ما الذي يرضيكم؟

عبد الرحمن يوسف القرضاوي

عبد الرحمن يوسف القرضاوي

كم عضوا في الحزب الوطني الديمقراطي المنحل قد قتل بعد قيام ثورة يناير؟

الإجابة صفر !

كم عضوا في الحزب الوطني الديمقراطي المنحل قد أقيل من وظيفته؟

 تقريبا صفر !

بل أستطيع أن أؤكد لك إنهم ما زالوا يتحكمون حتى اليوم في مفاصل الدولة كلها، من خلال المحليات (صغار الموظفين)، ومن خلال الجمعيات الزراعية، ومن خلال مواقعهم القيادية في عشرات الشركات والوزارات في كافة المجالات.

كم عضوا في الحزب الوطني الديمقراطي المنحل تم الحجز على أمواله ومنعه من السفر ومصادرة عقاراته؟

تقريبا (عشرين شخصا)، وبعضهم عادت إليه أمواله، وتم حفظ سائر الاتهامات ضده.

كم عضوا في الحزب الوطني الديمقراطي المنحل تم اعتقاله وتعذيبه وانتهاك كرامته؟

صفر !

كم عضوا في الحزب الوطني الديمقراطي المنحل اشتكى من اغتصاب زوجته؟ أو قتل أبنائه؟ أو حتى مجرد الإساءة إليه بأي شكل من الأشكال (أعني خارج إطار القانون)؟

حسب معلوماتي ... صفر !

كم جمعية خيرية تابعة لقيادات الحزب الوطني الديمقراطي المنحل قد تم حلها أو الحجز على أموالها؟

حسب معلوماتي ... صفر !

باستثناء جمعية (جيل المستقبل) التي أسسها جمال مبارك.

وقد حل الدكتور جودة عبدالخالق وزير التضامن الاجتماعي (عام 2011) هذه الجمعية لأسباب شديدة الموضوعية فاستند قرار الحل إلى مخالفة الجمعية لقانون الجمعيات الأهلية، لكون جمال مبارك قد اتخذ مقرها داخل الحزب منذ تأسيسها عام 1998 بالمخالفة للقانون، كما لم تخضع حساباتها للمراجعة خلال 13 عامًا من قبل الجهاز المركزي للمحاسبات.

أكدت تقارير الأجهزة الرقابية أن جميع أرصدة الجمعية باسم جمال مبارك وليست باسم الجمعية، وجميع التبرعات التي كانت تصل لها كانت تدخل باسمه وفي حسابه الشخصي.

كما اتخذت الجمعية مقرًا لها في مركز إعداد القادة بالعجوزة، وداخل الحرم الجامعي بجامعة القاهرة، وتحديدًا في مواجهة كلية دار العلوم، وتم بناء المبنى في عهد الدكتور مفيد شهاب عندما كان وزيرًا للتعليم العالي، على الرغم من اعتراض مجموعة من أساتذة الجامعة على وجود الجمعية داخل الحرم الجامعي، وتم التنكيل بالأساتذة الذين عبروا عن رفضهم.

كم قياديا في الحزب الوطني الديمقراطي المنحل اضطر للسفر خارج مصر بعد ثورة يناير؟

حسب معلوماتي أن العدد قليل جدا، وهم أناس يعلم الجميع أنهم قد نهبوا من أموال الدولة نهبا لا أول له ولا آخر، وكثير منهم قد عاد معززا مكرما.

كم عدد أقرباء قيادات الحزب الوطني الديمقراطي المنحل الذين تعرضوا لاضطهاد أو إجراءات قمعية خلال ثورة يناير؟

 العدد صفر !

ما هي الانتهاكات التي تعرض لها قيادات دولة مبارك وقيادات الحزب الوطني في السجون؟

لا شيء يذكر، لقد عاشوا في السجن كالملوك، يأتيهم الطعام من أرقى الفنادق، وكلما اشتكى أحد منهم مرضا أو علة ذهب إلى المستشفى فورا، وما زال الرئيس المخلوع يطل علينا من حين لحين وصبغة شعره تذكرنا بسواد أيام حكمه، وتوضح درجة الرفاهية التي يتمتع بها في (سجنه)، إنه السجن الذي يتوفر فيه كل شيء، حتى صبغة شعره لم تتأخر عليه في يوم من الأيام، إنه السجين الذي لم نر شيبته، برغم أنه قد شيَّب ولداننا.

كم عاما حكم الحزب الوطني الديمقراطي المنحل؟

حسب معلوماتي حكم خمسا وثلاثين سنة متصلة، من ضمنها ثلاثين عاما تحت قيادة الرئيس المخلوع حسني مبارك.

