الأسد يصنع الإرهاب ويريد مكافحته

أنور مالك

منذ بداية الثورة السورية ونظام بشار الأسد يتحدّث عن إرهاب عابر للحدود ويهدّد أمن العالم. ولقد حذّر – بصيغة التهديد – مراراً وتكراراً أن ما يجري في بلاده سيفجّر المنطقة كلّها. بل إنه في أوّل خطاب ألقاه في البرلمان بتاريخ 30 مارس/آذار 2011 وصف الاحتجاجات التي اندلعت بأنها مجرّد مؤامرة من “أعداء” سوريا، وأشار ضمنياً إلى الثورات العربية التي سمّاها “التحولات الكبرى” وستكون تداعياتها على كل المنطقة بلا استثناء “الدول العربية وربما أبعد من ذلك” على حدّ تعبيره.

بين معمر القذافي وبشار الأسد

منطق بشار الأسد لا يختلف عن منطق معمر القذافي في عقلية المؤامرة، والفرق بينهما أن القذافي وجد في حلف الناتو ما يبرّر به اتهاماته بوجود مؤامرة استعمارية على بلاده. في حين أن الأسد لا يملك معطيات لتبرير المؤامرة على مقاومته وممانعته المزعومة سوى العمل على صناعتها بنفسه ولو أدّى ذلك لحرق الجميع.

لقد كان الديكتاتور الليبي يهدّد الليبيين وكل العالم بأن سقوط نظامه معناه انتصار تنظيم “القاعدة” وبناء أول دولة لبن لادن والزرقاوي في ليبيا. في حين أن طاغية سوريا لم يذكر هذه المسمّيات بصفة صريحة كما فعل القذافي، في حين تعامل معها واقعاً وبمنطق طائفي لتصفية الثورة الشعبية السلمية، حيث عامل المحتجّين منذ البداية على أنهم إرهابيون وشرع في دفعهم عبر منطق الإرهاب القذر الذي يصنع الإرهاب الأقذر.

القذافي لم يتمكّن من ممارسة الإرهاب على الثورة كما كان يريد فقد تصدّى له المجتمع الدولي بسرعة لأسباب استراتيجية متعدّدة وذلك بالحظر الجوي، وتدخّل الحلف الأطلسي حال دون نسف بنغازي من الوجود. في حين أن بشار الأسد لم يردعه أيّ رادع، فقد كان يصول ويجول بجيشه وأجهزة مخابراته وعصاباته ويمارس كل ما لا يمكن تخيّله من بطش ضد المتظاهرين والمطالبين في بداية الأمر بإصلاحات سياسية ومحاسبة المعتدين على أهل درعا، وتطوّر الأمر بسبب وحشية النظام إلى المطالبة بإسقاطه ورحيل بشار الأسد وحينها ازدادت وحشية الأجهزة الأمنية ضد المتظاهرين في درعا وحمص وإدلب وريف دمشق وصار شعارهم: “الأسد أو نحرق البلد”.

ما تعانيه ليبيا الآن من ممارسات وصلت تداعياتها إلى منطقة الساحل والصحراء يعود أساساً إلى علاقة مخابرات القذافي السابقة مع بعض التنظيمات بأساليب مختلفة. وحتى قبل سقوطه جعل من مخازن السلاح التي يملكها مصدراً لصناعة مليشيات أراد أن يعاقب بها المجتمع الدولي، وقد راهن القذافي على التحذير من مخاطر “الجماعة الليبية المقاتلة” المحسوبة على “القاعدة” والتي صار زعيمها عبد الحكيم بلحاج من قادة الثورة.

أما بشار الأسد فعكس ذلك تماماً فقد تمكّن من “لَبْيَنَة” سوريا قبل سقوط نظامه. كما أن نظام الأسد أيضاً كانت له علاقات مع تنظيمات متشدّدة، وقد اتّهم رسمياً من قبل رئيس وزراء العراق، نوري المالكي، بصناعة الإرهاب في العراق وأن تنظيمات بعثية وجهادية تتمركز على التراب السوري، وبعدها تحالف المالكي مع الأسد ضد الشعب السوري بمهماز إيراني وتمّ حتماً استثمار ذلك الماضي الاستخباراتي المتبادل مع هذه الجماعات ضد الثورة السورية.

