دين التجارة وتجارة الدين

د. عصام مرتجى- غزة

[email protected]

الحياة تجارة، مقولة ذات أبعاد ولها أصول وامتداد. فعلا الحياة تجارة بين طرفي أحدهما بائع والآخر مشتري وفيما بينهما بضاعة يتم تداولها، وثمن يقبض..!!

من اهم أساليب التجارة وعمودها الأساسي هو التسويق وكيفية تلبية رغبات الزبون في البضاعة التي يتم تسويقها .

فالتسويق (Marketing‏)، هو مجموعة من العمليات أو الأنشطة التي تعمل على أكتشاف رغبات العملاء وتطوير مجموعة من المنتجات أو الخدمات التي تشبع رغباتهم وتحقق للمؤسسة الربحية خلال فترة مناسبة.

والرغبة عند الزبون يحكمها المعتقد والقناعة والدين.  ولذا كان لزاما على من يريد الربح اللامحدود، وجني الاموال الطائلة ان تكون تجارته بلا دين محدد !!! وتلبي رغبة الزبون مهما كان نوعية دينه ومعتقده، فالتجارة والتسويق معني برغباته وليس بدينه !!!

وهذا ما تراه عندما تدخل بنكا كل معاملاته ربوية وكل امواله في بنوك الخارج التي دينها الربى، وتجد قسما للمعاملات للإسلامية، ونسبتها بالمرابحة أعلى من نسبة المعاملة الربوية !!!

 وكذلك عندما تدخل سوبارماركت لتشتري مشروبا فتجد أن أسواق العالم العربي باتت مفتوحة على مصراعيها لشركات الجعة والبيرة لتصبح تتصدر في واجهة البرادات والثلاجات بشكلها "الحلال" ووالمطبوع عليه "خال من الكحول".

 وبالتالي فإن رغبة الزبون الدينية فتحت سوقا جديدا ونوعا آخر من التسويق، وأقل كلفة. فزجاجة الجعة و البيرة التي تباع في السوق العربي المسلم لا تحتاج إلى عملية تخمير ومساحات مصنعية للتخمير، وفي نفس الوقت ممكن بيعها بسعر أكبر من البيرة ذات الكحول ، وكل هذا لتلبية رغبة المستهلك بأن يشرب بيرة حلال ..!!!

ومن هنا صار الدين عند البعض أداة من ادوات التسويق وأشدها تأثيرا. فأصبحت تسمع عن لحوم مذبوحة حسب طريقة دينك "حلال" (وكيف الطريقة، لا تسأل)، ومكياج "حلال" (يعني خالي من دهون حيوانات يحرمها دينها)، وشعار دعائي يقتبس من آيات "كلوا من طيبات ما رزقناكم" ، "إنها أمانة" ، "فيه شفاء للناس" ...الخ

{اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }التوبة9

فأصبح الدين لغة تسويقية لخطاب لغرائز ولرغبات المستهلك، وأداة تسويق ناجعة تجذب المستهلك، وليس هذا فقط ، بل وأصبح من الواجب الديني عليه إستخدام هذا المنتج أوتلك البضاعة "المحللة" دون سواها !!

لقد استغلت الشركات والمصانع وأصحاب المصالح والدعاية دين الناس، فباعوهم أخس بضاعة بسعر النفيس بحجة "الحلال و الحرام" ، وسوقوا لمشاريع هزيلة وبنوا منها صروح مجدهم الذتي بحجة دعم الدين بشراء المنتج "الحلال" !!

ولم يعرف التاريخ تجارا أخس من تجارة الدين بعد تجار النخاسة !!

ولما كانت  التجارة تعتمد على نوعية البضاعة فان بضاعة الدين واحدة وهي الآخرة :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }الصف10-11

أما من باع الدين بالتين، وخرب دنيا الناس ونهب أموالهم بذريعة تلبية شروط دينهم ليجبي الملايين، فذاك هو التاجر السارق ، وتلك هي تجارة الدين لتجارٍ خاسرين.