حسنا ... بعد هذه المعلومات، وبعد تذكير السيد القارئ بكل هذه الأرقام التي لا يمكن التشكيك في غالبيتها، هل يمكن مقارنة ما حدث لهؤلاء السفاحين السارقين الذين حكموا ثلاثين عاما، بما حدث لمن بعدهم وقد حكموا حكما شكليا لم يستمر سوى عاما واحدا؟

هؤلاء الذين حكموا عاما واحدا فقط (مع اعترافي بكل أخطائهم)، قُتِلَ منهم الآلاف، واعتُقِلَ منهم عشرات الآلاف، وجُرِحَ منهم عشرات الآلاف، وانتُهِكَتْ أعراضُهم، وقُتِلَتْ وشُرِّدَتْ عائلاتهم وأطفالهم، حتى اضطُرَّ عشرات الآلاف منهم إلى الهجرة من مصر، وترك كل أحلامهم وآمالهم وأحبائهم.

هؤلاء الذين حكموا عاما واحدا فقط (بكل ما فيه من عيوب)، وكان حكما (كده وكده)، صودِرَتْ أموالهم، وأُقيلوا من أي وظيفة حكومية أو شبه حكومية، وسُرِقَتْ أموالهم الخاصة، وضُيِّقَ عليهم في كل عمل خيري، وفي كل مجال عام، وهم في السجون ممنوع عنهم كل شيء، الزيارات، والأدوية، وسائر الحقوق الإنسانية، الآلاف منهم في السجن منذ أكثر من عام دون أن توجه لهم تهم أصلا، ودون أن يرتكبوا عشر معشار ما ارتكبه هؤلاء الذين استقروا في الحكم ثلاثين عاما متصلة مستقرة، حتى باعوا القطاع العام وهم مطمئون، وصدروا الغاز لإسرائيل بعشر ثمنه وهم يضحكون، وأدخلوا أعداءنا إلى كل ملفات الأمن القومي وهم يتسامرون !

لقد حكم الحزب الوطني الديمقراطي المنحل (بالتزوير والتعذيب) ما يقرب من أربعة عقود، وقتلوا وسرقوا واغتصبوا وارتكبوا سائر الموبقات في حق الوطن، لقد خانوا مصر خيانة عظمى، ولم يحاسبهم أحد حتى اليوم، وها هم قد عادوا لمواصلة فسادهم وإفسادهم مرة أخرى.

بينما حكم فصيل آخر (جاء بالصندوق) عدة شهور، فانتهكت سائر حقوقهم الإنسانية والوطنية، ولم يجدوا أي محاكمة شبه عادلة أو شبه جادة، فصدرت عليهم مئات الأحكام بالإعدام، وسجن يمتد لمئات السنين، وغرامات بمئات الملايين !

ثم ترى بعض "الثوريين" الذين وضعوا أيديهم في يد رجالات الحزب الوطني المنحل، وأكلوا من موائد أقذر الناس في مصر ... ترى هؤلاء يتفلسفون ويعظون من يطالبهم بتوحيد الصف الثوري، ويصفونهم بالسذج !

من يطالب رفقاء الميدان بالتوحد ضد الدولة العميقة ساذج، أما من استطاعوا أن ينسوا ثلاثين عاما من الخيانة العظمى مرت دون أي عقاب يذكر، ووضعوا أيديهم في يد العسكر، وفي يد رجالات الحزب الوطني، فهم الأذكياء الفطنون !

لقد استطاعوا أن ينسوا خيانات الحزب الوطني (وقد مرت دون حساب)، ولكنهم لم يتمكنوا من نسيان عشر معشار ذلك (مع ملاحظة أن من ارتكبه قد دفع الثمن ألف ألف مرة)، لهؤلاء أقول : ما الذي يرضيكم؟

لقد أثبت غالبية المنتمين إلى ما يسمى بالتيارات المدنية أنهم غرباء عن أفكارهم التي يدعون الناس إليها، وأنهم يحملون أطنانا من الحقد على منافسيهم، وأنهم قادرون على التسامح مع الخيانة، ولكنهم لا يستطيعون أن يتعايشوا مع مخالفيهم في الرأي !

ستنتصر الثورة بعز عزيز أو بذل ذليل، ستنتصر بجيل جديد لا يستطيع أن يضع يده في يد خائن، ولا يبرر لنفسه الدم والانتهاكات بسبب خلاف سياسي.

ستنتصر الثورة حين يقف جميع الثوار صفا واحدا ضد حكم العسكر، حين نعترف جميعا بأننا قد أخطأنا، وحين يتوارى أصحاب الشعر الأبيض والقلب الأسود إلى تقاعد مريح، مريح لهم، ومريح لنا، ومريح للأمة كلها، وأول هؤلاء العجائز هم عجائز التيار الإسلامي نفسه.

يا شباب مصر ... لقد أخطأ الجميع، فتعالوا إلى كلمة سواء نبدأ بها نضالا ثوريا جديدا من أجل إسقاط الثورة المضادة، فوالله إننا لم نكن أقرب إلى حلمنا منا اليوم.

عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ...