هديل كامل وإطالتُها النافِعة

المأمون الهلالي

[email protected]

قليلاً ما أشاهدُ لقاءَ تلفزةٍ أو أقرأُ حوارَ صحيفةٍ لِفنانٍ ، سواءٌ أكان عربيًا أم أجنبيًا ؛ مُمَثلاً أم مُطربًا أم سِواهما ؛؛؛ ذلك بأنَّ الفنانين يَبسُطون إبداعَهم في أعمالِهم الفنيةِ ، واللقاءُ بهم مُتلفزًا أو مكتوبًا خالٍ من الفائدةِ وأكثرُ ما يكونُ أسئلة ً عمَّا شجَرَ بينهم وبينَ أقرانِهم أو سؤالاً عن حالِهم العائليةِ ، وبعضُهم يَظهرون على خلافِ ما هم عليه ويمدحون أنفسَهم مدحًا لا يَليقُ بغيرِ الأنبياءِ ،، ولا قِبَلَ لنا بأنْ نصِلَ إلى تلك المنزلةِ ، وادِّعاؤنا أننا في غايةِ الكمالِ ظاهرًا وباطنـًا قولاً وفعلاً هو زَيفٌ مكشوفٌ لا يُصدقه حصيفٌ ، لكنْ لا ينبغي للإنسانِ أنَّ يَبوحَ بالضعفِ الذي يَعتريه أحيانـًا فيَحمِله على اقترافِ المَشاينِ ، لأنَّ ذلك مُجونٌ مُستقبَحٌ.

............

(ظهيرة ُ الجمعة) برنامجٌ في قناةِ (الشرقيةِ) عرضَ في الحلقةِ الماضيةِ نبذة ً من حياةِ الفنانةِ الوَقورةِ (هديل كامل) ،، تردَّدتُ في مشاهدتِها وقلتُ في نفسي ماذا عسى أن أستفيدَ ؟! ثمَّ قطعتُ التردُّدَ بالمُشاهدةِ فانتفعتُ وأعجبتني قِطعتانِ مِن تِلكم النبذةِ ،

فأمَّا القطعة ُ الأولى فكانت (هديل) فيها جالسة ً في مَطعمٍ مُشرِفٍ على البحرِ المتوسطِ ، فأشارت إلى جسمٍ صخريٍّ عالٍ داخلٍ في شاطِئِ البحرِ – نسيتُ اسمَه- وقالت إنه مكانٌ كان يصعدُ عليه العشاقُ وينتحرون بإلقاءِ أنفسِهم مِن أعلاه ، وتعجَّبتْ منهم وقالت كيف ينتحرُ مَن يعيشُ في

 لبنانَ ؟! إنه بلدٌ يَحفِزُ ساكِنِيه إلى حُبِّ الحياةِ والتشبُّثِ بها ،،

لقد أصابَ كلامُها مَوضِعًا مُغبَرًّا في نفسي ؛ لأنها أقرَّتْ بأنَّ الإقامة َ في غيرِ العراقِ قد تكونُ جميلة ً مع أنَّ الإقامة َ في العراقِ أجملُ لو كان العَيشُ فيه مُريحًا.

نحنُ المُهاجرين ندِّعي دائمًا أننا في ضيقٍ وتعاسةٍ شديدةٍ سببُها فراقـُنا للعراقِ وأنَّ الإقامة َ في غيره موتٌ مُتدرِّجٌ ، ومع ذلك نحنُ لا نرغبُ في العودةِ إليه والعيشِ فيه مادامت حاله مُضطربة ً ، وهذا التناقضٌ في أنفسِنا إنْ هو إلا خِداعٌ ورياءٌ نحاولُ أنْ نـُخفِيَ به الراحة َ التي حُرِمْناها في بلادِنا الجريحةِ ووجدناها في المهاجرِ وإنْ كانت ناقصة ً.

إنَّ (هديل) غيرُ مُصابةٍ بهذا التناقضِ الذي قلما يسلمُ منه مُهاجرٌ.

وأمَّا المقطعٌ الثاني فذاك لمَّا ذهبتْ (هديل) إلى امرأةٍ عراقيةٍ فاضِلةٍ هي صديقتـُها وجارتـُها وزميلتـُها وجلستْ إليها وحدَّثتها عن أمرٍ مِن أمورِ الدراسةِ وقالت لها ( أنتِ أشدُّ تفوقـًا مني فيه) ،،، لم تكن (هديل) مُضطرة ً إلى هذا الإقرارِ وكان يَسعُها ألا تظهرَه لأنها لم تـُسألْ عنه ، ولكنَّ عفويَّتـَها دفعتها إلى ذلك ، وعادة ُ الناسِ – والكاتِبُ منهم- أنهم لا يعترفون بتفوقِ أحدٍ عليهم إلا نادرًا ، وعادة ُ الفنانين أنهم لا يكشفون من حياتِهم إلا "البُطولاتِ والخوارقَ" التي يريدون أن يُبهروا المشاهدين بها ، غيرَ أنَّ (هديل) ظهرت كأيِّ إنسانةٍ ، تسعَى للتفوقِ فتـُدرِكه في جوانبَ ولا تـُدرِكه في جوانبَ أخرَى وتكونُ مُتوسِّطة ً فيها ، وليس هذا خللاً في شخصيةِ الإنسانِ الناجحِ بل هو الطبيعة ُ البشرية ُ عينـُها.

ثمَّ قالت (هديل) إنَّ زميلتها أعانتها على التقديمِ إلى (الدكتوراة) وهي

لا تفتأ تساعِدُ العراقيين بما تستطيعُ أن تـُساعدَهم به.

في هذا القطعةِ نجدُ (هديل) نقلتْ عدسة َ الكامرةِ وعينَ المشاهدِ إلى صديقتِها وفاءً لها وتنوِيهًا بفضلِها ، ومِن خِصالِ الفضلاءِ أنهم يُشيدون بمَن آزرَهم وأحسنَ إليهم،، ومَن يُساعِدْهم سِرًّا يذكروا له إحسانـَه ويشكروه علانية ً في المَحافِلِ المَشهودةِ.

(هديل) فنانة ٌ مُتواضعة ٌ مِن غيرِ ضعفٍ ومُتفوقة ٌ مِن غيرِ غرورٍ وطغيانٍ ، وهذا توازنٌ ذو خطرٍ في نفوسِ الناجحين ويَعِزُّ وُجُودُه عند الفنانين .   

الصدقُ والعفوية ُ والوفاءُ ثلاثُ صفاتٍ تجدَّدنَ عندي مِن مشاهدتي لِقاءَ الفنانةِ والأختِ العراقيةِ الكريمةِ ( هديل كامل) وليتها تظلُّ تـُطِلُّ إطلالتـَها التلفزية َ النافعة َ في لقاءاتٍ أخُرَ .