إرهاب الأسد موثق في تقارير البعثات الدولية

كان أول تدخّل أجنبي في سوريا جاء عبر الجامعة العربية، من خلال بعثة “مراقبي جامعة الدول العربية” ورصد التزامات نظام بشار الأسد بالبروتوكول الذي أقرّته الجامعة في 12/ 11/ 2011 وكانت مهمة المراقبين تتمثل في:

- التأكّد والرصد لمدى التنفيذ الكامل لوقف جميع أعمال العنف ومن أيّ مصدر كان في المدن والأحياء السكنية السورية.

- التأكّد من عدم تعرّض أجهزة الأمن السورية فضلاً عما يسمّى “عصابات الشبّيحة” للمظاهرات السلمية.

- التأكّد من الإفراج عن المعتقلين بسبب الأحداث الراهنة.

- التأكّد من سحب وإخلاء جميع المظاهر المسلّحة من المدن والأحياء السكنية التي شهدت أو تشهد المظاهرات وحركات الاحتجاجات.

- التحقّق من منح الحكومة السورية رخص الاعتماد لوسائل الإعلام العربية والدولية، والتحقّق من فتح المجال أمامها للتنقل بحرية في جميع أنحاء سوريا، وعدم التعرّض لها.

بعد شدّ ومدّ بين الأمانة العامة لجامعة الدول العربية والحكومة السورية تمّ توقيع البروتوكول في 19 ديسمبر/كانون الأول 2011، ودخلت بعثة المراقبين في 25 ديسمبر/كانون الأول 2011.

قبول وجود مراقبين دوليين من الحقوقيين والخبراء العسكريين والدبلوماسيين بالنسبة لنظام بشار الأسد، كان الهدف منه ليس ما ورد في البروتوكول أو في القرار الدولي أو ما يصرّح به رسمياً، بل لاتخاذهم كشهود عيان أجانب على وجود مسلّحين و”إرهابيين” في المشهد السوري فقط، وهذا ما يبرّر العنف الذي يمارسه النظام ضدهم. أذكر أن أول سؤال طرحته وسائل الإعلام السورية علينا بعد نهاية أول زيارة للبعثة لحيّ باباعمرو في حمص بتاريخ 27/ 12/ 2011، حول وجود مسلّحين يسيطرون عليه. وقد تحدّث لبعثة الجامعة العربية محافظ حمص اللواء غسان عبد العال ووزير الداخلية محمد الشعار والعماد آصف شوكت واللواء هشام بختيار وغيرهم من الجنرالات والمسؤولين عن وجود مقاتلين أجانب ينتمون لتنظيم “القاعدة” تسلّلوا من العراق ودول أخرى بدعم تركي وسعودي وقطري.

لقد تعامل بشار الأسد مع الثورة منذ بدايتها على أنها مؤامرة أجنبية تستعمل الإرهاب والجماعات الإرهابية، بل وصل الحال إلى نفي وجود مظاهرات أصلاً، وأن الصور التي تنقلها الفضائيات ليست من داخل سوريا بل مسجّلة في استديوهات خاصة في الدوحة وغيرها!

لقد مارس الجيش السوري وشبّيحة النظام كل الإرهاب ضد المدنيين، حيث كانوا يهجمون على البيوت ويختطفون النساء ويغتصبون ويقتلون حتى الأطفال الرضّع، بل يجبرون الأب على اغتصاب ابنته والأخ لأخته والابن لأمه ومن يرفض يذبح من الوريد إلى الوريد.

أما في السجون فيحدث فيها ما يندى له الجبين، وشخصياً كنت شاهداً على حالات موثّقة، حيث تسلّمنا جثث مختطفين من مصالح الأمن في حمص، وعليها آثار التعذيب من كسر للضلوع وتهشيم للجمجمة وسلخ للجلد وبقر للبطن وتحطيم للفكّ وكيّ وحرق أماكن حساسة بوسائل مختلفة والصعق الكهربائي وقطع بعض أجزاء الجسم، وأذكر بهذا الخصوص جثة عبد الكريم الدرويش وفواز محيميد. كما وثّقت هيئات دولية من خلال صور مسرّبة عبر ضابط مسؤول عن تصوير جثث ضحايا التعذيب ونشر عدد منها في 20/ 01/ 2014 وكانت الصور صادمة للمجتمع الدولي.

