أيّ نموذج، من الصراعات في سورية!؟

عبد الله عيسى السلامة

(وماذا تفعل أنت لو كنت صانع قرار فيه)!؟

عبد الله عيسى السلامة

[email protected]

1) حرب داحس والغبراء : بين عبس وذبيان ، قبلية ، اشتعلت بسبب سباق ، بين زعيمي القبيلتين ، تعرّض فيه ، أحدهما ، لخديعة في أثناء السباق ... ! واستمرت سنين طوالاً ، ودارت ، فيها ، معارك شتى . وقد تمّ إنهاؤها ، بصلح ، سعى فيه ، بعض الوجهاء ، من أصحاب المروءات ، وتحمّلوا الكثير، من ديات القتلى !

2) حرب البسوس : قبلية ، اشتعلت بسبب قتل جسّاس ، ابنَ عمّه كليباً ، لقتل هذا ، ناقة ، لامرأة اسمها ، البسوس ، وهي جارة لجسّاس . واستمرّت هذه الحرب ، سنين طوالاً ، بين بكر وتغلب ، بسبب حقد الزير سالم ، على قبيلة بكر، التي قتلت كليباً .. ومطالبته الدائمة ، بالثأر لأخيه ! ولم تطفأ نارها ، إلاّ بعد هزيمة الزير وقومه !

3) حرب طروادة : اشتعلت بين مدينتين ، بسبب خطف فتاة ، واستمرّت سنين طوالاً ، وحاصر اليونانيون طروادة ، طويلاً ، وعجزوا عن فتحها ، حتى قتحوها بخديعة ، هي خديعة الحصان الخشبي ، الذي وضعوا فيه رجالاً ، وتركوه أمام أسوار طروادة ، متظاهرين بالانسحاب ! وحمله الطرواديون ، إلى داخل مدينتهم ، فخرج منه الرجال الكامنون فيه ، وفتحوا باب المدينة لقومهم! وصارت هذه الخديعة ، مثلاً لكل خديعة ، حربية أو سياسية ؛ فيقال : حصان طروادة !

4) الحرب بين المسلمين والمشركين ، في العهد النبوي : استمرّت سنين ، وجرت فيها معارك عدّة .. ولم تنته حتى فتح الله مكّة ، على يدي نبيّه الكريم ، وأخضع لسلطته ، المشركين من قومه !

5) الحروب الصليبية: استمرّت حوالي قرنين من الزمان ، بين المسلمين والفرنجة الغزاة .. ولم تنته حتى حرّر الله القدس ، على يدي صلاح الدين الأيوبي !

6) الحربان العالميتان الأولى والثانية : دارتا بين أحلاف دولية ، ولكل منهما سبب مباشر، فجّرها .. ولم تنته أيّ منهما ، إلاّ بانتصار أحد الحلفين المتقاتلين !

7) الحرب الإسبانية ، في العصر الحديث : حرب أهلية مدمّرة ، بين أبناء الوطن الواحد .. لم تنته إلاّ بانتصار أحد الفريقين المتحاربين !

8) حرب التحرير الجزائرية : استمرت ضدّ فرنسا ، بضع سنين .. ولم تنته حتى رحلت فرنسا عن الجزائر!

9) حروب أمريكا في فيتنام وأفغانستان والعراق : لم تنته أيّ منها ، إلاّ بعد إقتناع أمريكا، بعجزها عن الاستمرار بالبقاء ، في الدولة التي انتصرت عليها، بداية، و احتلّتها .. أو بأن كلفة الاستمرار، في الاحتلال ، أكبر، بكثير، من مكاسب أمريكا ، في البقاء في الدولة المحتلّة !

10) الحرب السورية ، الدائرة اليوم : شديدة التعقيد ، متنوّعة الأسباب والأهداف والخصوم .. فهي :

· حرب أهلية ، بين أعداء ، من أبناء الوطن الواحد.

· وحرب ذات طابع طائفي ديني .

· وحرب ذات طابع دولي ، بالوكالة .

· وحرب ذات طابع تاريخي ، مشحون بأحقاد فارسية مزمنة ، ومطامح فارسية إمبراطورية .

· وحرب بين قوى علمانية وإسلامية ، يحكمها الخوف والتوجّس ، وارتباطات مصلحية خارجية .

· وحرب إبادة ، من حيث وحشية النظام وحلفائه ، في ممارستها !

· وحرب بين قوى إسلامية إسلامية ، تحكمها طموحات وشعارات ، واجتهادات ومصالح ، وارتباطات خارجية مصلحية !

ملحوظات حول هذه الحرب السورية :

- إنها أقذر حرب ، قرأنا عنها ، أو سمعنا بها !

