المعاملة بالمثل حق مشروع

الأستاذ الهادي المثلوثي / تونس

[email protected]

يثبت التاريخ أن كنيس الغريبة اليهودي بجزيرة جربة كنيس أسسه الغرباء اليهود الذين حلوا بالجزيرة إثر السبي البابلي وطالما أن اليهود غرباء على البلاد وهم سبب في الكثير من القضايا فلا بد من ترحيلهم إلى البلد الذي قدموا منه وخصوصا بعد تأسيس الدولة اليهودية الاستعمارية على أرض فلسطين.

إن الاحتفاظ بالكنيس اليهودي بجزيرة جربة التونسية هو تأكيد بكامل الإصرار والترصد على حق اليهود في الانتشار والاستيطان ومد النفوذ حيثما شاءوا ومتى أرادوا. والسكوت على هذا الاختراق والانزراع يعد تواطؤا وخنوعا للمساعي الصهيونية. والواجب الوطني والقومي والإنساني يقتضي التصدي ومقاومة هذا النوع من الاندساس الخبيث الذي يعد بمثابة استيطان ضمني. فتاريخيا وسياديا من حق الشعب التونسي إجلاء هذا الاحتلال الموقعي وتحرير الأرض من مخلفاته وتداعياته ومبرراته بعدما اعترف المجتمع الدولي الموالي للصهيونية العالمية بإقامة كيان عنصري ديني للفلول اليهودية المنبوذة لما تنفرد به من غدر وكيد وفساد وإفساد في الأرض كما نصت الكتب الدينية وأفادت به الأحداث التاريخية (تشريدهم في العهد الفرعوني وسبيهم في العهد البابلي وإبادتهم في العهد الروماني وطردهم من الأندلس في ظل محاكم التفتيش وتهجيرهم من ألمانيا الهتلرية وملاحقتهم من التيارات القومية والحرة من أوروبا). إذا كان هذا حالهم عبر التاريخ فلأنهم لم يكونوا يوما ولن يكونوا أبدا أهلا للتعايش والتسامح مع غيرهم من المجموعات البشرية لاعتقادهم الراسخ أنهم أسمى الشعوب وفوق القوانين ومن حقهم قيادة العالم والتحكم في ثرواته وقوته. فما ظُلموا ولكن أنفسهم كانوا يظلمون وعلى غيرهم يجورون بالتمسكن حينا وبالغيلة أحيانا. وهذا ديدن الذين عقيدتهم نكث العهود ونقض الوعود مثلما تشي به سياسة الكيان الصهيوني بلا خجل ولا خشية من أحد وبكل صلف وخسة منذ تأسيسه. تلك هي عقيدة الفلول اليهودية الفاسدة والمفسدة بلا حدود إلى أن يفي الله بوعده. فلماذا لا نضع حدا للفلول العابثة والفاسقة ونضرب حولها حصارا حتى تكف عن غيها واستهتارها بغيرها وانتهاكها للقيم الإنسانية؟.

وإذا كان من حق اليهود البقاء بيننا أو التردد على بلادنا سياحا وزوارا لمقدساتهم الدينية والتمسك بمواقع قدم لهم هنا وهناك من الأرض العربية، فمن حق الشعب الفلسطيني التمسك بكامل فلسطين بمنطق التاريخ والجغرافيا والحال أنهم ليسوا غرباء ولا مستوطنين بمنطق الاحتلال فهم أصحاب الأرض والمقدسات. وبتعبير أوضح كيف يحق لليهود التمسك بمقدساتهم وممتلكاتهم في تونس وفي غيرها من الأقطار العربية والتشبث بالتردد عليها وحمايتها ولا يحق للشعب الفلسطيني التمسك بالقدس أرضا ومقدسات ولا يحق له البقاء والتصرف في ممتلكاته التي تغتصب منه بالجملة والتفصيل وبالقهر والتهجير؟. في مثل هذه الحال يحق لنا المطالبة بحق المعاملة بالمثل وبالتسامح الديني وباحترام الوافدين من اليهود على بلادنا إذا ما تصرف اليهود بنفس منهج التعامل وبالاحترام المتبادل في فلسطين.

كيف يحق لليهود زيارة وحج مقدساتهم سنويا في تونس وبكامل الحرية دون قيد أو شرط ولا يحق للشعب الفلسطيني التردد على المسجد الأقصى بكامل الحرية ومتى شاء؟.

كيف يمكننا حماية واحترام المقدسات اليهودية في تونس وغيرها في الوقت الذي نرى فيه اليهود ينتهكون ويدمرون المقدسات العربية الإسلامية في فلسطين المحتلة؟.