كما زرنا المشفى العسكري في مدينة حمص التي كانت حينها عاصمة الثورة السورية ووجدنا جثثاً مقطّعة الأوصال كأنها مرّت على مسلخ، وقد كانت محدّدة بأسماء أصحابها، وحينها وجدت أكثر من عشرة أسماء مطلوبة في ملف عندنا من قبل أهاليهم، حيث اختطفتهم أجهزة أمنية وهم على قيد الحياة وفي كامل صحّتهم.

لقد مارس بشار الأسد كل أنواع الإرهاب عبر الجيش أو المخابرات أو عصابات الشبّيحة تتكوّن من مجرمين أخرجهم من السجون وصاروا يعملون لصالح النظام مقابل أموال يتلقّونها. كما كان يجنّد فتيات يستدرجن سوريات من الأسواق والمحلات لخطفهن واغتصابهن، وبينهن من لم يظهر عليهن أي خبر، والغريب أن هذا المخطّط يجري بطريقة طائفية حيث أن اللواتي يشتغلن مع النظام هن من الطائفة العلوية ويستهدفن فتيات من أهل السنّة فقط. وقد وثّقت بعثة الجامعة العربية في حمص حالة فتاة تدعى ألفت آصف فنتور كانت تشتغل في الاختطاف لصالح أحد المسؤولين في الأمن وقصّتها موجودة كاملة في كتابي “ثورة أمة” الصفحة 377.

كان بشار الأسد يستهدف المتظاهرين بالقناصة، ولم يسلم حتى الأطفال، وقد كنّا شهوداً كمراقبين برفقة الفريق أول الركن محمد مصطفى الدابي، رئيس بعثة مراقبي جامعة الدول العربية، على عملية قنص طفل يدعى أحمد محمد الراعي في حيّ بابا عمرو صباح يوم الأربعاء 28/ 12/ 2011، والقنّاص كان متمركزاً في بناية بها حاجز عسكري. وتطوّر الأمر إلى قذائف الهاون وسلاح الدبابات وقد حدث قصف الحيّ نفسه أثناء أول زيارة لبعثة المراقبين، وكان ذلك يوم الثلاثاء 27/ 12/ 2011. وتواصل على مدار وجود بعثة المراقبين في حمص وخاصة في الليل، وقد كنت شاهداً على ذلك مع مجموعة من المراقبين تتكون من عشرين مراقباً.

لم يقتصر الأمر على الاعتقالات والقصف، بل تطوّر إلى البراميل المتفجّرة ثم الطيران الحربي وصواريخ سكود ومجازر دموية بحقّ الأطفال تمّ قتلهم ذبحاً، مثلما حدث في مجزرة الحولة التي وقعت في 25 مايو/أيار 2012، ووثقتها بعثة مراقبي الأمم المتحدة.

وصل الحال بنظام بشار الأسد إلى استعمال السلاح الكيماوي والمواد السامّة ضد المدنيين عدة مرات، نذكر منها مجزرة الغوطة التي وقعت في 21 أغسطس/ آب 2013 أدى إلى إبادة أكثر من 1400 ضحية، بينهم أطفال ونساء، وحول المجزرة أصدرت لجنة التفتيش التابعة للأمم المتحدة تقريرها في 16 سبتمبر/ أيلول 2013 أكدت فيه استعمال غاز السارين.

كما تمّت سرقة أعضاء المعتقلين، ويجري تعذيب الجرحى بطرق بشعة تؤدي في غالبها إلى الموت، وقد وثقت بعثة مراقبي الجامعة العربية بعض الحالات من بينها حالة السجين رامز بكور من حمص الذي بترت رجله وسرق منه شريان مطلوب طبّياً وكان شاهداً على حالات عديدة من إعدام الجرحى في المشافي العسكرية.

