاستمرار الحصانة؟ 

اما السؤال الاهم، فهو ان كانت مثل هذه الفضيحة ممكنة الحدوث اصلا في دولة حقيقية؟ ام ان «دولة المالكي» نفسها، وليس الجيش فقط، كانت «وهما كبيرا»، ومجرد ستار رسمي للفساد، وحصنا يختبئ فيه المفسدون؟ 

الواقع ان كثيرا من العراقيين يدركون ان فضيحة «الفضائيين» او الجنود الوهميين ليست سوى «قمة جبل الجليد»، وهو ما جعل العراق يحتل المركز الثاني في قائمة اكثر الدول فسادا حسب تصنيف منظمة الشفافية العالمية خلال سنوات حكم المالكي.

ولقد احسن رئيس الوزراء حيدر العبادي بالكشف عن هذه الفضيحة امام البرلمان، الا ان هذا ليس كافيا، اذ يحتم عليه واجبه ان يحقق سياسيا وجنائيا مع كافة المسؤولين عن اهدار اموال الشعب العراقي، مهما كانت المناصب التي يتقلدونها.

الواقع ان مواجهة الفساد الذي استشرى في مفاصل الحكومة ويسهم بقوة فيما يعانيه العراقيون حتى اليوم من ويلات، تبقى شرطا رئيسيا لوجود دولة حقيقية جديرة بثقة شعبها. وبالطبع فان هذا يجب ان يحدث ضمن مقاربة سياسية شاملة تقوم على الشفافية الكاملة في ادوات الحكم، والاصطفاف الوطني وراء مشروع قومي لانقاذ العراق من الوقوع في غياهب الظلام والتطرف والاقتتال الطائفي.

اما البديل فهو مزيد من الاندفاع نحو وضع تهيمن عليه مصالح ضيقة ورؤى انفصالية، وانهيارات امنية واقتصادية، وخرائط لكانتونات عرقية وطائفية، ما قد يستحيل معه الحفاظ على العراق كما عرفناه سواء كدولة حقيقية او حتى وهمية.