الاستثمار والمعاملات المصرفية وتباين مواقف الفقهاء منها

الاستثمار والمعاملات المصرفية

وتباين مواقف الفقهاء منها

م. أسامة الطنطاوي

الاستثمار في اصطلاح علماء الدراسات الاقتصادية المعاصرة هو: ارتباط مالي بهدف تحقيق مكاسب يتوقع الحصول عليها على مدى مدة طويلة في المستقبل. فالاستثمار نوع من الأنفاق على أصول يتوقع منها تحقيق عائد على مدى فترة طويلة من الزمن . ولذلك يطلق عليه البعض إنفاق رأسمالي تمييزا له عن المصروفات التشغيلية أو المصروفات الجارية، وهي التي تتم من يوم إلى يوم: مثل الأجور والمرتبات، والصيانة، وشراء المواد الخام.

أما الأنفاق الرأسمالي فإنه يشمل كل المفردات الضرورية لتحقيق تقدم المشروع في الأجل الطويل: مثل بناء مصنع حديد، وشراء آلات وعدد لخط إنتاج جديد، والقيام ببحوث لتحسين سلع قائمة أو إخراج سلع مبتكرة. والأنفاق الرأسمالي نوع من إنفاق المال لتحقيق منافع مستقبلية، سواء كان ذلك من مشروعات جديدة أو استكمال مشروعات قائمة، أو تجديد وتحديث مشروعات قديمة، أو التجارة في سلع تجارية أو غير ذلك. والاستثمار بهذا المعنى يتفق مع الاستخدام العلمي الشائع له وهو توظيف الأموال بقصد الحصول على منافع في المستقبل ومع ذلك توجد عدة استخدامات للاستثمار في الواقع اليومي. ومن تلك الاستخدامات: توظيف النقود لأي أجل، والاستثمار بالنسبة للبنوك التجارية

- توظيف النقود في أوراق مالية (أسهم وسندات) والاستثمار - بالنسبة للشركات- هو إنفاق استثماري تمييزا له عن الأنفاق الجاري . والاستثمار- بالنسبة للبعض -

هو ارتباط بأية أصول خالية نسبيا عن المخاطرة أو الخسارة والاستثمار بالنسبة للبعض الأخر

- توظيف الأموال بقصد الحصول على عائد جار. أو بقصد الحصول على قيمة أكبر في نهاية المدة، أي دون عائد جار.

والاستثمار قد يكون ماديا بمعنى أن المكاسب يجب أن تكون مادية، وقد يشمل الاستثمار مكاسب غير مادية أي منافع أخرى. كما تستخدم كلمة استثمار بمعنى مشروع استثماري، أي مجرد اقتراح استثماري لم ينفذ بعد: كما قد تستخدم كلمة الاستثمار بمعنى توظيف فعلى للأموال. وقد تبنت الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية المفهوم الواسع للاستثمار هو: توظيف النقود لأي أجل، في أي أصل أو حق ملكية، أو ممتلكات أو مشاركات محتفظ بها للمحافظة على المال أو تنميته سواء بأرباح دورية أو بزيادات الأموال في نهاية المدة، أو بمنافع غير مادية. 

ويلاحظ على هذا التعريف - مع ما فيه من الشمول - عدة ملاحظات منها:

انه عبر عن الاستثمار بالتوظيف، والتوظيف كلمة تحتمل عدة معان منها: تعيين الوظيفة، وهي ما يقدر للإنسان في اليوم أو في السنة أو الزمان المعين: من طعام أو رزق ونحوه. ومنها الإلزام، فيقال وظف الشيء على نفسه توظيفا الزمها إياه . ولا يقال وظف المال بمعنى زاده، وإنما يقال: نمى المال وثمره فالأولى استعمال تنمية بدلاً من توظيف.

