القرار السياسي، بين المحترفين والهواة

عبد الله عيسى السلامة

القرار السياسي، بين المحترفين والهواة

عبد الله عيسى السلامة

[email protected]

القرار السياسي الهامّ والخطير، والمؤثّر في حياة الشعوب والجماعات ، والمجتمعات والدول .. له آليّاته ، في الحساب ، واستخلاص النتائج !

 فلكل قرار، أبعاد : محلية وإقليمية ودولية .. ولكل قرار، معادلة معيّنة ، تتضمّن القوى المتصارعة ، بأوزان مختلفة .. حول المصالح المتنافسة ، بأوزان مختلفة ! وكلٌّ يسعى إلى تحقيق مصلحته ( على اختلاف انواع المصالح ، المادّية والمعنوية ، واختلاف أوزانها – فلكل مصلحة وزن وحجم وتأثير- ) ، من خلال مايملك من قوّة (على اختلاف أنواع القوى ، المادّية والمعنوية ، واختلاف أوزانها – فلكل قوّة وزن وحجم وتأثير-) !

 والأصل ، أن المؤسّسات التي تحترم أنفسها ، والعناصرَ التي تقودها .. تستعين بخبراء ، من دارسي القرارات المؤهّلين ، من المؤسّسة ذاتها، أو من مؤسّسات اخرى ، تطمئنّ إليها !

 أمّا صنّاع القرارات الهواة ، فيعتمدون على الانطباعية ، في صناعة قراراتهم ؛ إذ يكفي أحدَهم ، أن يفكّر قليلاً ، ليقول : أنا أرى أن القرار، يجب أن يكون ، هكذا ! ليجيب آخر: بالعكس ؛ أنا أرى أن القرار، يجب أن يكون كذا وكذا ! ويردّ عليهما ثالث ورابع وخامس .. بالطريقة ذاتها ، دون أن يكون لدى أكثرهم - وربّما كلهم- قدرة على التفكير، بالعناصر الأساسية ، التي تتضمّنها معادلة القرار، من : قوى ومصالح ، وفرص وتحدّيات .. بما في ذلك : المخاطر الأمنية ، والنتائج المتوقّعة ، في الحال والمآل !

وإذا نُبّه أحدُ ، هؤلاء ، إلى ضرورة إعادة النظر في كلامه .. قال منفعلاً : إن هذا رأيي ، ولا أسمح لأحد ، كائناً مَن كان ، أن يَحجُر عليه ، أو يصادره ..! ( يَهرب من عجزه ، عن حساب القرار، متحصّنا بحقّه ، في إبداء رأيه .. دون أن تكون ، لديه ، قدرة عقلية ، على التمييز، بين الرأي المبني على حسابات دقيقة ، في صناعة القرار.. والرأي الانطباعي التلقائي ، المسطّح ، الفجّ .. المنطلق من نظرة سطحية عجلى ، لاصلة لها بمعادلة القرار، أو بأيّ عنصر، من عناصرها المكوّنة لها) !

 وقد يقول آخر متهكّماً : انظروا إلى هذا المتحذلق ؛ يريد أن يتفلسف علينا ، ويعلمنا كيفية عملنا .. وكأننا تلاميذ عنده !

  وقد يقول آخر، للناصح : أعتقنا من فلسفتك ، يا أخانا ، ودعنا ننجز عملنا، فلدينا واجبات كثيرة! ثمّ يهمس بحرقة :( صحيح..اللي استحوا ماتوا) !

  ثمّ يستعجل أحدهم ، بعد النظر في ساعته ، فيقول جادّاً :

ياجماعة .. لقد أشبعنا هذا الموضوع ، بحثاً ، فأرجو التصويت عليه ، برفع الأيدي .. لننتقل إلى موضوع آخر؛ فالوقت ضيّق ، ولا يحتمل المزيد من المناقشة ، لاسيّما إذا داخلها بعض التفلسف السمج .. صوّتوا ، يرحمكم الله !

 وهكذا .. يُتّخذ القرار ( الكارثة !) ، لتبدأ مناقشة كارثة جديدة .. أويذهب القوم ، لأخذ حظهم من الراحة ، بعد الجهد المضني ، الذي بذلوه في صناعة القرار الأول ! وكل منهم يحمد الله ، على ما أنجز، ويرجو ثوابه ، في الدنيا والآخرة !

 ولا حول ولا قوّة ، إلاّ بالله العليّ العظيم !