الحقوق الخاصة أو (الشخصية لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي)

الحقوق الخاصة أو

(الشخصية لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي)

دندل جبر

إن غير المسلمين الذين هم من أهل دار الإسلام ويحملون جنسية الدولة الإسلامية، لهم ما للمسلمين وخاصة في عصمة الأنفس والأموال، وذلك بسبب عهدهم فهم آمنون بأمان الإسلام، أي بسبب أقره الشرع لهم.

والحريات الشخصية تمثل في الواقع مركز الدائرة بالنسبة إلى جميع الحريات الأخرى "وتعني الحرية الشخصية عند بعض علماء القانون حرية الفرد في الرواح والمجيء وحماية شخصه من أي اعتداء، وعدم جواز القبض عليه أو معاقبته أو حبسه إلا بمقتضى القانون، وحريته في التنقل والخروج من الدولة وإليها". (الدكتور عز الدين عبدالله – القانون الدولي الخاص المصري – جـــ1 378).

وتقسم الحقوق الخاصة إلى ما يلي:

1- حق التكريم الشخصي.

2- حرية التنقل.

3- حق الأمان والأمن والحماية.

4- حرمة المسكن.

5- سرية المواصلات.

6- حرية اللباس والطعام.

أولاً: حق التكريم الشخصي

إن حق التكريم الشخصي للإنسان الوارد في قوله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم) (الإسراء – 70) وفي قوله تعالى حين أمر الملائكة بالسجود لآدم: (ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) (الأعراف–11) وفي قوله عز وجل: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) (البقرة – 30) هو حق شخصي لكل فرد من أفراد المجتمع الإسلامي -  بل الإنساني – ولكل مواطن يحمل جنسية الدولة الإسلامية، ويرتب التزاماً على الكافة سواء كانوا أفراداً أم مجتمعاً أم دولة باحترام الفرد وإكرامه وإعزازه وتمكينه من الوضع الذي يحيا فيه كذلك، كما يرتب التزاماً على الكافة بتجنب كل ما يؤدي إلى إهانته وإذلاله والحط من كرامته وانتقاص إنسانيته.

إن هذه النصوص القرآنية توحي بأن كرامة الإنسان هي محور ومدار إنسانية الإنسان وآدميته "وقد لا نبالغ إذا قلنا: إن الحفاظ على كرامة الإنسان – أياً كان – هو من المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية، بحيث يُعد المساس بهذه الكرامة انتهاكاً لهذه المقاصد، وعدواناً على حق من حقوق الله" (الإسلام والديمقراطية – فهمي هويدي – ص27).

وهذا الاحترام البالغ للإنسان والتقدير العظيم للنفس البشرية – ودون النظر إلى معتقدها يعطي معلم الإنسانية ورسولها محمد صلى الله عليه وسلم درساً بليغاً في هذا الصدد حين قام من مجلسه احتراماً لجثمان ميت مرّ من أمامه وسط جنازة، فقام من كان قاعداً معه من أصحابه، ثم قيل له: إنها جنازة يهودي – منبهين ولافتين نظره أن صاحب هذه الجنازة ليس مسلماً – "فكان رده صلى الله عليه وسلم تعبيراً أميناً عن رؤية الإسلام ومنطقه – كيف لا وهو القدوة الحسنة – إذ قال: أليست نفساً؟ بمعنى: أليس هذا الميت إنساناً من خلق الله وصنعه، له كرامته وله احترامه". (فهمي هويدي – المصدر السابق).

وفي هذا السياق – التكريم الشخصي – تلفت أنظارنا فتوى هامة وعميقة الدلالة ذكرها ابن عابدين في حاشيته (رد المحتار على الدر المختار) خلاصتها أنه: إذا تنازع اثنان طفلاً، وكان أحدهما مسلماً والآخر ذمياً (معاهداً) وادعى المسلم أن الطفل ملك له (أي عبد أو رقيق) بينما ادعى المعاهد أنه ابن له، فإنه يحكم لصالح الذمي (المعاهد)، لأن تنشئة الطفل على الحرية وإن كان على غير دين الإسلام أفضل من تنشئته على العبودية وإن كان على الإسلام.. إذ أن حرية المرء وكرامته يرتبطان بإنسانيته، فيسبقان دينه ويتقدمان عليه" (المصدر السابق).

ثانياً: حرية التنقل

إن من حق أهل العهد باعتبارهم من مواطني الدولة الإسلامية ويحملون جنسيتها أن يكون لهم ما للمواطنين المسلمين من حق الإقامة في أي مكان شاؤوا من أراضي هذه الدولة التي ينتمون إليها إلا استثناءات قليلة.