تباينت آراء علماء الأزهر حول فتاوى إباحة وتحريم أخذ الفوائد على الأموال المستثمرة فى البنوك، وحتى يومنا هذا لا يزال هناك جدل فقهى حولها، فلم تعرف الشريعة الإسلامية رأيا نهائيا، فقد أصدر مجمع البحوث الإسلامية فتواه الشهيرة التى أباحت التعامل مع البنوك وأخذ الفوائد من أرباحها، وقد صدرت الفتوى موقعة من الشيخ محمود شلتوت «1893/1963م» وأحد أهم شيوخ الأزهر، وقد أفتى بجواز التعامل مع المصارف المالية وأخذ القروض منها، مؤكدا أن هذا الأمر لا يدخل فى باب الربا الذى كان يحصل عليه المرابى أضعافا مضاعفة، لأن المال المودع فى الصندوق ليس ديناً ولم يقترضه منه صندوق التوفير، وإنما تقدم صاحب المال إلى صندوق التوفير بنفسه طائعاً مختاراً ملتمساً قبول إيداع ماله عنده، وهو يعرف أن مصلحة التوفير تستغل الأموال المودعة لديها فى مشروعات تجارية تحقق فيها ربحاً وهى تعطيه الفوائد من خلال تلك الأرباح، وإمداد المصلحة الحكومية بزيادة رأس مالها ليتسع نطاق معاملاتها وتكثر أرباحها فينتفع العمال والموظفون وتتسع مجالات العمل وينتفع الجميع بفوائض الأرباح، وكان الشيخ محمد أبوزهرة «1390هـ 1970» على خلاف بينه وبين علماء المسلمين إلى حد المعاركة الفكرية الكبيرة، حيث أفتى بأن الربا زيادة الدين فى نظير الأجل وأن ربا المصارف هو ربا القرآن وهو حرام ولا شك فيه، وأن تحريم الربا يشمل الاستثمارى والاستهلاكى، وهو ما اختلف فيه مع الإمام محمود شلتوت بسبب فتواه التى أجازت التعامل مع البنوك، والإمام السورى الكبير مصطفى الزرقا بسبب فتواه التى أباح فيها التأمين على الحياة هو وكثير من علماء المسلمين. ويقول الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر الراحل: إن الاستثمار بإيداع الأموال فى البنوك بفائدة محددة مقدما أو بشراء شهادات الاستثمار ذات الفائدة المحددة مقدما قرض بفائدة، وبهذا الوصف تكون الفائدة من ربا الزيادة المحرم شرعا، أما الاستثمار دون تحديد فائدة مقدما بل يبقى خاضعا لواقع الربح والخسارة كل عام فهو جائز شرعا، لأنه يدخل فى نطاق عقد المضاربة الشرعية، والربح والاستثمار بهذا الطريق حلال، موضحًا أن العائد من الاستثمار بالطريق الأول حرام، باعتبار أن فائدة الشهادات محددة مقدما فهى من ربا الزيادة، وبالطريق الآخر حلال، باعتبار أن الربح غير محدد بل يتبع الواقع من ربح وخسارة، ويتعين على المسلم أن يتخلص من الفائدة المحرمة بالتصدق بها ولا تجب عليها زكاة. أما الشيخ محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر الراحل فقد أفتى بأن فوائد البنوك والمصارف المالية المحددة مسبقًا مباحة شرعًا ولا تعد من الربا المحرم وإنما تعد ضمانًا بصورة أفضل لأموال المودعين فى تعاملاتهم مع البنوك المختلفة، كما قال إن التعامل مع البنوك من الأمور التى لم تكن موجودة فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أو الصحابة رضوان الله عليهم والخلفاء الراشدين، ولذلك فهى من الأمور التى فرضتها تطورات العصر. أما الإمام الوهابى الشيخ عبدالعزيز بن باز والذى يعد المرجع الدينى لكل شيوخ الوهابية فى مصر، فكان له رأى فى فتوى «طنطاوى» فى الحكم الشرعى فى المعاملات الربوية فى البنوك، حيث قال إن القول بحل ما تتعامل به البنوك من أنواع الربا، فيه تحليل لما حرمه الله تعالى؛ مستندًا على العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، ومنها ما جاء فى صحيح مسلم عن جابر رضى الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه. ويتفق مع «طنطاوى» فى رأيه الشيخ على جمعة مفتى الديار المصرية السابق، حيث استند فى ذلك على أن غطاء العملات لم يصبح كالسابق بالذهب والفضة، وأنه مع فتوى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، التى تجيز تحديد قيمة الأرباح مقدماً على الأموال المستثمرة فى البنوك أصبحت الفائدة حلالا.