لا نقول جديدا عندما نذكر بأن اليهود عاشوا بين العرب المسلمين في كنف الاحترام والحرية، في حين نشاهد اليوم اليهود يمارسون سياسة الميز العنصري والتهجير والحصار والتوسع الاستعماري على حساب الشعب الفلسطيني ويحتلون أراضي عربية أخرى ويصادرون الموارد المائية فيها؟.

كيف نعترف بدولة تحتل كامل فلسطين وأجزاء من لبنان وسوريا وتعبث مخابراتها بأمن الشرق الأوسط وشعوب المنطقة برمتها؟.

كيف يمكن احترام يهوديا واحدا عندما نرى الدولة اليهودية تقيم جدارا عنصريا لحماية أمنها وتقويض أمن الشعب الفلسطيني ومحاصرته في معتقلات جماعية عقابية بكل المقاييس الإجرامية؟.

كيف لنا أن نرحب باليهود في بلداننا كسياح مكرمين والدولة اليهودية تنكل بالعرب في الأراضي العربية المحتلة؟. أي منطق للتعايش والتسامح والتطبيع مع اليهود الداعمين لدولة الاحتلال ماديا وسياسيا وإعلاميا؟.

يكفينا جبنا ونفاقا وتخاذلا أمام عدو لم يدخر لونا من ألوان العداوة ولم يرعو يوما على إذلالنا والتنكيل بأشقائنا قتلا وتهجيرا وتدميرا للممتلكات واغتصابا للأرض وتهويدا للمقدسات.

يكفينا تعلقا بالغرب شفيعا لنا وبالشرعية الدولية التي رسمت للتلاعب بنا. والأمثلة خير شاهد على تمادي هذا الغرب الصديق الممعن في تدميرنا. فقد رأينا الغرب الديمقراطي وراعي حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها يقف ضد غزو العراق العربي لأرض الكويت العربية ويتداعى عسكريا لتحرير العرب من العرب. وهذا الغرب نفسه استنفر قوته السياسية والإعلامية والعسكرية لإخراج سوريا من لبنان وهو يعمل جاهدا حاليا لفصل جنوب السودان وتحرير شمال العراق وجنوب موريتانيا وجنوب المغرب وجنوب اليمن وهو لا يدخر سبيلا لتمكين الأقليات القومية والمذهبية في الوطن العربي من التحرك والتحرر مثلما يضغط لإعطاء العمالة الأجنبية الوافدة على الخليج العربي لنيل حقوقها في الإقامة والجنسية والتنظم النقابي والسياسي وفي المقابل لا يرى حقوق الشعب الفلسطيني المنتهكة طولا وعرضا ولا يرى الاحتلال العنصري الصهيوني للأراضي العربية ولا يرى احتلال إيران للجزر العربية الثلاث ولا التدخل الإيراني في العراق ولا التدخل الأثيوبي في الصومال ولا الاحتلال الإسباني في سبتة ومليلة. وفوق هذا لا يجد الغرب من بد غير دعم دولة الاحتلال اليهودية العنصرية ودعم احتلال العراق. فالدعم واجب وبلا حدود كلما تعلق الأمر بانتهاك حقوق العرب والمسلمين وإذلالهم ونهب ثرواتهم وتدنيس مقدساتهم والنيل من معتقداتهم. في حين يجرم المس بشعب الله السامي أو التشكيك في أكاذيبه الأسطورية.

سبحان الله في هذا الغرب الذي قدس الحرية وسلب غيره منها وسبحان الله في هذا الغرب الذي جرم المسلمين وداس على قرآنهم ومثل بنبيهم في الوقت الذي قدس دعاة السامية وصدق بروتوكولات حكماء صهيون وسار على هداها.

سبحان الله في هذا الغرب الذي وجد في بعض المتطرفين الإسلاميين خطرا على العالم وإرهابا يهدد السلم الدولي ولم يجد في الإرهاب الدولي المنظم الذي تقوده دولة الاحتلال اليهودية العنصرية أي شائبة باعتباره دفاعا عن النفس ولم ير في الاحتلال الإنجلوأمريكي للعراق أي جرم يستحق الإدانة والمحاسبة بل اعتبره ضرورة للتخلص من جبهة الدفاع الأخيرة في الأمة العربية.

سبحان الله في هذا الغرب الذي يمتلك أسلحة الدمار الشامل والسلاح النووي ويمول القوة النووية اليهودية في الوقت الذي جرد العراق من قوته العسكرية بل دمر الدولة برمتها واجتث مقوماتها ويعمل بإصرار حاسم على منع الدول الأخرى وخصوصا العربية والإسلامية من امتلاك الطاقة النووية السلمية والعسكرية.