إرهاب دولة الأسد في سوريا

لقد مارس بشار الأسد إرهاب دولة، وثبت ذلك موثقاً في تقارير مراقبي الجامعة العربية والأمم المتحدة، وهذا يعتدّ به قانونياً ودولياً، فضلاً عن التقارير الصحفية التي ملأت الفضائيات وما ينقله الناشطون عبر كاميراتهم.

يجب أن ننوّه لأمر هام أن التشريع السوري يعدّ من أقدم التشريعات العربية التي تناولت الإرهاب كجريمة مستقلّة. وقد جاء في المادة 304 من قانون العقوبات 148/1949: “يقصد بالأعمال الإرهابية الأفعال التي ترمي إلى إيجاد حالة ذعر، وترتكب بوسائل كالأدوات المتفجرة، والأسلحة الحربية والمواد الملتهبة والمنتجات السامّة أو المحرقة، والعوامل الوبائية أو الجرثومية التي من شأنها أن تحدث خطراً عاماً”. وقد عاقب القانون في المادة 305 بالإعدام مقترف هذه الأفعال إن نتج عنها تخريب أو أفضت إلى موت إنسان.

فترى كيف الحال مع بشار الأسد الذي دمّر البلد وقتل وشرّد وجرح الملايين؟!

من جهة أخرى فإن بشار الأسد، إلى جانب العنف، عمل كل ما في وسعه لإقناع المجتمع الدولي بوجود “القاعدة” والجماعات المتشدّدة في سوريا، حيث كان يسبق البعثات الدولية بتفجيرات بسيارات مفخّخة على طريقة القاعدة في العراق، فضلاً عن الاغتيالات التي طالت بعض الجهات خصوصاً من الأقليات مثل المسيحية، وهذا ما حدث أثناء وجود بعثة مراقبي الجامعة العربية حيث جرى اغتيال عقيد سابق يدعى أمير روجيه ونجله هاني روجيه وهما من الطائفة المسيحية يوم 2012/01/05، ولقد وثقت الحالة بالصور في كتابي “ثورة أمة” الصفحة 453.

كما شكّل جماعات مجهولة تختطف المواطنين وتطلب الفدية، وكان أصحابها بلحى كثيفة ويتحدّثون مع أهالي المختطفين على أساس أنهم من تنظيم “القاعدة”. بل كان “الشبّيحة” يقتلون معتقلين وهم ملثّمون، ويصوّرن فيديوهات وينشرونها عبر الإنترنت على أساس أنهم من أتباع تنظيم “القاعدة” في سوريا.

لم يقتصر الأمر على جماعات شكّلها النظام تمارس الإرهاب بحق المواطنين، بل إن النظام استعان بـ”حزب الله” اللبناني، والذي تعتبره كل من أمريكا وفرنسا وكندا وهولندا والبحرين ودول مجلس التعاون الخليجي منظمة إرهابية. وأيضاً أدرج جناحه العسكري من دون السياسي، في قائمة الإرهاب الدولي من طرف الاتحاد الأوروبي في 22 يوليو/تموز 2013، والذي تتهمه بريطانيا بهجوم في منتجع بورجاس البلغاري في تموز 2012، وتورّطه أيضاً بأعمال إرهابية في قبرص. أما أستراليا فتعتبر منظمة الأمن الخارجي لـ”حزب الله” فقط تنظيماً إرهابياً. وأيضاً نجد الحرس الثوري الذي تصنّفه أمريكا كمنظمة إرهابية، وقد ثبت وجوده في سوريا عبر عمليات تبادل الأسرى بين النظام والمعارضة، كما أنه قتل عدة مسؤولين عسكريين في سوريا ومن بينهم عبد الله أسكندري. وسبق وكشف حسين همداني، وهو أحد أبرز قادة الحرس الثوري، عن تكوين 42 لواءً و138 كتيبة تقاتل لصالح بشار الأسد.

