بشار يستجدي السيسي ليصفح عنه الملك عبدالله

بشار يستجدي السيسي

ليصفح عنه الملك عبدالله

حسن صبرا

أبلغت المملكة العربية السعودية، مبعوثاً عربياً انتدب نفسه للوساطة بينها وبين بشار الأسد.. ان الرياض لا تريد أن تسمع بإسم هذا الشخص، وانها تعتبره مجرم حرب مسؤولاً عن قتل وتهجير ملايين السوريين، وان حكاية خلافه مع الايرانيين، لم تعد تنطلي على أحد، لأنه ما ان يجهر بهذا الكلام، حتى يغادر قصره الرئاسي على ظهره.

وقبل الدخول في مسألة الوساطات الأخرى الجدية والعابرة، لمسؤولين ولمتبرعين باحثين عن أدوار، نذكر بما كنا أوردناه منذ عدة سنوات في لـ ((الشراع)) من ان بشار الأسد، راح يشتكي لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، من تمدد شيعي داخل سورية تقوده خلايا ايرانية من رجال دين، ومستشارين عسكريين وان ايران تنفق ملايين الدولارات على التشييع داخل سورية، بدءاً بتشييع علويين، وصولاً إلى تشييع سنّة.

يومها، كما نقل لـ ((الشراع)) – استمع الملك عبدالله مدهوشاً لما يقوله الأسد الابن، وقد روي على لسان الملك السعودي – وكرره لنا نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام، ان الملك عبدالله رد على شكوى بشار بما جعل جبين الأسد الابن يتقطر خجلاً، رغم التكييف الكثيف في مجلس الملك.

رد عبدالله بن عبد العزيز، جاء عبر واقعة قال الملك انه سمعها من والده وفحواها، ان الأمن السوري أبلغ حافظ الأسد ان ايران تسعى لنشر التشييع في سورية من خلال مبعوثين يحملون صفات رجال دين، فطلب الأسد من خدام وكان وزيراً للخارجية استدعاء السفير الايراني في دمشق وإبلاغه بأن على المبعوثين الايرانيين مغادرة سورية خلال 24 ساعة، على ان ترافقهم مجموعات أمنية إلى مطار دمشق الدولي، وألا تتركهم إلا بعد إقلاع الطائرة التي تقلهم إلى خارج البلاد.

لم يعد جديداً التذكير، بأن حافظ الأسد أقام مع إيران علاقة ندية، استفاد منها كثيراً مثلما أفاد طهران. وان بشار الأسد ركع في علاقته مع إيران إلى حدود التبعية الكاملة لها، خاصة بعد قتلها رفيق الحريري في بيروت في 14/2/2005، وطرد قوات آل الأسد عن لبنان.. ليصبح عاملاً إيرانياً تثبته إيران في حكم سورية رغم إرادة شعبها.

وليس جديداً أيضاً الاشارة إلى ان بشار الأسد باق حتى اليوم في السلطة في سورية وحياً لأن إيران أرادته هكذا.. وانها وحدها بعد الله تملك تسليم روحه لبارئها، وانها ستكون الملاذ الوحيد في العالم الذي قد يقبل لجوء الهمجي إليها، دون محاسبة بسبب الجرائم الوحشية التي ما زال يرتكبها في سورية ضد أبنائها.. من جميع الطوائف والمذاهب والاعراق.

نعم لقد تناست إيران وعصابات الأسد حول من الذي مكن الهمجي من استمرار حكمه في سورية حتى الآن.. فإيران أعلنت عبر مسؤوليها في طهران وعملائها في لبنان انه لولاها لما صمد الهمجي ساعات في دمشق، ويتامى استخباراته في لبنان وعصاباته في سورية تزعم ان بقاءه في سورية حاكماً عائد إلى إرادة السوريين وحماة الديار (جيش آل الأسد).