- تدخل البنوك الإسلامية في استثمارات يشوبها المحرم، كالمساهمة في شركات يغلب على نشاطها الإباحة، غير أنها تقترض وتقرض بالربا، أو أن يكون جزءٌ من نشاطها محرمًا كإنتاج المسكرات، أو الخنزير، أو منفعة محرمة في الفنادق والمنتجعات السياحية.

 - أما الاستثمار في أسهم الشركات التي تقرض وتقترض بالربا لكن نشاطها مباح، فهو المعروف بالاسثتمار في الأسهم المختلطة، وقد جرى فيه خلاف فقهي معاصر، فقرر مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنع، لعظم حرمة الربا، وذهب بعض الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية وهيئة المحاسبة(الأيوفي) إلى الجواز بشروط.

- الشروط:

(1) أن يكون أغلب نشاط الشركة مباحًا،

(2) القروض الربوية ÷ القيمة السوقية لأسهم رأس المال أقل من 30%،

(3) القروض الربوية للغير + الاستثمار في المسكرات والخنزير ÷ القيمة السوقية لأسهم الشركة أقل من 30%،

(4) الإيراد المحرم (ثمن مبيعات المسكرات والخنزير + الفوائد الربوية) ÷ إجمالي إيرادات الشركة أقل من 5%).

(5) تجنيب الإيراد المحرم للأعمال الخيرية دون الاستفادة منه بطريق مباشر أو غير مباشر.

- ويتبين بأن الرأي القائم بالجواز لم يحل الربا، وإنما اتخذ خطوتين للتعامل مع الواقع حتى لا تحجب السيولة عن الاستثمارات النشطة والمفيدة والتي تمثل حاجة عامة على مستوى الأمة. أما الخطوة الأولى فوضع قيودًا تحدد القليل والكثير، بحيث يمنع الدخول في الاسثتمار إذا كانت النسب أكبر من تلك النسب المحددة كمؤشرات اجتهادية على القلة والكثرة. والخطوة الثانية، أوجب تجنيب آثار الربا والمحرمات بتجنيب إيراداتها بالكامل وعدم الانتفاع بها.

- وبفضل هذا الرأي دخلت البنوك الإسلامية في الاستثمار في الأسهم المختلطة إما لنفسها أو وكالة ووساطة عن الغير في عمليات الصناديق وإدارة المحافظ والوساطة في الأسهم. ومن الضروري التنويه بأهمية التطهير للملكية بتجنيب الإيراد المحرم بالكامل بصرف النظر عن الأرباح، وهل قامت هذه الشركات المختلطة بتوزيع أرباح أم لا.

- وتجدر الإشارة إلى أن القروض الربوية من الغير رغم تحريمها؛ لا يجب في ما يخصها من عوائد أي تطهير على رأي الأيوفي وعدد من الهيئات الشرعية، عملًا بقاعدة الخراج بالضمان، فما دام أن القرض المقبوض بالعقد الربوي الفاسد مضمون على البنك فإن عائده سيكون للبنك. وتوجد أقوال أخرى بتجنيب نصف صافي الربح الخاص بهذه القروض ويسمى منفعة القرض الربوي. وهذا القول للهيئة الشرعية لمصرف الراجحي في تشكيلها الأول الذي كان فيه الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله ثم تم التخلي عن هذا الشرط في التشكيل الثاني للهيئة الشرعية.

- أما الاستثمار في الفنادق والمنتجعات السياحية التي يكون جزء من نشاطها مخصصاً لتقديم الخمور كالبارات، فإن الأصل منعه، ولا يجوز للبنك بناء الفندق إن كان فيه هذا البناء المخصص للبار. وفي حال آل إلى ملكية البنك فندق فيه جزء مخصص للبار، وبعض الموجودات المحرمة فإن الواجب تعديله، وإتلاف المحرمات. أما إن كان الاستثمار في هذا المجال غير ممكن دون هذا الجزء المحرم وفقًا لمعايير الفنادق وأماكن وجودها فإن الأصل تجنب التورط في هذه الاستثمارات، وإن حصل على سبيل الاستثناء ووفقًا لما تقدره هيئة الرقابة الشرعية للبنك في كل حالة من ضرورة فإن الواجب البحث عن وسائل لتجنب مباشرة المحرم من قبل البنك، وإذا رأت الهيئة إيجار المكان لشركة أخرى للقيام بذلك لضرورة تشغيل الفندق وعدم تعطيله فإنه يتم تجنيب كامل الإيجارات المتسلمة.

