مبادرات أم إنقلابات علي الثورة

خليل الجبالي

مستشار بالتحكيم الدولي

[email protected]

أود أن يأتي حديثي من الأخر ليحصل القارئ علي النتيجة المرجوة من كلامي هذا قبل السرد في الحقائق والدلائل، وهو أن لا يعر أبناء الثورات التي تنادي بالحرية والشرعية والكرامة الإنسانية أي إهتمام لمن يقدم مبادرات تحث علي تصالح أبناء الثورة مع الإنقلابيين وأن يرضوا بسياسة الأمر الواقع حيث يقولون أنه يكفي ما حدث من خسائر حتي نلم الشمل ونحفظ ما بقي لنا من الكرامة وإلا فالحال كما فرضه الإنقلابيون علي مؤيدي الشرعية من سجن وإغتصابات وتجويع، وتشويه لصورتهم، ومطاردة لمؤيديهم، ومصادرة لممتلكاتهم، وفصل من وظائفهم وغيرها، فإن هذا كله لا يكون إلا في دائرة الإنقلاب علي الثورة من قبل المتواطئين مع الإنقلاب، أوأصحاب النفس القصير، أوالذين تم إغرائهم بما لا يملكونه من مال أو منصب أوحماية زائلة لمقدراتهم وممتلكاتهم.

إن المحاولات التي تتم لصبغ الإنقلاب بالشرعية هي محاولات فاسدة تعمل علي إرضاخ الشعب لما تم من تعدي علي حقوقه المشروعة في إختيار قياداته.

إننا نوقن أن الإنقلاب لن يدوم طويلاً إلا إذا هدئت الأوضاع الداخلية ، ورضي الإسلاميون بما آل إليه الإنقلاب في وضعه الحالي ، وأن يتجاوبوا مع مرادفاته من إنتخابات برلمانية، ومشاركات سياسية، ومتطلبات إستراتيجية، وأن يعيدوا بناء أنفسهم من جديد كما بدأوا من بعد ثورة  1954 التي إنقلب فيها العسكر علي الإخوان المسلمين.

إن العسكر الإنقلابيين قدموا قبل إنقلابهم مبادرات لوضع الرئيس مرسي في صورة شكلية، وأن يديروا البلاد بطريقتهم ، فقد دفعوا بالسفيرة الأمريكية آن باترسون لمقابلة الدكتور مرسي وتهديده إذا لم يستجب لمطالبهم بالتنحي أو البقاء بعد تفويض كامل صلاحياته للبرادعي كرئيس وزراء جديد للبلاد، وكذلك مبادرات كاترين آشتون ممثلة الإتحاد الأوربي ومقابلتها للدكتور مرسي أكثر من مرة في محبسه بمبني الحرس الجمهوري، ثم مقابلاتها مع الدكتور محمد بشر والدكتور عمرو دراج، وكذلك محاولتهم إحباط الدكتور مرسي ليسلم بالأمر الواقع عن طريق الدكتور سليم العوا.

لقد أعرب الدكتور يحيى حامد – وزير الاستثمار الشرعي في حكومة د. هشام قنديل – عن رفضه التام للمبادرة التي أطلقها محمد العمدة للتصالح مع الإنقلاب العسكري، مؤكداً أنه لا مبادرات مع الإنقلاب، وأن الثورة ستسقط الإنقلاب، وستحرر الوطن من الانقلابيين.

إن دماء الشهداء وإغتصاب الفتايات، وحبس الأبرياء ، ونهب الثروات، ومصادرة الأموال، وغلق الأحزاب، وطرد الشرفاء، وكبت الأوفياء، وغيرها لجديرة أن تضع ألسنة من ينادي بالمبادرات في أفواههم دون الإستماع إلي كلماتهم التي يفوح منها رائحة الركون والخضوع والإحباط والتثبيط لأنفسهم ولغيرهم.

إن التضحيات التي بذلت والدماء التي سالت لا يستطيع أحد أن يغض الطرف عنها ويقبل بالمجرمين ليحكموا البلاد، ويديروا المؤسسات.

إن رفض المبادرات لا يعني الجمود علي طريقة واحدة ، أو الإصرار علي نهج متبع، أو الخوف من التغيير كما يردد البعض.

إن رفضالأحرار للمبادرات لكونها بين طرفين ، طرف مغتصب إنقلابي ، وطرف سالت دماءه، وهتكت أعراضه، وحبس أبرياءه، فكيف يتفاوض من لا يملك فيما لا يملك من حقوق ودماء وأنفس.

إن شجرة الحق والصمود لتلق بأوراقها التي جفت من فروعها حتي تظل ثابتة الجذور، تروي أوراقها المتعلقة بسماتها وصفاتها.

إن الله ناصر المظلومين، وناصف المجاهدين المخلصين، ومحقق وعده للصادقين وسيكون ذلك قريباً بأمر الله.

(ويَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً (51) سورة الإسراء