على كل هناك إجماع في العالم على أن الدعم الايراني المباشر (مقاتلون من عصابات إيران في لبنان والعراق واليمن وأفغانستان وأذربيجان..) وسلاح ومال وسياسة فضلاً عن الدعم الروسي المباشر بأشد الأسلحة فتكاً في كل الحقول، هما السبب الأول والرئيسي لبقاء بشار في الحكم حتى الآن.. فهل يملك هذا الهمجي مزيداً من الكذب يروجه بأنه على خلاف مع الإيرانيين، وانه يريد الخلاص منهم، وانه يريد للرياض أن تسامحه ليقيم علاقة جدية وندية معها؟

 

الوساطة المصرية

وفق معلومات ((الشراع))، فإن بشار الأسد شخصياً ومباشرة، وعبر جماعاته في سورية وفي لبنان وفي مصر، يسعى لتوسيط القاهرة لتحسين علاقته مع المملكة العربية السعودية.

وان واحدة من هذه الوساطات تمت وتتم عن طريق ناصريين مزعومين في سورية وفي لبنان وفي مصر.. يقيم بعضهم علاقات جيدة وتاريخية مع أجهزة سيادية مصرية وهو يدين بوجوده السياسي والاعلامي والأمني في لبنان لاستخبارات دمشق مقابل الخدمات التي يؤمنها لها في مختلف المجالات.. وهو يريد أن يكرر الأمر نفسه في مصر، ويطلب وساطتها لتحل أزمة بشار المستعصية مع الرياض . الجهات الثانية التي يعتمدها بشار للوساطة مع مصر لتتوسط له مع السعودية هي جهات أمنية لبنانية ما زالت تحتفظ بعلاقات تبعية لآل الأسد سواء عبر ولائها لحزب الله، أو لاستمرار علاقاتها المباشرة مع استخبارات آل الأسد في سورية.

 

إلام يستند بشار

إلام يستند بشار وجماعاته في لبنان وسورية ومصر في اعتماد القاهرة وسيطة له مع الرياض؟

ليس خافياً على أحد ان مصر الآن بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي تواجه معركة مصيرية في مواجهة الإرهاب الذي تمثله جماعة الاخوان المسلمين وتوابعها في كل أرجاء البلاد.. خاصة في سيناء. وان جماعة الاخوان في مصر تنفذ تعليمات التنظيم الدولي للاخوان الذي ترعاه قطر مالياً واعلامياً وتركيا ترعاه سياسياً، وان فروع الاخوان في كل أرجاء العالم (هم يزعمون انهم منتشرون في 80 بلداً في الدنيا) تتعامل مع أي قضية كالأواني المستطرقة.. وان فرع الاخوان المسلمين في سورية الذي يقاتل بشار الأسد، هو امتداد لفرع الجماعة الأم في مصر التي تقاتل الشعب المصري وتخوّن الرئيس الشرعي المنتخب بإرادة المصريين عبد الفتاح السيسي.

لذا،

فإن هناك مصلحة مشتركة بين مصر وسورية (آل الأسد) في مواجهة الاخوان، وهما في خندق واحد في هذه المعركة المصيرية.

زد على ذلك، ان الجماعات الاسلامية الإرهابية الأخرى استفحل أمرها سواء في مصر أو في سورية، ولا تجد القاهرة نفسها مضطرة للتدقيق فيما إذا كان نظام بشار وحكام طهران هم من اخترع أو درب وسلح ووجه هذه الجماعات الإرهابية خاصة تنظيم داعش، بل انها لا تجد الوقت الكافي لغير الانصراف إلى المواجهة الكبرى مع هذه الجماعات التي تستشرس في العنف في مصر وفي سورية وفي العراق، في وضع يجعل العالم كله يكاد ينسى الجرائم الأفظع التي يرتكبها الهمجي بشار الأسد في سورية.

ثم ان هناك سبباً آخر هو ان كلاً من قطر وتركيا اتخذتا قراراً بحتمية رحيل الأسد عن السلطة في سورية، لكن تركيا وقطر ما زالتا الداعمتين الأساسيتين لإرهاب الاخوان المسلمين في مصر ضد السلطة الشرعية ويصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الرئيس السيسي بأنه ديكتاتور، وما زال اعلامه واعلام مشيخة قطر يصف الثورة الشعبية التي قام بها شعب مصر ضد جماعة الاخوان اعتباراً من 30/6/2013 بأنها انقلاب نفذه الجيش المصري بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي.