- إن اختلاط الحلال بالحرام في عالم اليوم، لا يسوغ أكل الحرام، ولكن يفرض على المستثمرين وأهل العلم الشرعي تحديات كبيرة يجب أن يواجهوها، وأن يتحروا الدقة في تجنيب آثار المحرم إذا خالط الحلال.

وكان الدكتور جمعة قد اصدر فتوى أجاز فيها أخذ الفوائد البنكية على الأموال المودعة في البنوك معه حيث بين ان تحديد نسبة مستحقة مقدما من الأرباح على الأموال المودعة في البنوك بغرض الاستثمار جائز لأن الواقع النقدي قد تغير.

واستند المفتي في ذلك الى أن غطاء العملات لم يصبح كالسابق بالذهب والفضة، وأنه مع فتوى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، التي تجيز تحديد قيمة الأرباح مقدماً على الأموال المستثمرة في البنوك أصبحت الفائدة حلالا.

وأكد ان تحديد الربح مقدما أمر لا علاقة له بالحل أو الحرمة، مشيرا إلى أن الدراسات التي تقوم بها البنوك تستطيع ان تحدد مقدما نسبة الربح فيما سيشارك فيه مال المودع من أعمال تجارية.

وأيد فريق من العلماء فتوى الدكتور جمعة بينما رفضها فريق آخر ، ولكل فريق حججه وأسانيده الشرعية. ومن المؤيدين الدكتور عبد الرحمن العدوى أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر عضو مجمع البحوث الإسلامية، حيث يرى أن استثمار الأموال في البنوك التي تحدد الربح مقدما جائز.

وأضاف أن كثيرا من الناس تكون لديهم مدخرات لا يحتاجون إليها وليست لديهم الخبرة لاستثمار هذه المدخرات أو تمنعهم مكانتهم في المجتمع ووجاهتهم عند الناس أن يباشروا بأنفسهم عملا من أعمال التجارة أو الصناعة لاستثمار هذه الأموال فيه.

وأشار إلى أنهم مع ذلك يخشون ان تمتد الى هذه الأموال يد بالسرقة أو الإنفاق غير الرشيد أو غير ذلك من المهلكات، وهم لذلك في أشد الحاجة لاستثمار هذه الأموال لدى جهة مأمونة لا يخشى ضياعها أو ادعاؤها أن المال إصابته جائرة أهلكته.

وذكر أن كثيرا ما يحدث أن يلجأ الأفراد الذين يثق فيهم أصحاب الأموال ويأتمنونهم على القيام باستثمار أموالهم بالمشاركة أو المضاربة أو بأي عقد من عقود الاستثمار. وتابع العدوى قائلا: إزاء عدم الخبرة أو عدم الاستطاعة والخوف على ضياع الأموال فإن الحاجة ماسة إلى استثمار المدخرات لدى هيئة مأمونة لا يخشى معها ما يخشاه صاحب المال في المعاملة مع الأفراد، ومن هنا كانت البنوك التجارية أو المسماة بالبنوك الاسلامية ضرورة من ضرورات استثمار الأفراد لأموالهم.

واسترسل «إنها من ضرورات تنمية المجتمع وإقامة المشروعات الكبيرة التى يحتاج إليها والتي يعمل بها عدد كبير يتعيش من هذا العمل وينفق منه على من هم تحت ولايته ومسؤوليته». ويضيف: لقد صار استثمار الأموال في البنوك من المصالح الضرورية فليس من الحكمة أو المعقول تعطيل هذه المصالح وتضييعها على أصحاب الأموال وعلى المجتمع وضرورة التنمية فيه وتشغيل أفراد مما يعود عليهم وعلى أسرهم بالنفع والخير. وأشار إلى أنه بعد أن كثرت تساؤلات الناس عن حكم استثمار أموالهم في البنوك التي تحدد الربح مقدما وهل هذا النوع من التعامل حلال أم حرام عرضت هذه التساؤلات على مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر وبعد مناقشات الأعضاء ودراستهم قرر المجمع الموافقة على أن استثمار الأموال في البنوك التي تحدد الربح مقدما حلال شرعا ولا بأس به.

