الحوار خير لا بد منه

الحوار خير لا بد منه

خليل الصمادي

 [email protected]

عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين/ الرياض

كنت قد كتبت قبل أيام مقالا بعنوان " الحسم في غزة شر لا بد منه " بينت فيه أنه لا بد من الحسم العسكري لأحد الأطراف منعا لإراقة الدماء ، وقد أزعج المقال الكثيرون وكأنهم لا يدرون لو أن الأمور لم تحسم على هذا النحو لكنا الآن في أتون حرب أهلية لا يعلم مداها إلا سبحانه وتعالى،

وتوضيحا للأمر وتعقيبا على المقال السابق لا بد أن أبين أن الأصل في حل الخلافات هو الحوار وقد يمون الحوار بين طرفين قويين متنافسين أو بين دولتين بينهما ما صنع الحداد أو الجزار وقد ينجح الحوار دون إراقة دماء فإن نجح كان خيرا وقد لا ينجح إلا بعد إراقة الدماء وهو الغالب بين الفرقاء في العالم أجمع وفي هذه الحالة يضع الطرف القوي شروطا للحوار تقوي من حضوره ومداولاته،

واليوم أقول في مقالي هذا " الحوار خير لا بد منه " بعد أن شاهدت الطرف الآخر من القوى الفلسطينية والمتمثلة في فتح تضع العراقيل أمام أي محاولات للحوار بل وكأنها أرسلت للفرقاء جميعا أنه " لا مساس " أو أعلنت الطلاق البائن بينها وبين حركة حماس

أما فريق حماس فمنذ اليوم الأول ومن خلال رسالة خالد مشعل ومن خلال خطابات إسماعيل هنية وجميع قيادات الحركة في الداخل والخارج أعلنوا استعدادهم للحوار من باب شرعية الرئاسة الفلسطينية، وعلى أسس وطنية فلسطينية تهم الجميع.

طبعا الحركة بندائها هذا كسبت التأييد الشعبي العريض الفلسطيني والعربي والإسلامي ومن القوى المحبة للسلام في العالم أجمع، وركلوا الكرة في الملعب الفتحاوي الذي يرى أن الحوار في هذا الظرف يضعف مواقفهم أو يلوي أعناقهم لأنهم الطرف الخاسر في المعركة وكأن المعركة حصلت بين اليهود والفلسطينيين !!

الملعب الفتحاوي ما زال مصرا على عدم الحوار، أو أنه يضع شروطا تعجيزية يصعب على حركة حماس قبولها أو التفكير بها كأن تعاد الأمور إلى ما كانت عليه وتقديم الانقلابيين إلى المحاكمة والاعتذار عما بدر من الحركة .

أتساءل كما يتساءل الكثيرون غيري : هل أصبح الحوار خيانة أو كبيرة من الكبائر ؟ وأتساءل أيضا : إذا لم تحسم الأموربالصدام ......فلا بد من الحوار وهذا عرف عالمي متبع مذ أن خلق الله البسيطة ومن عليها فالأمور تحل إما بالقتال أو بالحوار ولا ثالث بينهما ففي نظرة سريعة للتاريخ العالمي نجد أن الأمور قد حسمت عن هذين الطريقين ا وحتى لو طال التجيش والتناحر بين الفرقاء. .

 وأتساءل أيضا أيهما أفضل للفلسطينيين الحوار أم الصدام ؟ بالطبع لا أحد من العاقلين يرتضي بالقتال ، ولا سيما بين فريقين كبيرين قد تنهار البلاد من شر قتالهما . وتأكل الحرب الأهلية الأخضر واليابس وتورث الأحقاد للأجيال القادمة ناهيك عن تغذية العدو الصيوني لهذه الحرب التي نادوا بها مذ قيام السلطة الفلسطينية ، بل أن بعض المحليلين رأى أن إسرائيل راهنت منذ البداية على الحرب الأهلية الفلسطينية وأنها ما كانت تسمح بقيام سلطة فلسطينية إلا للجم الحركة الإسلامية في فلسطين ، ولكن يبدو أن حنكة المرحومين ياسر عرفات وأحمد ياسين أحبططت هذه المخططات، فكان جزاءهما الاغتيال

ليس معيبا أن يحاور المرء خصمه وقال حاور رب العزة والجلال عدوه إبليس في أكثر من موضع في القرآن الكريم كما حاور رسول الله صلى الله عليه وسلم أعداءه من المشركين والكفار في مكة المكرمة وفي المدينة المنورة، كما أرسل عشرات الرسائل للملوك والأمراء وأهل الحل والعقد تدعو للحوار ، وتابع خلفاء المسلمين وأمراؤهم حواراتهم مع الأعداء أو المنافسين لهم في الحكم إن لم يحسموا الأمور بالقوة، وبعد حرب تشرين التحريرية أو رمضان المجيدة عام 1973 لجأ ت مصر وإسرائيل لحوارات طويلة الأمد بعد أشهر من القتال وما نراه اليوم من تهافت الفرقاء في منظمة التحرير الفلسطينية وسلطة الرئاسة على حوار العدو الصهيوني لأكبر دليل على أن الحوار طريق لأخذ بعض الحقوق كما يظنون وقد طرح الكثيرون هذا التساؤل :" والذي يحاور الإسرائيليين الأولى به أن يحاور الفلسطينيين " فالفلسطينيون إن كانوا من حماس أو الجهاد أو أي طرف آخر يبقوا فلسطينيين وينطبق فيهم قول الله تعالى "

وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:9-10].

هذه هي الرسالة التي أمرنا بها رب العالمين إنها رسالة الخير التي طبقها المسلمون على مرِّ التاريخ عندما كانوا يختلفون وهذه حقيقة لا بد منها ومن السعي لها وأن نطفئ روح الفتنة التي ينفخ بها أعداؤنا ليل نهار الذين لم يرق لهم أن يختار الشعب الفلسطيني ممثليه الحقيقيين من خلال صناديق الانتخابات التي ربما صارت يومنا هذا رقفا على جنس من البشر وحرام على أمة لا إله إلا الله .

وربما نستطيع من خلال الحوار التوافق على برنامج سياسي يتوافق مع مصلحة الجميع دون أن يلغي أي طرف الآخر ولا سيما بعد أن عرف التيار الذي كان يقود البلاد نحو الهاوية ما هو حجمه السياسي والشعبي في الداخل والخارج طبعا ما عدا الخارج المناوئ لفلسطين .