المغول وحرق مكتبة بغداد...

المغول وحرق مكتبة بغداد...

د. راغب السرجاني

إحراق مكتبة بغداد:

ماذا فعل التتار مع مكتبة بغداد الهائلة؟

لقد حمل التتار الكتب الثمينة.. ملايين الكتب الثمينة... وفي بساطة شديدة -لا تخلو من حماقة وغباء- ألقوا بها جميعاً في نهر دجلة!!!!..

لقد كان الظن أن يحمل التتار هذه الكتب القيمة إلى "قراقورم" عاصمة المغول ليستفيدوا - وهم لا يزالون في مرحلة الطفولة الحضارية - من هذا العلم النفيس.. لكن التتار أمة همجية.. لا تقرأ ولا تريد أن تتعلم.. يعيشون للشهوات والملذات فقط..

لقد كان هدفهم في الدنيا هو تخريب الدنيا!!..

ألقى التتار بمجهود القرون الماضية في نهر دجلة.. حتى تحول لون مياه نهر دجلة إلى اللون الأسود من أثر مداد الكتب.. وحتى قيل أن الفارس التتري كان يعبر فوق المجلدات الضخمة من ضفة إلى ضفة أخرى!!..

هذه جريمة ليست في حق المسلمين فقط.. بل في حق الإنسانية كلها!!..

وهي جريمة متكررة في التاريخ..

لقد فعلها الصليبيون النصارى في الأندلس - كما ذكرنا - في مكتبة قرطبة الهائلة..

وفعلها الصليبيون النصارى في الأندلس مرة أخرى في مكتبة غرناطة عند سقوطها، فأحرقوا مليون كتاب في أحد الميادين العامة!!..

وفعلها الصليبيون النصارى في الأندلس مرة ثالثة ورابعة وخامسة وعاشرة في مكتبات طليطلة وأشبيلية وبلنسية وسرقسطة وغيرها..

وفعلها الصليبيون النصارى في الشام في مكتبة طرابلس اللبنانية فأحرقوا ثلاثة ملايين كتاب..

وفعلها الصليبيون النصارى في فلسطين في مكتبات غزة والقدس وعسقلان..

ثم فعلها بعد ذلك المستعمرون الأوروبيون الجدد الذين نزلوا إلى بلاد العالم الإسلامي في القرن التاسع عشر، ولكن هؤلاء كانوا أكثر ذكاء؛ فإنهم سرقوا الكتب ولم يحرقوها، ولكن أخذوها إلى أوروبا، وما زالت المكتبات الكبرى في أوروبا تحوي مجموعة من أعظم كتب العلم في الأرض.. ألّفها المسلمون على مدار عدة قرون متتالية.. ولا يشك أحد في أن أعداد الكتب الأصلية الإسلامية في مكتبات أوروبا تفوق كثيراً أعداد هذه المراجع الهامة في بلاد المسلمين أنفسهم!!..

لقد كان من هم الغزاة على طول العصور أن يحرموا هذه الأمة من اتصالها بأي نوع من أنواع العلوم.. إما بحرق الكتب أو بإغراقها في الأنهار أو بسرقتها.. أو بتغيير مناهج التعليم -حالياً- حتى تفرغ من كل ما هو قيّم وثمين.. كل ذلك لأن الغزاة يعرفون جيداً قيمة العلم في دين الإسلام.. ويعرفون كذلك قوة المسلمين إذا ارتبطوا بالعلم..

 

 

تدمير حضارة بغداد

وبعد أن فرغ التتار من تدمير وإحراق مكتبة بغداد انتقلوا إلى الديار الجميلة، وإلى المباني الأنيقة فتناولوا جلها بالتدمير والحرق.. وسرقوا المحتويات الثمينة فيها، أما ما عجزوا عن حمله من المسروقات فقد أحرقوه!!.. وظلوا كذلك حتى تحولت معظم ديار المدينة إلى ركام، وإلى خراب تتصاعد منه ألسنة النار والدخان..

واستمر هذا الوضع الأليم أربعين يوماً كاملة.. وامتلأت شوارع بغداد بتلال الجثث المتعفنة، واكتست الشوارع باللون الأحمر، وعم السكون البلدة، فلا يسمع أحد إلا أصوات ضحكات التتار الماجنة.. أو أصوات بكاء النساء والأطفال بعد أن فقدوا كل شيء..

وهنا -وبعد الأربعين يوماً- خاف هولاكو على جيشه من انتشار الأوبئة نتيجة الجثث المتعفنة (مليون جثة لم تدفن بعد)، فأصدر هولاكو بعض الأوامر الجديدة:

1- يخرج الجيش التتري بكامله من بغداد، وينتقل إلى بلد آخر في شمال العراق، لكي لا يصاب الجيش بالأمراض والأوبئة، وتترك حامية تترية صغيرة حول بغداد، فلم يعد هناك ما يخشى منه في هذه المنطقة..

2- يعلن في بغداد أمان حقيقي، فلا يقتل مسلم بصورة عشوائية بعد هذه الأربعين يوماً.. وقد سمح التتار بهذا الأمان حتى يخرج المسلمون من مخابئهم ليقوموا بدفن موتاهم.. وهذا عمل شاق جداً يحتاج إلى فترات طويلة (مليون قتيل)، وإذا لم يتم هذا العمل فقد يتغير الجو- ليس في بغداد فقط - ولكن في كل بلاد العراق والشام، وستنتشر الأمراض القاتلة في كل مكان، ولن تفرق بين مسلم وتتري، ولذلك أراد هولاكو أن يتخلص من هذه الجثث بواسطة المسلمين..

وفعلاً خرج المسلمون الذين كانوا يختفون في الخنادق أو في المقابر أو في الآبار المهجورة.. خرجوا وقد تغيرت هيئتهم، ونحلت أجسادهم، وتبدلت ألوانهم، حتى أنكر بعضهم بعضاً!!..

لقد خرج كل واحد منهم ليفتش في الجثث، وليستخرج من بين التلال المتعفنة ابناً له أو أخاً أو أباً أو أماً!!..

مصيبة كبيرة فعلاً..

بدأ المسلمون في دفن موتاهم.. ولكن كما توقع هولاكو انتشرت الأوبئة في بغداد بشكل مريع، حتى مات من المسلمين عدد هائل من الأمراض القاتلة!.. وكما يقول ابن كثير رحمه الله: "ومن نجا من الطعن، لم ينج من الطاعون!!"..

فكانت كارثة جديدة في بغداد.. ولا حول ولا قوة إلا بالله..

3- كما أصدر هولاكو قراراً بأن يعين مؤيد الدين العلقمي الشيعي رئيساً على مجلس الحكم المعين من قبل التتار على بغداد، على أن توضع عليه بالطبع وصاية تترية.

ترى ما هي نهاية الخائنين؟ وما وقع تلك الأحداث على العالم الإسلامي والنصراني؟

هذا ما كتبه ربنا سبحانه في كتابه.. 

سنة الله في الذين خلوا من قبل..  ولن تجد لسنة الله تحويلا....