العراق يواجه مأساة انقراض مواطنيه المسيحيين

د. عبد الوهاب رشيد

ترجمة: د. عبد الوهاب حميد رشيد

 هل أن إقامة محافظة ذات أغلبية مسيحية في سياق حكم ذاتي في شمال العراق، تُشكل حلاً لمحنة المسيحيين في العراق؟ حسناً، تم طرح هذا الاقتراح من قبل المسيحيين العراقيين، وأعرب رئيس جمهورية حكومة الاحتلال في العراق عن تأييده للدعوة التي جاءت بعد حمام الدم في كنيسة النجاة في بغداد في أكتوبر.

 يقترح ممثلوا الطوائف المسيحية الآشورية، الكلدانية، والآرامية في العراق إنشاء منطقة إدارة ذاتية في محافظة نينوي شمال البلاد. ووفقاً لرئيس جمعية الدفاع عن الشعوب المهددة Society for Threatened Peoples (STP) - Tilman Zülch والأهم من ذلك أن الحكم الذاتي في المنطقة يمكن أن تُساعد على حماية الطوائف الصغيرة- العرقية والدينية- إذا ما رُبطتُ هذه المنطقة بالإقليم الكردي السلمي الشمالي... الوضع هناك ظلّ آمناً لسنوات، والسياسات الإقليمية الحكومية تُعتبر مثالية لمنطقة الشرق الأوسط بأسرها." يظهر أن الطوائف المسيحية يُشيرون إلى نسخة مصغّرة من كرستان العراق- منطقة حكم ذاتي لهم مع أقل قدر من الرقابة من جانب الحكومة المركزية في بغداد.

 يُضيف Zülch: "الدستور العراقي يسمح بتشكيل منطقة حكم ذاتي، وينص على إجراء استفتاء. يجب أن يجري الاستفتاء في وقت قريب، طالما أنه في مصلحة كافة الأقليات." من جهته، قدّم رئيس جمهورية حكومة الاحتلال في بغداد تأييده، ودعا إلى إنشاء محافظة جديدة، حيث المسيحيون يُشكلون الأغلبية فيها، وفقاً لمقابلته مع التلفزيون الفرنسي France 24 television الأسبوع الماضي.

 وأضاف: "هناك مناطق ذات أغلبية مسيحية في العراق، وليس لدينا اعتراض بشأن تشكيل إقليم خاص للمسيحيين في العراق... حماية المسيحيين واجب مقدس للحكومة العراقية وكافة الكتل السياسية،" علاوة على أن طائفة (الأغلبية) أبدت استعدادها لتشكيل فرق مسلّحة لمساعدة وحماية المسيحيين.

 تمتّع المسيحيون العراقيون بالامتيازات في ظل النظام العراقي لما قبل الاحتلال. وكانوا من بين العراقيين الأفضل تعليماً، وأداروا مشرعاتهم الاقتصادية بنجاح. النائب السابق لرئيس الدولة- طارق عزيز- مسيحي كلداني. كان المسيحيون يتركزون في البصرة- الجنوب، الموصل- الشمال- وفي بغداد- وسط العراق.

 الحرية الدينية، لم تواجه أي تحد في ظل ذاك النظام. في أوائل التسعينات كان يتواجد مليون مسيحي في العراق. انخفض هذا العدد منذ ذلك الحين، حيث اتجه العديد للحصول على اللجوء في الغرب وأماكن أخرى، تهرباً من تأثير المقاطعة الأممية التي فُرضت على العراق بعد غزو الكويت العام 1990.

 أثناء الغزو/ الاحتلال كان في العراق ما بين 700 ألف إلى 800 ألف من المواطنين المسيحيين. وتُشير التقديرات حالياً إلى انخفاض عددهم لغاية حوالي نصف مليون. ووفقاً لـZulich، منذ العام 2003 فأن أكثر من ثلاثة أرباع ألـ 400 ألف المسيحيون المقيمون في بغداد، هربوا من جملة الخمسة ملايين عراقي.

 منذ الغزو/ الاحتلال بقيادة الولايات المتحدة، صار المسيحيون مستهدفين وضحية القمع، الترهيب، والعنف. تخريب الكنائس بشكل روتيني، تعرض متاجرهم للهجمات، إجبار النساء المسيحيات الالتزام بالزي (الإسلامي)، تهديد المسيحيين بترك منازلهم والخروج من البلاد. الكثيرون منهم لا يجرئون الذهاب إلى تجمعاتهم ومناسباتهم الدينية والاجتماعية أو إرسال أبنائهم إلى المدارس المسيحية خوفاً من هجمات (المجرمين) المتشددين (عملاء الاحتلال).

 أغلبيتهم هربوا إلى بلدان الجوار: سوريا والأردن، علاوة على لجوئهم في الولايات المتحدة، كندا، استراليا، نيوزيلندا وبلدان أخرى، من خلال المفوضية الأممية للاجئين UNHCR. العديدون نجحوا في الحصول على اللجوء وآخرون ينتظرون دورهم. قلّة منهم مستعدون للعودة إلى البؤس الذس عانوا منه في بلادهم.

 بلغت أعمال العنف ضد المسيحيين العراقيين أسوأها بتاريخ 31 أكتوبر عندما فتح مسلّحون النار على كنيسة سيدة النجاة (سيدة الخلاص) في بغداد ومن فيها، وقُتل وجُرح العشرات..

 أُحبط الهجوم عندما اقتحمت الكنيسة قوات الأمن العراقية (الباسلة) المدعومة من الولايات المتحدة، بعد أن انتهى المجرمون من ذبح نحو 50 من المصلين وأثنين من الكنهة، وأعداد أخرى من المصابين!! ومنذ ذلك الحين استمرت الهجمات.. المتفجرات المرتجلة والصواريخ التي استهدفت منازل المسيحيين في أحياء عديدة من بغداد، مما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات، علاوة على الأضرار الفادحة التي أصابت منازلهم..

 يرى قادة المسيحيين العراقيين أن إقامة محافظة في إطار إدارة ذاتية، يمكن أن تشجع المسيحيين في أجزاء أخرى من البلاد على الانتقال إلى هناك. من ناحية أخرى، يرى آخرون أن إقامة مثل هذه المحافظة يمكن أن تُضيف إلى "الحدود الداخلية" الفاصلة المزيد من التشرذم بين المجموعات الدينية، الطائفية، والإثنية في البلاد.

..(وهكذا يكون المطلوب الفعلي تحقيق الأمن الحقيقي لجميع الناس، وتطهير أجهزة الأمن والشرطة والجيش من القاذورات الطائفية في البلاد.. بدلاً من تحويل العراق وأهله إلى مجموعات من الغيتوات تُلغي فعلاً اسم ووجود "شعب العراق")..