اغتيال حسن البنا 1949، 2010

اغتيال حسن البنا 1949، 2010

الإمام الشهيد حسن البنا

محمد أبو رمان

مهما حاول معدّو مسلسل "الجماعة" إظهار "الحياد الوهمي"، فإنّ النتيجة الحقيقية أنّنا أمام محاولة اغتيال ثانية (في العام 2010) تاريخياً ورمزياً وسياسياً، لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين، الإمام حسن البنا، بعد اغتياله الحقيقي في العام 1949.

المسلسل يظهر البنا -بصورة معاكسة تماماً لما تثبته الروايات التاريخية وشهادات المقرّبين منه- شخصاً عُصابياً، سطحيا، يستبطن روحاً انتهازية، عصبي المزاج، به خفّة فكرية وسياسية، وفي ذلك تشويه لصورة الرجل ورسالته ودعوته أمام ملايين المشاهدين العرب، الذين لا يعرف أغلبهم شيئاً بالضرورة عن الرجل، سوى ما يشاهده في المسلسل.

تتجاوز خطيئة المسلسل جريمة الاغتيال الرمزي لشخصية البنا إلى التلاعب بالتاريخ وأحداثه، وهو ما يمسّ شخصيات محترمة عديدة أخرى تقدّم في العمل بصورة كاريكاتورية ليس لها علاقة بحقيقة تلك الشخصيات، كما هي الحال مع العلاّمة الشيخ محمد رشيد رضا، وهو الأب الروحي للبنا.

ثمة نزوعان توافقا على الاغتيال الثاني للبنا؛ الأول رؤية يسارية استغرقت النص، وأوّلت الجماعة ودورها وحضورها من هذه الزاوية، وباستحضار الإرث القديم من الصراع الأيديولوجي مع الإسلاميين، ومن سيطرة عقلية المؤامرة على الفكر الماركسي في النظر إلى الجماعة وأغلب الحركات الإسلامية الأخرى.

والنزوع الثاني هو الرسمي المصري، وقد برز بوضوح بعرض المسلسل على القنوات المصرية الرسمية، وتحديداً في مسألة التوقيت، قبيل الانتخابات التشريعية المتوقعة في نهاية العام، وفي ذلك محاولة للتأثير على شعبية الجماعة وحضورها في الشارع المصري وضرب سمعتها السياسية، وهو ما بدا واضحاً في الحوارات التي يجريها النص على هامش عرض سيرة البنا، لكنها تصب في صلب الهدف المطلوب للمسلسل!

بلا شك، فإنّ جماعة الإخوان ليست فوق النقد أو معصومة من الأخطاء، ومن حق المؤرخين وكتاب الروايات والمسلسلات الاجتهاد قدر الإمكان ومنح الخيال مساحةً خصبة من التحليق، والخطأ يصبح حينذاك طبيعياً.

لكن الخطيئة (وليس الخطأ فقط) تكمن في جرّ "منطقة تصفية الحسابات" والمعارك السياسية إلى التاريخ والخروج عن السياقات الموضوعية والمنطقية في نقل المعلومات والوقائع كما هي للمشاهدين، بلا تلوين أو تحريف أو تجهيل، وفي حدود احترام حق الناس في المعرفة الصحيحة، على الأقل لمرحلة تاريخية سابقة، ما دام أنّ احترام هذا الحق في المرحلة الحالية هو ما لا تقدر عليه الحكومات العربية.

الإعلام اليوم بات وسيلةً فاعلة ونافذة في التلاعب بعقول الناس، وهو ما يمنح مسلسلاً مثل هذا خطورة كبيرة تتجاوز (للأسف) أهمية مئات الكتب والدراسات العلمية الموثقة العميقة التي كتبت عن جماعة الإخوان المسلمين والإمام حسن البنا.

بيت القصيد: أننا مهما اختلفنا، فإنّ ذلك ليس مدعاة لأن نغتال بعضنا بعضاً ونتلاعب بالتاريخ ووقائعه تحت ضغط الصراعات السياسية، كما يحدث في العالم العربي. فما نفتقده أنّنا مهما ادّعينا ما زلنا لا نؤمن بالتعددية وباحترام حق الاختلاف، ليس فقط سياسياً، بل حتى ثقافياً واجتماعياً وفنيّاً.