أضف إلى ذلك ان القاهرة ترى ان واشنطن ما زالت تتخذ مواقف سلبية ضد مصر بزعم دفاعها عن حقوق الانسان، مع تمويلها المستمر لجماعات تدعي الانتماء إلى المجتمع المدني (صرفت عام 2011 نحو 250 مليون دولار على جمعيات مصرية يتخذ بعضها من الدفاع عن حقوق الانسان تجارة مجزية، مقابل إصدار بيانات وإرسالها إلى واشنطن تزعم فيها أرقاماً وتقارير لا أساس لها من الصحة، وتستند إليها واشنطن لتقييم وضع حقوق الانسان في مصر)، وواشنطن نفسها تتخذ الموقف نفسه من بشار الأسد.. وهذا دفع إلزامي لمصر لترى نفسها مرة أخرى في خندق واحد مع بشار الأسد.

ثم إن مصر تواجه خطراً حدودياً حقيقياً، من جهة الغرب، مع الجماعات الارهابية الليبية، التي كانت أدخلت إلى مصر آلاف الاطنان من الاسلحة التي تستخدمها الجماعات الارهابية في مصر ضد الشعب والجيش المصريين.

ولمصر مصلحة مصيرية في ردع الجماعات الليبية المسلحة، لأنها باتت جزءاً من الصراع المصري ضد الارهاب الاخواني المدعوم مالياً وعسكرياً وأمنياً من الجماعات الليبية، وهذه الجماعات الليبية الاسلامية المسلحة تعتبر بشار عدواً أولاً لها، مثلما الرئيس السيسي مثلما المجتمع المدني والقوى الوطنية الليبية التي تتطلع إلى مصر لنجدتها والوقوف معها، لطرد المجموعات الارهابية من السلطة في طرابلس بعد بني غازي.

ولم يعد خافياً ان مصر وبعد زيارات متعددة لمسؤولين ليبيين عسكريين وسياسيين إلى القاهرة ولقاءاتهم مع المسؤولين المصريين على أعلى المستويات، باتت عنصر ثبات للوطنية الليبية في مواجهة الارهاب الاسلامي المسلح داخلياً، ولعل عودة موازين القوة العسكرية الى ميادين الصراع المسلح تم بدعم مصري لا غبار عليه.

ومع هذا،

فإن أقصى ما تطرحه مصر في المسألة السورية هو للحل السلمي بناء على بيان مؤتمر جنيف1 الذي صدر في حزيران/يونيو 2012، وقد حددت القاهرة ترجمتها لهذا البيان بأنه يعني تشكيل حكومة انتقالية سورية كاملة الصلاحيات، تشرف على إعادة تشكيل الجيش السوري وأجهزة الأمن كلها، بما يثبت ان الصلاحيات كاملة ستكون لهذه الحكومة المشتركة بين السلطة والمعارضة دون أي دور عملي لبشار الأسد عدا استمراره في موقعه إلى أن تجري انتخابات نيابية تحت إشراف دولي حاسم، تسلم السلطة فيها بعدها لحكومة ينتخبها نواب الشعب، ويتم وضع دستور جديد يحدد مسار البلاد السياسي والدستوري في الغد السوري المنتظر.

أمر آخر يجب أخذه في الاعتبار، وهو ان علاقات مصر مع دول الخليج العربي، وتحديداً مع المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية هو دائماً نصب عيني صانع القرار المصري في كثير من المسائل وتحديداً المسألة السورية، وان مصر لن تجازف بالخلاف مع كل من الرياض وأبو ظبـي كرمى لعيون بشار الأسد، الذي يراه كثير من المصريين مجرد دمية ايرانية، تملك إيران التحكم بمصيره أكثر من أي قوة أخرى.

هل هناك مجال بعد هذا لوساطة مصرية مع السعودية لنيل رضاها على بشار.. رجاء العودة إلى أول الكلام.