وأفاد أن المجمع أصدر بيانه في هذا الشأن مدعما بالأدلة الشرعية التي استند إليها في فتواه للرد على الشبهات التي أثيرت حول شرعية التعامل مع البنوك التي تحدد الربح مقدما حتى تتجلى الحقائق وتطمئن القلوب إلى سلامة التعامل مع هذه البنوك. ويسوق الدكتور العدوي بعض الأدلة التي تبرهن على صحة حديثه حيث يؤكد ان التعامل مع البنوك، وهي هيئات معنوية أمر مستحدث لم يكن في عهد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد الصحابة الكرام ولا في عهد أئمة الفقه الإسلامي وأن المعاملات المستحدثة يجب على أهل العلم بالفقه ان يجتهدوا لبيان الحكم الشرعي الذي يغلب على ظن أهل الاجتهاد.

وأبان أن ما يقوى صواب الحكم أن يكون الاجتهاد جماعيا كما هو في المجامع الفقهية المتخصصة، والحكم الاجتهادي مقبول شرعا ما لم يصادم نصا صريحا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وفي السياق نفسه يؤكد الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوى السابق بالأزهر عضو مجمع البحوث الإسلامية إن عوائد الأموال المستثمرة في البنوك سواء كانت في شكل حسابات إيداع أو شهادات استثمار وغيرها من الأوعية الاستثمارية الأخرى لدى البنوك حلال شرعا ولا شبهة فيها.

وأفاد، كما يمكن للمسلم أداء الواجبات الشرعية منها، كالحج والعمرة والصدقة على المحتاج وإطعام أهل بيته، وأن تحديد نسبة معينة مقدما تستحق على الأموال المستثمرة في البنوك أو ما يسمونه (الفائدة) جائزة شرعا.

وأكد أن هذه من المعاملات الحديثة التي تختلف عن الربا والذي جاء تحريمه بنص آيات القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة فقياس معاملات حديثة على المعاملات القديمة لا يجوز كما أنه من المنطقي أنه لا يجوز القياس فى غير محل القياس، كما أن العلاقة التي تربط بين العميل والبنك هي علاقة تعاقدية مبنية على اتفاق ورضا الطرفين.

وقال إن هذه العلاقة تحقق النفع للطرفين فضلا عن ذلك فإن أي أموال يتم إيداعها في البنوك تستحق عوضا معقولا لأن هذا المال إن لم ينم قلت قيمته. ومن ثم فالتعامل مع البنوك بهذه الصورة يمثل ضرورة لتحقيق التنمية المادية والبشرية للمجتمع.

وفي تعليقه يقول الدكتور احمد عبد الرحيم السايح الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة: إن البنوك المنتشرة في مجتمعات العالم اليوم لم تكن موجودة عند ظهور الإسلام ولا قبل الإسلام فضلا عما جاء في الفقه الاسلامي من ان كل ما يقضي مصالح الناس فهو من المصالح المرسلة. ويستند في ذلك الى ما ذكره الإمام الطوفى، «فالمصالح المرسلة التي تؤدي لخدمة وقضاء مصالح الناس أمر مشروع بمعنى أن الله سبحانه وتعالى قد شرعه للناس مشيرا إلى أن نظام البنوك القائم في المجتمعات الإنسانية ليس كنظام الأفراد في عهد الجاهلية لان البنك يقوم بما يقوم به الإنسان فهو نائب ووكيل وأن الوكالة في الإسلام جائزة شرعا. بالتالي ـ والحديث ما زال السايح ـ فإن ما يقوم به البنك نيابة عن الأفراد الذين يستثمرون أموالهم فى البنوك أمر مشروع لا شيء فيه. ويضيف قائلا: إن المعاملات البنكية تيسر للناس التعامل المضمون وهذا أمر شرعه الله عز وجل ونتيجة لهذا فان البنوك المنتشرة في المجتمعات الإنسانية جاءت من اجل مصالح الناس وهذا أمر مشروع. ويرى الدكتور السايح أنه لا يوجد فرق بين ما يسمى بالبنوك الإسلامية او ما يسمى بالبنوك غير الإسلامية والاختلاف في المسميات فقط لان المعاملات البنكية معاملات واحدة وفي ذات الوقت هي معاملات إنسانية تعم الناس أجمعين.

ويأتي على رأس الفريق الرافض فتوى إباحة اخذ فوائد البنوك الدكتور عبد الفتاح إدريس رئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر الخبير بمجمع الفقه الاسلامي بمكة المكرمة حيث يؤكد ان المعاملات الحديثة بالبنوك غير الإسلامية لم تختلف عن المعاملات القديمة بالربا بل هي الربا بعينه. وأشار إلى أن مجامع البحوث الإسلامية والمجامع الفقهية وجامعة الأزهر ورابطة العالم الإسلامي والمجمع الفقهي الدولي أجمعت كلها على ان فوائد البنوك هي الربا المحرم ومن اجل ذلك تم إنشاء البنوك الإسلامية. ويؤكد إدريس أن معاملات البنوك وخاصة تحديد سعر الفائدة مقدما مخالف لما جاء به الإسلام لأن البنوك تحصل على الأموال من أصحابها مقابل سعر فائدة محدد وليكن 10 بالمائة ثم تعيد ضخه في شكل قروض مقابل 12 بالمائة مثلا والفرق بين العرضين يحصل عليه البنك.

ويخلص الدكتور إدريس إلى أن القاعدة الشرعية هي التي تحكمنا والقاعدة تقول: (الغنم بالغرم) أي أن الموضوع مكسب وخسارة أي أن الفرصة في الحصول على المكسب تعادله الفرصة في التعرض للخسائر.

ويتفق مع الرأي السابق الدكتور أسامة عبد السميع أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة قائلا: يجب أن يعلم الجميع أن الأدلة الشرعية التي أوجبت تحريم الربا سارية في كل عصر وفي كل مكان طالما وجدت علة الربا في البنوك أو غيرها وبخاصة أننا لم نجد عقدا ينطبق على هذه المعاملة المصرفية إلا كونها عقد قرض فكيف نعتبرها معاملة جديدة؟

ويشير إلى أن القول بأن التعامل بفائدة مع البنوك فيه مصلحة للناس قول مردود عليه لأن العلاقة حسب ما تقضي الشريعة الإسلامية بين البنك والعميل ليست علاقة مضاربة. إذ يبين أسامة أن البنوك الإسلامية هي البنوك الوحيدة التي تطبق تعاليم الإسلام في المعاملات البنكية ويشترط في من يتولى المعاملة مع البنوك الإسلامية الخبرة والأمانة.

وخلاصة القول فإن فقهاء الشريعة المعاصرين لم يتخذوا موقفا واضحا ونهائيا من قضية الاستثمار و التعامل مع البنوك بشكل عام، مما يوقع الفرد المسلم في حرج وريبة من أمره، حيث أن النظام الاقتصادي العالمي قائم على هذه الانظمة و محاولات الهيئات الشرعية للمصارف والبنوك الاسلامية في إضفاء الشرعية على تعاملاتها دون غيرها من المؤسسات الربوية – كم يصفونها – لا تتعدى عن كون معظمها يصب في المصالح الشخصية للكيانات الاسلامية التي ينتمون اليها.

ولعل أقرب مثال الى ذلك ماحصل في الايام الأخيرة من تضارب أراء المفتين و علماء الدين في المملكة العربية السعودية حول مدى شرعية الاكتتاب بأسهم البنك الأهلي التجاري حيث تراوحت أقوالهم مابين الوعيد بحرب من الله ورسوله لمن يقوم بالاكتتاب على اعتبار أنه ربا لا ريب فيه حسب قرار اللجنة الدائمة للفتوى بالمملكة ، وماصدر عن الهيئة الشرعية للبنك بأن الاكتتاب في أسهم البنك سائغ شرعاً ولا حرج فيه.

ومن هنا تتضح أهمية قيام الفقهاء و مراكز الأفتاء بضرورة البت في مثل هذه القضايا الجوهرية التي تمس الأمن الاقتصادي و مصدر رزق الفرد المسلم. ولكن يبدو أن هذا الأمر مايزال بعيد المنال في واقعنا المعاصر الذي ترزح فيه الأمة الاسلامية تحت نير التعصب للمذهب والمصالح الشخصية الضيقة و ماتفرزه من عوامل التفرقة والجهل و التخلف في كافة مناحي الحياة و الحضارة الراهنة.