وها هو الغرب الديمقراطي يمول ويسند الأنظمة المستبدة ويعمل على زعزعة الاستقرار في الدول العربية ذات التوجهات المناهضة له لإضعافها وصولا إلى تفكيكها والسيطرة على ثرواتها ومصيرها. وهكذا لا ينفك الغرب الديمقراطي الصديق يطالبنا بمزيد التطبيع والتعايش مع الاحتلال والاستسلام للأمر الواقع وتحرير المرأة والاقتصاد وفتح أبواب البلاد أمام الاستثمارات والشركات الرأسمالية الناهبة لقدرات الشعب العربي وثرواته بلا قيد ولا شرط.

والحقيقة قد نحج الغرب الاستعماري في تشديد قبضته علينا بطرق مباشرة وبالوكالة أيضا عبر أنظمة مستبدة برعاياها خادمة لأعدائها جبنا أو حبا. لست أدري ما دهاها. واليقين أننا نحتاج إلى صبر بلا حدود ونضال طويل المدى حتى نعيد الأمور إلى نصابها وصوابها.

ومن لم يحاول كسر القيود يظل أبد الدهر مقيدا

ومن لم يحرر إرادته فلن يعيش يوما حرا سيدا

ومن يخشى النضال نهجا فالموت له يظل أفيدا

وما هان شعب تمسك بالحق وعلى الظلم تمردا

ولا شك أن في الأفق ثورة والنصر لمن اهتدى

فمهما طالت سطوة الاحتلال فإن لزواله موعدا

ومن حقنا شرعا معاملة المعتدي بمثل ما اعتدى

وعلى نهج الحق والثورة على الظلم لم يعد مقبولا السكوت عما يكيده اليهود وتنفذه الصهيونية العالمية وخصوصا بعدما أثبتت دولة الاحتلال عجزها عن كف جرائمها بسبب تمسكها بالسياسة العنصرية والدينية المعادية للبشرية حيث لم يعد هناك مجال للفصل بين الصهيونية واليهودية. وعليه لا فرق بين يهودي متمسكن وصهيوني متغطرس ويهودي يباشر الاحتلال وآخر مندس هنا وهناك أو متسلل إلى هذا القطر أو ذاك من الأقطار العربية. لقد بات واضحا وضوح الشمس أن الملة اليهودية كالحرباء تتلون شكلا والباطن يبقى حرابا سامة. فاليهود إما عقارب كامنة وخاتلة وإما أفاعي ناهشة، وضرب هذه وتلك أمر مشروع طالما جميعها سامة. والسم اليهودي اليوم يستهدف شرايين الحياة في كل مكان ويسري حيثما امتد وجود ونفوذ اليهود. فالإعلام المسموم والثقافة المسمومة والسياسة المسمومة جميعها صناعة يهودية صهيونية وجميعها أوقع ضحايا في الغرب والشرق وفي الشمال والجنوب وقد صار واضحا أن قتلة الأنبياء هم المجرمون اليوم بلا قيود ولا حدود. 

إن سياسة دولة الاحتلال الصهيونية اليهودية برهنت للعالم أنها فوق الجميع ومن حقها التجاوز على الجميع بلا حدود لتؤكد أنها تفكر كما تريد وتفعل ما تريد بلا ضابط ولا حسيب. والحقيقة متى كان الاحتلال يقبل بالتعايش ويريد السلم ومتى كان اليهود يقيمون العدل ويفون بالعهد ويكتفون بالمباح والمتاح ؟.

إذا أردت أن تأمن من شرهم فضع القيود في أيديهم والسلاح على رؤوسهم. فلعل وعسى تنجو من مكائدهم. قد يتهمني البعض بالكراهية وبمعاداة السامية والحق مهما أتيت الكره غلوا فلن أبلغ قط صنو ما فعلوا وما يفعلون.

ويكفيني المناداة باستبعاد اليهود الوافدين على بلادنا مثلما استبعدوا الفلسطيني من بيته ومنعهم من زيارة أراضينا مثلما حرموا الفلسطيني من أرضه وتشديد الخناق عليهم مثلما حاصروا الفلسطيني ونكلوا به ومقاطعتهم مثلما قطعوا أرزاق الفلسطيني وسدوا المعابر عليه، ويهمني أيضا غلق معابدهم ومزاراتهم في بلادنا مثلما أغلقوا الطرق إلى المسجد الأقصى أمام أصحابه. فهل هذا كثير قياسا إلى ما تقترفه دولة الاحتلال اليهودية الصهيونية المجرمة؟.

لا أطالب بقتلهم ولا رميهم في البحر فذلك شأن الله فيهم وإنما أدعو إلى قطع التواصل معهم وإجلائهم عنا لأن قادة كيانهم وزعمائهم قد كشفوا دون تردد عن مخزون مشين من الكراهية والعنصرية البغيضة ولم يُبقوا في اليهود ما يستحق الاحترام. وختام قولي لا فرق بين يهودي متمسكن وصهيوني متغطرس، كلهم في الإجرام سواسية. فلا منهم ولا فيهم فرقة ناجية والقصاص منهم أضحى قضية عاجلة.