ولغير المسلمين في المجتمع الإسلامي أن يتمتعوا بحق التنقل والذهاب والرواح داخل حدود الدولة الإسلامية وخارجها دون أن يتعرضوا للحجر أو العقاب مطمئنين على سلامتهم وحمايتهم من أي اعتداء شأنهم شأن المسلمين من مواطني هذه الدولة.

ولا تتعارض حرية التنقل هذه لأي مانع إلا بما يتعارض والمصلحة العامة.

ومن الأسباب التي يمكن التنقل بموجبها داخل الدولة الإسلامية وخارجها التجارة وأوجه اكتساب الرزق الأخرى، والسياحة وزيارة الأماكن المقدسة لغير المسلمين أنّى وجدت في الداخل أو الخارج.

ثالثاً: حق الأمن والأمان والحماية

إن الأمن والأمان والحماية، كل منها هو حق شخصي لكل مواطن من مواطني الدولة الإسلامية من غير المسلمين ثابت بموجب العهد الذي أعطي لهم من قبل المسلمين، وبما ورد في كتاب الله من الدعوة لحسن معاملتهم ومعاشرتهم، وما ورد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام وفقهاء الأمة وعلمائها.

وهذا الحق يشمل عصمة الدماء والأموال والحفاظ عليها، ويشمل كذلك الأمان من الخوف والأمن في المعاش، والحماية لهم من كل عدوان داخلي أو خارجي، والحفاظ على كرامتهم ومكانتهم وعدم إيذائهم بأي نوع من أنواع الإيذاء الجسدي أو المعنوي.

وقد وضحت كثيراً من هذه المعاني في بحثين سابقين نشرا في موقع أدباء الشام، أحدهما بعنوان: الحقوق المالية والاقتصادية لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي – بند عصمة الأموال، والثاني بعنوان: الحقوق الاجتماعية – بند حسن العشرة – ففي هذه البحوث التفصيل المطلوب المؤيد بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وأفعال الصحابة وأقوالهم، وآراء الفقهاء والعلماء في هذا الصدد.

رابعاً: حرمة المسكن

تتمتع الأقليات الدينية من غير المسلمين في المجتمع الإسلامي بحرمة المسكن، فلا يدخل أحد عليهم إلا بإذنهم ورضاهم، لأن مسكن الشخص موضع أسراره ومحل حياته الخاصة مع أفراد عائلته، وفيه أمواله، فمن الطبيعي أن يكون لهذا المحل حرمة، لا يجوز لأحد أن يخرقها أو يعتدي عليها، لأن الاعتداء على حرمة مسكن الشخص اعتداء على الشخص نفسه.

والقرآن الكريم يعمم منع دخول مساكن الغير بغير إذنهم سواء كانت مساكن هذا الغير لمسلم أو غير مسلم، بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم) (النور – 23 – 24).

وجاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يؤكد حرمة مساكن غير المسلمين في المجتمع الإسلامي وعدم دخولها إلا بإذن أصحابها حيث قال: "وإن الله تعالى لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن" (الجامع الصغير للسيوطي – جـ2- ص122) وفي قول آخر: "لا تدخلوا بيوت أهل الذمة (العهد) إلا بإذنهم". (الجامع الصغير للسيوطي– جـ2 ص156).

وكما تستدعي حرمة المسكن عدم دخوله إلا بإذن صاحبه، كذلك لا يجوز أن يفتش أو يمس أو بها حكم إلا بإذن القانون المعمول به في الدولة الإسلامية، وحرمة المسكن هذه ترتبط بحرية الإقامة مع المسلمين سواء في أحيائهم أو في أحياء خاصة بهم.

خامساً: سرية المراسلات

إن سرية المراسلات تعني عدم جواز مصادرة أو اغتيال هذه السرية بين الأفراد لما يتضمنه ذلك من اعتداء على حق ملكية الخطابات المتضمنة لهذه المراسلات ولما في ذلك من انتهاك لحرية الفكر.

وسرية المراسلات بصفتها حقاً شخصياً مضمونة في النظام الإسلامي لسببين:

الأول: تكييف الرسالة بأنها مملوكة لصاحبها، وأي تصرف فيها هو انتهاك لحق الملكية وهذا ممنوع شرعاً إلا بإذنه ورضاه.

الثاني: أنها بمنزلة (الوديعة) حتى تصل إلى المرسلة إليه.

والوديعة لا يجوز شرعاً التصرف فيها من المودع لديه بأي نوع من أنواع التصرفات وهذا يستلزم شرعاً إيصالها كما هي أو إعادتها كما هي إلى صاحبها، وقد ورد في الحديث الشريف: "من اطلع في كتاب أخيه دون أمره فكأنما اطلع في النار" (السيوطي – الجامع الصغير – جـ2 ص165).

والمراسلات في الغالب تتضمن أسرار أصحابها وخاصياتهم، ولهذا يجب الحفاظ عليها وعدم الاطلاع على مضامينها إلا بإذن أصحابها.