- ليس ثمّة جهة واحدة ، قادرة على حسم الصراعات المتعدّدة .

- نهر الدماء المتدفّق ، لايمكن إيقاف جريانه ، بصلح : قبلي ، أو سياسي ، أو مصلحي ! ولا دور للمروءات ، في إيقافه !

- التعايش الوطني ، لم يعد ممكناً ، بين أغلب الأطراف المتحاربة !

- الاستمرار في القتال ، متعدّد الجبهات ، يدمّر البلاد، ويفني شعبها!

- تعدّد مطابخ القرارات ، داخلياً وخارجياً ، يعقّد أيّ حلّ !

- تنوّع مطابخ القرارات ، لدى المعارضات السياسية والعسكرية ، يضعف المعارضات ، كلها.. وأكثر مايضعفها، صداماتها فيما بينها:

· فالقوى العسكرية : متعدّدة الغرف التي تخوض العمليات العسكرية !

· والقوى السياسية : مكوّنة من مجموعات هلامية، غير متجانسة ! وأبرزها: الائتلاف الوطني ، الذي يَصنع فيه القرار، مئة وثلاثون شخصاً ، مرتبطون بجهات خارجية ، لكل منها مصالحها ، التي تحرّك على اساسها ، أتباعها داخل الائتلاف ! فتخرج قرارات الائتلاف ، ممسوخة مشوّهة ، أبعد ماتكون عن تطلعات الشعب السوري ، وثورته ، وأبنائه المسحوقين !

- ليس لها من دون الله كاشفة ! ثمّ أن يعمل كل ذي لبّ وإخلاص ، بقدر طاقته ، للتخفيف من الأضرار، والدفع بالاتّجاه الذي يرى فيه مصلحة حقيقية ، والذي يرضي ضميره الإنساني والوطني ، إن لم يكن مؤمناً بالله ، معتقداً أنه سيحاسب بين يدي ربّه ! أمّا من يوقن أنه ملاقٍ ربّه، ومسؤول عمّا يعمل ، فمطلوب منه، أن يُعدّ لنفسه، حجّة يلقى بها وجه ربّه ، حين يسأله عمّا فعل ، تجاه مأساة وطنه وشعبه !

 ومما لايعجز عاقل عن فعله :

1- التفكير الجادّ ، بما يُخرج سورية من مأساتها .. ومحاورةُ العقلاء حول ذلك .

2- تقديم العون لمحتاجه : مالياً ، أو طبّياً ، أو اجتماعياً .. أو من أيّ صنف كان ، وحسب الاستطاعة !

3- الدعاء المستمرّ ، لله عزّ وجلّ .. عسى أن يفرّج كربة شعب سورية ، ويرفع عنها البلاء .

 أمّا السؤال البسيط ، الذي يوجّه إلى أيّ عاقل ، يتابع صناعة القرارات ، على الساحة السورية ، ويطمح إلى أن يكون من صنّاعها، فهو: لو كنتَ ، أنت ، في موقع صناعة القرار، بدلاً من فلان ، فماذا ستصنع !؟ ولابدّ ، لأيّ رجل يحترم نفسه وعقله والآخرين ، من أن تكون لديه إجابة - عبر تصوّر واضح - على هذا السؤال ، ولو بخطوط عريضة ، للنخبة التي ترشّحه للموقع ! أو أن تضع له ، هذه النخبة ، تصوّراً ، في خطوط عريضة ، لما تريده منه ، في مهمّته التي ترشّحه لها ! ولا يُكتفى من أحد ، بالقول : ضعني في هذا الموقع ، لأفكّر، بعدئذ ، بما أستطيع فعله ، أو بما ينبغي أن أفعله! لا يُكتفى بهذا ، ممّن يندب نفسه ، للقيادة ، في هذه المرحلة ؛ لأنها ليست قيادة عامّة ، بل هي قيادة لمهمّة محدّدة ، وهي : إنقاذ سورية، من الكارثة ، التي هي فيها ! وهذه ، لايكفي فيها ، حسن ظنّ المرء بنفسه ، أو حسن ظنّ مجموعة من البشر، به !

 ( والحديث ، هنا ، هو حول أصحاب القرار الوطني الحرّ! ولا صلة له ، بمن ترشّحهم جهات خارجية ، وتدعمهم ، وتدفعهم إلى مواقع القيادة ، في المعارضة .. أو تفرضهم فرضاً ، عليها !)

- وسبحان القائل :

* وكلّهم آتيه يومَ القيامة فردا .

 * والأرضُ لله يورثها مَن يشاء من عبادِه.