كما خطّطت المخابرات السورية، بحسب وثائق مسرّبة ستنشر في “الخليج أونلاين”، لتنفيذ عمليات إرهابية في السعودية وقطر وتركيا وحتى لبنان الذي يعدّ الحلقة الأضعف في معادلة بشار الأسد كلها، بناء على توصيات من “خبراء” أمنيين من مصر والجزائر والعراق ولبنان، وذلك من أجل إشغال هذه الدول بوضعها الداخلي، وإجبارها على الدخول في “الحرب على الإرهاب” الذي يهدّد الجميع. وأشياء أخرى كثيرة لا يسعنا المقام لحصرها سنعود إليها في مقالات أخرى مستقبلاً بإذن الله تعالى.

المخابرات السورية وتجنيد المقاتلين الأجانب

حسب عدّة وثائق استخباراتية مسرّبة من الفرع الخارجي (279) للمخابرات العامة السورية، فقد كان الجهاز يتابع ظاهرة تجنيد المقاتلين الأجانب في الخارج، ويهتمّ كثيراً بوصولهم إلى سوريا. وقد ذكرت عدة وثائق أن المخابرات لديها معلومات عن وصول مقاتلين من عدة دول عربية وإسلامية وحتى غربية.

جهاز بشار الأسد الاستخباراتي كان يحثّ على المتابعة والاكتفاء بالمعلومات فقط واستثمارها إعلامياً عند الحاجة، دون أيّ عمل على الأرض وعبر الحدود لمنع تسرّب المقاتلين الأجانب إلى التراب السوري. وحسب إحدى الوثائق فإن المخابرات قامت بتجنيد غير السوريين المقيمين في سوريا للعمل لصالحه في الأحياء الثائرة حينها، وذكرت وثيقة أخرى أن وجود هؤلاء يخدم النظام كثيراً. وقام النظام السوري بإطلاق سراح متشدّدين ومطلوبين دولياً من السجون بطرق مفاجئة وغريبة، وهذا كلّه لتوريطهم في تشكيل تنظيمات موالية للقاعدة.

كما ذكرنا في مقالنا السابق “داعش والاختراق الاستخباراتي” حول وثيقة كانت عبارة عن محضر اجتماع في لبنان حضره ضباط مخابرات إيران والعراق و”حزب الله”، لمناقشة اقتراح حسن نصر الله حول ضرورة تسهيل دخول تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” إلى سوريا، من أجل تحويل ما يحدث من ثورة شعبية إلى “إرهاب”.

حسب دراستي للوثائق المسرّبة فقد وجدت أن المخابرات السورية صنعت جماعات موازية تعمل في ظاهرها لصالح الثورة، وهي في الأصل تريد الإساءة إليها على المستوى المحلي والدولي. كما كان لها تواصل مع بعض المعارضين السوريين في الخارج، وتحثّهم على التحريض على السلاح والعنف وتشكيل شبكات تهريب عبر الحدود. وقد وجدت في هذه الوثائق أيضاً أن المخابرات السورية نشطت كثيراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال صفحات مؤيدة للثورة تقوم بتحريض الأجانب على القتال في سوريا. بل تقف وراء نشر بعض الفيديوهات المسرّبة عن تعذيب معتقلين بطرق طائفية لأجل تأجيج الرغبة في الأجانب لدخول البلاد.

كما وصلت أيضاً إلى أن الجهاز السوري كان على تواصل مع نظرائه في عدة دول عربية وغربية، من بينها الجزائر والعراق ومصر والمغرب والسودان، في إطار التعاون الاستخباراتي لوأد الثورة. وكانت كل الاقتراحات التي تأتيه من هذه الجهات هي إظهار الجماعات الإرهابية في مشهد الثورة، والاستفادة من التجربة الجزائرية، وهذا ما سنتعرّض له لاحقاً في مقالات أخرى.

لقد نجحت المخابرات السورية وتَحقّق مبتغاها في وصول “القاعدة” إلى سوريا عبر جبهة النصرة التي بايعت أيمن الظواهري في أيار/مايو 2013، كما دخل تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” وتحوّل إلى تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، وصار يتوسّع ويتمدّد ويسيطر على مناطق كانت محرّرة أصلاً من الجيش السوري الحر، وقد هيمن عليها بعد قتل ثوار عجز جيش الأسد عن الوصول إليهم.

