أيها الأخوان المسلمون ليست القضية ننسحب أو لا ننسحب من الائتلاف

أيها الأخوان المسلمون

ليست القضية ننسحب أو لا ننسحب من الائتلاف

القضية هل أعددنا بديلنا للعمل الوطني ؟

زهير سالم*

[email protected]

منذ فترة ليست بالقصيرة ، بل منذ تأسس الائتلاف الوطني نفسه ، كانت مجموعة غير قليلة من أهل الرأي في جماعة الإخوان المسلمين في سورية تنظر إلى الائتلاف بريبة . حتى الذين شاركوا فيه فعلوا ذلك وهم يسوغون مشاركتهم بمبدأ الضرورة الوطنية .

ومع الفوضى في الأداء التي سادت عالم الائتلاف منذ أيامه الأولى ، ومنها بعض الفوضى التي شارك فيها أعضاء من الجماعة نفسها بدأت هذه الأصوات تتعالى وتتكاثر .

ودائما ومنذ تشكيل المجلس الوطني الذي وُسم زورا بأنه مجلس ( إخواني ) على قلة عدد الإخوان المسلمين فيه . سادت هناك موجة عارمة منظمة وموجهة من اتهام الإخوان بكل سوء يحصل أو يقع ، بل ويُفترى أصلا  ؛ بنفس الطريقة التي كانت تقاد فيها الحملة ضد مرسي في مصر . ولم يفلح في التصدي لارتدادات هذه الحملة المنظمة والمبرمجة ضد الإخوان المسلمين  بيان ولا توضيح ولا شرح ولا  إحصاء  ولا جهر بالحقائق .

ليس مقصود هذا المقال الدفاع عن أداء أي فصيل أو شخص في بنية العمل الوطني . ما دمنا جميعا نقر بأننا كلنا بشر يجوز الخطأ علينا . وما دمنا نتمسك بحقيقة أن الإخوان المسلمين هم فصيل وطني وهم مع ثقلهم ووزنهم يصيبون ويخطئون.

لقد عزّ على كثير من رجالات الجماعة أن يجدوا جماعتهم ، التي تحملت عبء مشروعها الوطني منذ الانقلاب على الشرعية في سورية سنة 1963 ، ودفعت في سبيل ذلك ما لم تدفعه جماعة أو تنظيم في عالمنا العربي في العصر الحديث ، قد تحولت  عند البعض ، وبالإفك والزور والإثم ، إلى مشجب للشر ، ومرمى لحجر الراجمين . حتى بدأ بعضهم يردد قول القائل :

      قد قيل ما قيل إن صدقا وإن كذبا ...فما عتذارك من قول إذا قيل

كان رجال الجماعة هؤلاء يميزون جيدا بين حملة يقودها طابور الشر التابع مباشرة لبشار الأسد ، والذي أفرد الجماعة في خطابه الأخير بخصوصيتها من بذاءاته وسفاهاته ، التي تجاوزها الشعب السوري في معركته مع هذا القاتل المبير، فما بين هذا الشعب وهذا القاتل غدا أكبر من القدح والشتم ؛ وبين الحملة الموجهة أو العشوائية التي كان ينخرط فيها شخصيات وطنية لم نكن يوما نظن أن يدفعها أفق اللحظة أو ضيقها إلى مثل ما وقعت فيه .

كانت نية الإخوان المسلمين عندما قرروا الاندماج في المواكب أو المراكب الوطنية المختلفة  ، أن يدعموا بما يملكون من قوى منظمة هذه البنى في صيغها وأهدافها الوطنية . وأستطيع أن أعتبر نفسي شاهدا على المرحلة لأقرر بكل الصدق  أن ( السيطرة والاستحواز أو الاستحواذ ) لم يكن أبدا في مخيلة أحد من صانعي القرار في جماعة الإخوان المسلمين . بل على العكس كانوا دائما يتواصون وفي مجالسهم الخاصة بإعطاء الآخرين على اختلاف صبغهم فرصتهم ، وحتى هذا أصبح مدخلا للتشنيع عليهم أو التندر بهم فيما بعد ، وكانوا دائما يتواصون بأن يقوموا بخطوة أو خطوتين إلى الوراء تقديرا لمصالح وطنية كانوا يقدرونها .

ومع ذلك فإن الحق الذي يقتضينا المقام بيانه أنه ليس كل الشخصيات الإخوانية كانت راضية عن عملية الانغماس في المواكب الوطنية بالطريقة التي تم فيها الانغماس . كان رأي هؤلاء أن على الجماعة كجماعة دعوية أن تبقى خارج إطار التزاحم على الكرة التي يجري وراءها . المتنافسون . وأن تبقى على مسافة واحدة من الجميع . وأن تسمح لأفراد منها أن يشاركوا في الجهد الوطني دون أن يحملوا الجماعة الأم وزر مقتضيات الأداء في بعض المواطن . ولكن ..وفي جماعة تمارس الشورى أو الديمقراطية بشكل عتيد بقى التفهم والصمت دائما سيد الموقف فلجم الكثيرين .

مرة أخرى يطالب عدد قليل من أبناء جماعة الإخوان المسلمين اليوم بمراجعة الموقف من هذه الشراكات الوطنية التي يرون أنها لم تكن متكافئة حتى بالمعايير الوطنية البحتة .

وهم يؤكدون أن المطالبة بهذه المراجعة يجب أن تقوم  على الموقف المبدئي للجماعة الذي تم تجاوزه  وتم ترجيح الموقف الحالي الذي قدمته قيادة الجماعة عليه . ولا أحد يرى أن يتم ذلك على خلفية اتهام الآخرين ، ولا رغبة في العزلة والانكماش ، وليس كنوع من رد الفعل على عمليات الإزاحة التي تتم اليوم في مضامير الحكومة و الائتلاف .  فأبناء هذه الدعوة أكبر من أن يفكروا بمقعد رجل أو رجلين على كرسي في مسيرة وطنية مثل مسيرة شعبنا .

كما أن الذين يطالبون بمراجعة السياسات العليا والدور الوطني من أبناء الجماعة لا يغفلون عن ضرورة مراجعة أداء فريق الجماعة في المنتخب الوطني بروح الأخوة ، مع الحرص على تقدير الظروف ، والتمسك أيضا بالموضوعية والحياد . إن الجماعة التي بذلت جهدا غير قليل على مدى عقد ونصف من تاريخها ( 1996 – 2010 ) لإصلاح التشويه الذي أدخله حافظ الأسد وبشار الأسد والملابسات التي واكبت أحداث الثمانينات ، على صورة هذه الجماعة  قد منيت هذه الأيام  بنكسة حقيقية  .وعلينا أن نثبت هنا أن الجماعة أو قيادتها لم تكن المخطئة دائما فيما جرى . إن مئات البيانات التي تم إصدارها في تلك المرحلة مع ميثاق الشرف الوطني ثم المشروع السياسي ثم مقترح العهدة الوطنية الذي تحول إلى وثيقة العهد والميثاق كل أولئك كان جزء من خطة مركزية تهدف إلى دمج الجماعة في المتحد الوطني ورسم ملامح مشروعها الإسلامي في بعده الوطني وكل ذلك قد تم إهداره  اليوم إن لم يكن نظريا أو رسميا فقد تم ذلك عمليا ببعض اللامبالاة أو التخلي أو سوء الأداء . من غير اتهام للنيات . حين ينوح البعض اليوم يقول ( واأسفاه على يوسف )

اليوم وبعد أن سبق المراقب العام السابق للجماعة الأستاذ علي صدر البيانوني إلى الانسحاب من الائتلاف وهو الذي حوله أداؤه في فترة ولايته أمر الجماعة إلى شخصية وطنية حقيقية ، وإذ تتعالى أصوات عديدة  من غير قليل من أبناء الجماعة بمغادرة المركب , وهجر الائتلاف وغير الائتلاف من البنى التي لم تأخذ المشاركة فيها حظها من الدرس في الظرف التي تم تأسيسها فيه . ليست القضية فيما نقدر : ننسحب أو لا ننسحب فمثل هذا القرار ببعده الوطني الخطير لا يتخذ في فراغ ..

لقد كان من أكبر سلبيات الانخراط في هذه البنى الهشة القلقة والرجراجة أنها شغلت الجماعة – وقد كانت قادرة – بقدراتها الذاتية  وبمحيطها الواثق ، عن التأسيس لمرتكزها الوطني الخاص على الأرض الصلبة التي يملك الإنسان عليها موضع قدميه بحق . المرتكز الوطني الحق الملتصق بالأرض وبمشروع الثورة والثوار ..

دائما تعودنا نحن أبناء جماعة الإخوان المسلمين على العمل الصادق الجاد على الآكام والظراب وفي بطون الأودية ومنابت الشجر . هناك حيث ينبت العز ويكون الجد ويقبض المرء على مفاصل قوته الذاتية التي لا تُستمنح ولا تُستعار ..

أيها الأخوان المسلمون بل أيها المسلمون بل أيها الصادقون السوريون ...

كونوا حيث مدح نبيكم الأنصار أنهم يكونون : كونوا حيث الفزع غيبوا حيث الطمع . ودعوا أصحاب الأهواء يتفانون في أهوائهم .

وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين

كتابة ناصح مشفق لا شانئ ولا شامت ولا مثرب ..

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية