دعوة ترك العمل السياسي والاهتمام بالعمل التربوي

تعقيب على كلمة الدكتور محمّد سليم العوا حول

دعوة ترك العمل السياسي والاهتمام بالعمل التربوي

د.عدنان علي رضا النحوي

www.alnahwi.com

[email protected]

إشارة إلى الحوار الذي أجرته " إسلام أون لاين " مع الدكتور محمّد سليم العوا ، والرد عليه من قبل الدكتور عصام العريان وآخرين . الدكتور العوا دعا الإخوان المسلمين من خلال الحوار دعوة صريحة واضحة إلى ترك العمل السياسي والانصراف إلى العمل التربوي . وردَّ الدكتور عصام العريان برفض اقتراح د. العوا . وكتب الأستاذ علاء سعد حسن مقالاً في جريدة الأمان الأسبوعية بعنوان : " دعوة وسط بين وجهتي نظر العوا والعريان "!

 فمن خلال الحوار والردود أثيرت قضايا هامَّة في واقع العمل الإسلامي ، تختفي وراءها قضايا كثيرة لم يُشرْ إليها الحوار ولا الردود . فالدكتور العوا له نهج أعلن كثيراً منه في مواقف كثيرة ، مثل موقفه من قضية المرأة ، وقضية " الإخوة الإيمانية " وقضية المواطنة ، حتى اختلطت الآراء والمواقف .

 وأرى أن سبب الاختلاف في الآراء التي عرضها الحوار والردود هو اختلاف التصور لطبيعة العمل الإسلامي ، واختلاف التصور للواقع ومتطلباته .

 فدعوة حركة الإخوان المسلمين إلى ترك العمل السياسي ، بهذا المصطلح والتعبير ، هي إقرار منَّا بأنَّ السياسة هي الانتخابات والبرلمانات ، والصدام المباشر مع الدولة أو الآخر ، وسائر النشاط الديمقراطي الغربي .

 نعم ! إنَّ الانتخابات العصرية ومؤسساتها هي نظام غربيّ فُرِضَ على المسلمين كما فرضت عليهم أشياء أخرى ، فاتّبعوها طائعين حتى ظنّوها من الإسلام ، وهي ليست من الإسلام .

 الإسلام له مفهومه الخاص عن السياسة ، مفهوم أخذ يغيب بين ضجيج شعارات الواقع اليوم ، وضجيج التيارات المختلفة . ففي الإسلام تمضي الدعوة الإسلامية على نهج واعٍ وخطة مدروسة تنبع من قواعد الإيمان والتوحيد ، ومن الكتاب والسنَّة كما جاءا باللغة العربية ، ومن مدرسة النبوّة الخاتمة . وفي هذا النهج والخطة تكون التربية والسياسة والاقتصاد وغير ذلك يمثل نهجاً متكاملاً ، له مراحله المدروسة وخطواته المتماسكة .

 الخطأ الذي وقع فيه المسلمون أنَّ الفكر الغربي تسلل إلى عقولنا وقلوبنا، ورفضناه أولاً ، ثمَّ سكتنا عنه ، ثمَّ قبلناه ، ثمَّ أصبحنا من دعاته !

 الإسلام كما جاء من عند الله نظام حياة كامل متماسك ، يأمرنا الله سبحانه وتعالى باتباعه والتزامه في كل واقع وكل زمن وكل حالة . وإنه ابتلاء من الله وتمحيص في بعض المواقف حين يبدو تعذّر تطبيق منهاج الله قرآناً وسنَّة ولغة عربية ـ .

 لقد فشل المسلمون في عصرنا الحاضر في تقديم حلول لمشكلات العصر من خلال منهاج الله . وشُغلوا عن ذلك بقضايا غير أساسية اندفعوا إليها من خلال إيحاءات الواقع الذي أخذ الغرب يمسك بزمامه في كثير من ديار المسلمين . إنَّ هذا الفشل لم يكن لعجز منهاج الله عن تقديم الحلول ، ولكنه لعجز الطاقة البشرية المؤمنة التي شغلت نفسها بتصورات ونشاط حسبوه من الإسلام وما هو من الإسلام . إنَّ منهاج الله حق كامل لكل عصر وأرض وحالة ، تستفيد منه الطاقة البشرية المؤمنة إذا استوفت شروطاً رئيسة فيها ، شروطاً إيمانية وعلمية ومواهب، حتى ينزل الله رحمته ونصره ، فلا شيء إلا بقدر الله وقضائه ، وما على المؤمنين إلا أن يستوفوا الخصائص الربانية .

 لا نقول إنَّ كلَّ ما عند الغرب خطأ وحرام أخذه . كلا ! ولكننا نقول إن الاتجاه الفكري لدى الغرب كله اتجاه مخالف للإسلام كل المخالفة ، نهجان مختلفان لا يلتقيان :

نهج الضلال ونهج الحقّ والرشَـدِ

 

نهجـان قـد ميّـز الرحمن بينهمـا

نهـج الفساد ولا حقّـاً على فَنَـدِ

 

لا يجمـع الله نهج المؤمنـين على

 لدى الغرب علوم تطبيقية وصناعة وسلاح ، وهذا أهم ما نحتاج أخذه . ولكننا اليوم شغلنا بصراع حول ما نأخذه من زخرف حضارتهم ، ومن الشعر الحر ، ومن وسائل الزينة وقشور الحياة ، ومن النظم البرلمانية التي لم تقم على أي أساس إيماني ، وإنَّما حملت من مفاسد الغرب وأساليبه ما يبرأ منه الإسلام .

 لقد فشل المسلمون في تقديم حلول لمشكلات العصر من خلال منهاج الله ، ولذلك فزعوا إلى الغرب يأخذون عنه الزخرف ، ولا طائل تحته . عندما ظهرت الاشتراكية أسرعنا إليها على أنها الحل ، وانبرى كتَّابنا ليلبسوها ثوباً إسلامياً رقيقاً لم يُخْفِ عوراتها .

 ولما جاءت الديمقراطية هلّل المسلمون لها واندفعوا إليها حتى أصبحت هي رسالة الكثيرين من المسلمين . ففي مؤتمر إسلامي يضمُّ الآلاف أخذ داعية مسلم يدعو إلى الديمقراطية بإلحاح ونسيَ أنه داعية مسلم . ولمَّا سألته : لم تدعو إلى الديمقراطية ولا تدعو إلى الإسلام ؟! قال : لأننا نريد حريّة وعدالة . قلت له : إذا لم يكن في الإسلام حريّة وعدالة فأعلن ذلك ليترك الناس الإسلام ، وإن كان شرع الله فيه عدل وحريّة ، فلمَ تعطي هذا الشرف للديمقراطية وتنزعه ظلماً عن الإسلام . ثمَّ قلت له : إنَّ الديمقراطية لها دول قوية تدعو إليها ، والإسلام يتلفّت يميناً وشمالاً يبحث عن دعاته وجنوده فكن منهم خيراً لك !

 وفي مؤتمر إسلامي آخر ، كان محوره الدعوة إلى العلمانية أمام جمهور يزيد عن خمسة عشر ألفاً . حتى قال داعية مسلم : العلمانية مساوية للإسلام في مقصودها ! وقال داعية آخر : لا نملك إلا أن نندمج في النسيج الثقافي والديني الغربي ! وقال آخر شيئاً مثل ذلك ، وآخر وآخر ، وامتلأت الساحة بالدعوات الغربية واختلط الحابل بالنابل .

 نحن بحاجة إلى وقفة إيمانية هادئة نراجع مسيرتنا ونقوّمها ونردّها إلى منهاج الله ، لنحدّد أخطاءنا ونعالجها . لا يعقل أن تكون الهزائم والفواجع وسقوط الديار وتناثر الأشلاء والجماجم في ديار المسلمين على هوان ومذلة ، لا يمكن أن يكون هذا ظلماً من الله ! إنَّ الله حق عادلٌ لا يظلم أبداً . ولا يقع شيء في الكون إلا بأمر الله وقضائه . فالخلل فينا نحن المسلمين . فلنتواضع إلى الله ، ولا نستكبر، ولا نرى أنفسنا فوق الخطأ والخلل ، إنَّ الخلل فينا حقيقةً لا وهماً . وإنَّا بحاجة إلى وقفة مراجعة ومحاسبة وتقويم .

 وأول قضية أودُّ إثارتها في هذه المناسبة أن أذكّر إخواني المسلمين جميعهم بأنَّ الله لم يخلقنا عبثاً ، وإنَّما خلقنا للوفاء بمهمة رئيسة في الحياة الدنيا ، عبَّر عنها كتاب الله بمصطلحات أربعة نوجزها : العبادة ، الأمانة ، الخلافة ، العمارة. ثمَّ فصّلها منهاج الله تفصيلاً :

 (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ) [ المؤمنون : 115]

 فهل نحن نعي هذه المهمة وعياً إيمانياً حتى ننهض للوفاء بها قبل يوم الحساب ، فإنها هي مدار الحساب كله .

 وللإيجاز ، حيث لا مجال هنا للتفصيل ، أقول إنَّ هذه القضايا الأربع كلها لا تتحقّق إلا من خلال المهمّة الرئيسة التي يريدنا الله أن نوفي بها في الحياة الدنيا. ألا إنها أن نبلّغ رسالة الله كما أنزلها على محمد r إلى الناس كافَّة ونتعهّدهم عليها حتى تكون كلمة الله هي العليا في الأرض .

 فهل نحن أوفينا بهذه المهمّة وصدقنا الله فيها ، وحملنا الزاد الحق من أجل الوفاء بها ؟! إنَّ الله سبحانه وتعالى لم يكلفنا بهذه المهمّة الربّانية العظيمة إلا بعد أن وفّر لنا كافّة الإمكانات للوفاء بها :

(أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً ) [ القيامة : 36]

 ( وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) [ إبراهيم :34]

 أمرنا بالتفكير الإيماني المنهجي ، فهل فكّرنا ؟! أمرنا بالنصيحة الصادقة الخالصة لله على أساس من الكتاب والسنَّة ، وليس على أساس من الأهواء والتصوّرات البشرية ، فهل تناصحنا على أساس ذلك ؟! أمرنا أن نردَّ أمورنا كلها صغيرها وكبيرها إلى منهاج الله عن إيمان وعلم ، فهل التزمنا ذلك ؟!

 أمرنا أن لا نتفرّق وأن نكون أمة واحدة وصفّاً واحداً رابطته أخوّة الإيمان، التي أمر الله بها ورسوله في آيات محكمة وأحاديث صحيحة ، فهل أقمنا بيننا أخوة الإيمان ، أم أقمنا أخوّة الوطن ، وأخوّة العرب ، وأخوّة العائلة ، وأخوّة القومية ، وهجرنا أخوّة الإيمان الممتدّة أو التي يجب أن تمتدّ بين المؤمنين جميعاً؟!

 ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا........ ) [ آل عمران : 103]

 ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [ آل عمران : 104 ]

 ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [ آل عمران : 105 ]

 (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [ الأنعام : 159 ]

 (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ * فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) [ المؤمنون : 52-53 ]

 إنها آيات بيّنات حاسمة فاصلة :

( لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ) [ الطارق : 13-14 ]

 ولا أظنّ أحداً يجهل أحاديث رسول الله r وهي تؤكد وتشدّد على أخوّة الإيمان والإسلام ، وعلى أنَّ المؤمنين كالجسد الواحد !

 إنَّ الانتخابات والبرلمانات كما هي الآن ليست من الإسلام في شيء فتركها عبادة وطاعة ، وباب السياسة في الإسلام واسع لا ينفصل ولا يمكن أن ينفصل عن حقيقة الدعوة الإسلامية . إنها كلها مهمّة واحدة علينا الوفاء بها .

 إنَّ التمزّق الذي يعيشه المسلمون اليوم إثم كبير ومعصية لله ونتيجتها : " وأولئك لهم عذاب عظيم " . وهذا العذاب قد بدأ ينزل بالمسلمين عظيماً !

 إنًّ الوطنيّة والدعوة إليها على الصورة التي يعرضها بعْضُهم ليست من الإسلام في شيء ، وإنَّما هي باب تمزيق للمسلمين وتقطيع حبال الإيمان بينهم .

 لقد مضى على المسلمين في ديارهم سنوات طويلة وهم يمارسون الانتخابات والبرلمانات على صورتها الحالية ، فماذا قدمت للمسلمين غير الوهن والتفرّق والصراع على الدنيا ؟!

 أعود وأؤكد أنَّ علينا أفراداً وحركات وجماعات تنتسب إلى الإسلام أن نتحرّر تحرّراً كاملاً من جميع أنواع العصبيات الجاهلية التي حرّمها الله يجب التطهُّر منها حتى يرضى الله عنَّا ويمدّنا بعونه .

 إننا لا ندعو الإخوان المسلمين وحدهم إلى ترك الانتخابات والبرلمانات ، بل ندعو المسلمين جميعهم إلى ذلك ، إلى أن يقام نظام انتخابات جديد ربّاني إيماني مستوف جميع شروط الإيمان .

 إننا ندعو الجميع إلى أن يقفوا مع أنفسهم وقفة محاسبة وتقويم وتناصح . إننا نرى أن الحزبية في واقعنا اليوم صورة من صور فتنة الديمقراطية ، مثلها مثل الانتخابات والبرلمانات وغيرها ، وصورة من صور العصبيات الجاهلية التي مزّقت المسلمين .

 إننا ندعو إلى أن يكون للدعوة الإسلامية نهج واضح وخطة مدروسة ، تحدد الأهداف بتفصيل ، وهي محددة في منهاج الله وتحدد الدرب والنشاط ، ومراحل ذلك كله ، على أسس إيمانيّة ربّانية ، يلتقي عليها المؤمنون في الأرض كلهم .

 ومن أجل ذلك نقدّم نهج مدرسة لقاء المؤمنين ليكون قاعدة اللقاء ومنطلق البلاغ والبيان ، على صراط مستقيم ، وهو يحمل النظرية العامة للدعوة الإسلامية، والمناهج التطبيقية ونماذجها ، والوسائل الإيمانية ، والأساليب ، والأهداف الربانية الثابتة والأهداف المرحلية ، نقدّم ذلك نصيحة خالصة للمسلمين بعيدين عن أيّ تصوّر حزبي أو عمل سرّي ، نصيحة لكل مسلم ولكل بيت مسلم ولكل جماعة ، ليتحمّل كلُّ مسلم مسؤوليته الشرعية ووقفة الحساب بين يدي الله سبحانه وتعالى يوم القيامة.