الآن صارت “داعش” الشغل الشاغل للمجتمع الدولي الذي يستعدّ للتدخل ضد “خلافة البغدادي” في العراق أولاً حيث مصالح أمريكا النفطية الكبيرة، أما في سوريا فتوجد حسابات أخرى فواشنطن على يقين أن مواجهة “داعش” الحقيقية في سوريا وليس في العراق، لذلك قد تلجأ مؤقتاً إلى تأهيل سرّي لنظام بشار الأسد ضد “داعش”، كما حدث من قبل بعد مجزرة الكيماوي حيث توقف باراك أوباما عن خيار التدخل مقابل صفقة تسليم الكيماوي التي مرّت عبر روسيا. وليس غريباً عن أمريكا التعامل مع أنظمة تبدي علانية أنها غاضبة عليها، فقد كانت تهاجم إيران وتعاملت معها في إسقاط حكومة طالبان عام 2001، وأيضاً بالنسبة للعراق عام 2003 وهناك تعاون استخباراتي كبير على مستويات كثيرة تحت الطاولة رغم ما يظهر فوقها.

منطق حرائق عائلة الأسد في المنطقة

مارس بشار الأسد إرهاب الدولة بدعم من عدّة دول منها إيران والعراق وروسيا والصين بطريقة مباشرة، وغير مباشرة من دول أخرى التزمت الصمت أو خذلت الشعب السوري الذي يتعرّض لحرب إبادة شاملة، وأدّى ذلك إلى أن صارت سوريا هي مأساة القرن بامتياز. فحسب التقرير الثالث لمجموعة تقصّي الحقائق وجمع المعلومات حول الصراع في سوريا التابعة لمجلس حقوق الانسان، فإن عدد القتلى وصل إلى 191369، وملايين الجرحى والمهجّرين واللاجئين، وملايين البيوت المهدّمة وآلاف القرى والأحياء المدمّرة.

للأسف لهذه اللحظة لم يحاسب بشار الأسد على أفعاله التي توفّرت فيها أركان جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وجرائم الإبادة الجماعية، وبدل أن يتابع دولياً صار يعرض نفسه على المجتمع الدولي عموماً وأمريكا خصوصاً التي كان يتّهمها بالمؤامرة الكونية عليه، كي يكون شريكاً في مكافحة “الإرهاب”.

لقد مارس نظام الأسد الإرهاب وصنع جماعات إرهابية، وكان السبب المباشر في كل ما يحدث بالمنطقة من حرائق وخصوصاً دول الجوار، وهذا المنطق ليس بالجديد على بشار بل ورثه عن والده حافظ الذي دأب على إشعال الحرائق في دول الجوار، ثم يقدّم نفسه للمجتمع الدولي بأنه يملك القدرة على إطفائها، وهو صادق، ولو كان كذوباً، في ذلك ما دامت مفاتيح الحرائق بين يديه لأن مخابراته هي التي تقف خلفها. وهذا ما تعرفه المخابرات الدولية وتملك عليه معطيات موثّقة، ولكنها تتغاضى عن ذلك ما دام نظام الأسد يحفظ أمن “إسرائيل” الذي يعتبر هو الأساس في منطق التعامل الدولي مع دول جوار الكيان العبري خصوصاً.

لو لم تكن ممارساته التي تتنافى مع القوانين الدولية والقيم الإنسانية ما وصل الحال إلى هذا الوضع الخطير، ولذلك لا يمكن قانونياً ولا أخلاقياً ولا إنسانياً أن يعاد تأهيله عبر بوابة الحرب على “الإرهاب” التي كانت وسيلته في تدمير سوريا وإبادة مئات الآلاف من المدنيين.

الإرهاب ليس فقط من يمارسه، بل كل من يساعد عليه ويدعّمه، وتوجد في ذلك تشريعات وقوانين وإجراءات دولية كثيرة تمّ التغاضي عنها تجاه محرقة سوريا للأسف الشديد.