في مصائر "دويلة البغدادي".. وسيناريوهات بقائها وزوالها

في مصائر "دويلة البغدادي"..

وسيناريوهات بقائها وزوالها

د. حمزة رستناوي

[email protected]

هناك فئة من الفطور و الجراثيم تستغلّ ضعف مناعة الجسم , لتنشَط و تسبِّبْ الأمراض للإنسان .و كذلك ظاهرة تنظيم دولة الاسلامية في العراق و الشام " داعش " ما كان له أن يظهر في ظروف صحَّة سياسية , و عافية عقائدية ثقافية لمجتمعات الهلال الخصيب.

و لعلّ الفائدة الوحيدة الممكنة من قيام هذه الدُويلة – المُعلنة حديثاً - هي البرهان بالتجربة الدامغة , و معاينة فشل هكذا مغامرات , و تجارب سياسية خارج العصر - تنتمي لفضاء القرون الوسطى , و لكن للأسف تجارب بتكلفة عالية .. و آثار مدمّرة اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا. و غنيٌّ عن القولْ أنّ المتضرّر الأساسي من هذه الدويلة هم العرب السنة في تلك المنطقة.

في محاولة لاستقراء مصائر دويلة البغدادي , سأنطلق من فكرة الكائنات الحية الانتهازية التي سبق ذكرها.

فجسد "الأمة العربية الاسلامية " في المشرق العربي يتعرض لغزو خارجي , و هو موضوع لهيمنة النظام الطائفي الايراني , و يتعرض كذلكَ لغزو داخلي من قبل التكفيريين و تنظيم القاعدة و مشتقاته من الجماعات المتوحّشة و الغبيّة , و في حال عدم وصول أمصال داعمة لهذا الجسد المُنهك ستستمر معاناتهُ مع هذا المرض العضال ..و سيستمر نزيف الدم و الحياة .

و سأعرض الآن لثلاثة سيناريوهات مستقبلية ممكنة:

-سيناريو الغزو الخارجي سواء أكان أمريكي مباشر أو بمظلة أممية , و هذا احتماله ضعيف - في المدى المتوسط –ففي ظل وجود السياسة الأوباميّة المنكفئة عن التدخل العسكري المباشر , و الأزمة الاقتصادية العالمية و حصاد التجربة المُرّة في العراق و أفغانستان , و سيكون هذا السيناريو جَدّيْ فقط , في حال تعرض أمن اسرائيل و منابع النفط للخطر. و ستركّز السياسة الخارجية الغربية ربّما على حماية و دعم الجيوب الآمنة غير المتضررة من هذا الزلزال في كردستان و الأردن و تركيا.

-سيناريو ظهور قوى حيوية ضمن مجتمعات العرب السنّة في الهلال الخصيب , قوى مُنظّمة عاقلة ذات مشروع وطني و أفُق أفضل. بحيث تقوم هذه القوى بمقاتلة تنظيم دويلة البغدادي و القضاء عليه في عقر داره , و ما يضعف هذا الاحتمال , الدور السلبي على مدى ثلاث سنوات للقوى الإقليمية الداعمة للثورة , من حيث مساهمتها في تفتيت المعارضة , و دعم القوى الأكثر انغلاقا , إضافة إلى محدودية الدعم المقدّم على أيّة حال , و مما يضعف هذا الاحتمال كذلك حالة الانهاك و الافقار التي يعانيها المجتمع المحلّي , و تشرذم القوى العسكرية الثورية , و اختراقها من قبل التكفيريين , و كذلك عدم وجود تمثيل سياسية فاعل ..و نذكّر بالتجربة الفاشلة للائتلاف الوطني و قبله المجلس الوطني.

سيناريو الازمان و هو السيناريو الأكثر سوءا , حيث يسيطر النظام الاسدي وحلفاء حلفاء النظام الايراني على المناطق الساحلية و الوسطى في سوريا , و المناطق ذات الغالبية الشيعية في الجنوب و بغداد سيطرة كاملة أو جزئية. و تبقى المناطق الداخلية الممتدة من شرق حلب حتى الموصل و حدود بغداد تحت سيطرة داعش , بما يسمّى "الدولة الاسلامية " ..دويلة فقيرة منكفئة على ذاتها , تخوض حروب مستمرة بلا نهاية مع جيرانها , تتعرض لقصف أمريكي مستمر من الجو , يهاجر كل من يستطيع الهجرة خارج الدولة , تتدمَّر الحواضر السنّية الكبيرة فيها , دولة ليس فيها من قائمٍ و مرتفع غير الروح المعنوية العالية في قتال الكفار – وفقا لتعبير محمد الحاج صالح – قتال ضد الصليبين ...و اليهود ...و الشيعة الروافض ...و ضد العلمانيين ...و ضد سنّة أهل الشام المتهاونين و المرتدّين ..الخ

و مع الزمن يصل العالم الى نتيجة مفادها صعوبة القضاء على هذه الجماعات , و لكن يمكن تطويقها و إنهاكَها و تحديدُ خطرها ...و في ذلك فليتنافس الأنذال...