أحد عشر سبباً تؤكد وجود دولة عميقة داخل إخوان مصر تعيق حركتها

أحد عشر سبباً تؤكد وجود دولة عميقة

داخل إخوان مصر تعيق حركتها، وتهدر طاقاتها،

وتقوض فاعليتها ... حان وقت علاجها

د. إبراهيم الديب

ونحن في سبيلنا للتحرر الوطني من كل أشكال الاستبداد والقهر والتخلف السياسي والتحول الديموقراطى وبناء

الدولة المصرية الحديثة واللحاق بركب الحضارةالانسانية.

وبعد انتهاء الجولة الأولى من جولات الصراع مع الاستعمار وأذنابه العسكرية في بلادناوالتي انتهت بإجهاز العسكر على أول تجربة ديمقراطية في مصر، وعلى قاعدة( قل هو من عند أنفسكم ) ، واستكمالا لاستحقاقات النصر والتحرر كان لابد علينا من مراجعة الذات والمتمثلة في القوى الوطنية الحية والفاعلة على ساحة الحراك المصري وعلى رأسها بالطبع جماعة الإخوان المسلمون ــ حفظهم الله وفك أسرهم جميعا هم وإخوانهم من كافة القوى الوطنية ، ورفع عنهم يد الظلم والغدر والخيانة وأخرجهم الله جميعا أقوى وأنصع مما دخلوا به سجون الظلم والطغيان .

وعن التوقيت ربما يقول البعض فلتنتظر عمليات التدقيق والتقويم إلى ما بعد خروجهم وتعافى الجماعة والقوى الوطنية ، وهنا أقول بل الآن لتقديم النصائح والتقويم الفني المطلوب لتستفيد منه القوة الحالية التي تدير عمليات الحراك ضد ظلم واستبداد العسكر ، بمعنى نقوم ونصلح ونطور أنفسنا لاستكمال المسيرة ، وفى هذا مسارعة لتقويض الباطل ورفع الظلم عن إخواننا وتسريعا بخروجهم المرتقب ، واستعادة الشرعية  إن شاء الله .

دولة عميقة تعنى وجود قوى غير معلنة ولكنها ووفقا لعدد من اعتبارات السبق والثقة والتقارب في الفهم وربما ظروف النشأة والتكوين ...الخ ، أصبحت ذات سطوة على مراكز التفكير وصنع القرار بالجماعة ، وبمرور الوقت تحولت إلي مراكز قوة حقيقية معروفة للجميع ولكنها فوق النظم والأطر الرسمية للجماعة ، واحسبها معلومة للجميع بدون ذكر أسماء على كافة مستويات الجماعة حيث تمددت هذه القوى وتحولت إلى ثقافة بداية من مكتب الإرشاد والى الشعب مرورا بالمكاتب الإدارية ، حتى أصبح معلوما للكثير أن فلانا هذا بتكوينه التربوي وطبيعة الشخصية  التي تتسم بمحدودية قدراته الذهنية والثقافية والتي تجعله أكثر انبهاره وسمعا وطاعة لقيادته ، ومن ثم دورانه في فلكه والانتماء لشخصه ، وكسب ثقته ، مع ندرة وشح أفكاره ومقترحاته الخاصة ، بمعنى انه أشبا بجندي الأمن المركزي الغير مزعج من وجهة قيادته ، سيصل سريعا لأعلى المستويات التنظيمية ، بينما هذا الآخر بحكم طبيعته الشخصية المفكرة والمنتجة للأفكار ، ومقاومته لآليات العمل الغير مبررة منطقيا فليس أهلا لتحمل مسئوليات ما في الجماعة

حقيقة هي ثقافة حقيقية بدأت ونمت وانتشرت انتشار السرطان في الجسد ــ لا داعي الآن لتحقيقها تاريخيا ومتى وعلى يد من بدأت فالمهم هو التخلص منها كداء أمرض جسد الجماعة  ــ  ولها الأثر الكبير فيما آلت إليه الأمور من ضعف في الأداء والإنجاز حتى الآن ، وأحسب أنه مع كل هذه التضحيات والدماء قد حان وقت اقتلاعها ــ كثقافة ــ  لا علاجها ، لنتحول إلى الثقافة الحقيقية للإخوان وهى المؤسسية الحديثة بكل مفاهيمها وقيمها ونظمها والتي هي من صلب ديننا الحنيف .

ما أنشده عملية تقويم لانحراف حدث ،وأنتج كوارث حقيقية وأصبح مقوضا لجهودها ، ومعوقا لمسيرة عملها والعمل الوطني برمته .

نعم دولة عميقة بما تحمل من معاني ودلالات سوى أنها تختلف عنها في صحة وإخلاص النوايا وسلامة القصد والحرص الكبير على الوطن والدعوة والجماعة وأفرادها .

بكل حب واحترام وتقدير يجب علاجها بالمنهاج الطبيعي الذي عهدته الجماعة منذ نشأتها

التغيير الهادئ الناعم الذي  تسوده روح الحب التي تميزت به دعوة الإخوان ، بعيدا عن

صخب وضجيج وافتئات الإعلام المضاد والمتربصين، وقطعا للطريق أمام أية محاولات

لشق الصف وتشتيت مساراته وتضييع جهوده وانجازاته ، خاصة في تلك المرحلة من تاريخ مصر والعرب والإسلام والإنسانية .

حسن النوايا لا شك فيه  ولا جدال معه خاصة مع طول مسيرة الدعوة والبذل والعطاء والتضحيات الجسام ، لكنها سنة التغيير الطبيعية التي نظم الله تعالى عليها الحياة والكون ، في سنة وقانون التغيير المستمر لاستكمال الأدوار والمهام المتتالية والخاصة بكل مرحلة ، والوفاء بإستحقاقتها

الخاصة بها من أدوات الفعل الخاصة بالمرحلة من قيم ومعارف ومهارات وخبرات وتقنيات .

حقائق لابد من ذكرها والتأكيد عليها  قادة المرحلة السابقة هم أساتذتنا وآباؤنا وإخواننا وأصحاب فضل كبير علينا  بعد الله تعالى ، ولكنهم يفتقرون لأدوات المرحلة  ولأدوات الإدارة الحديثة لتنظيم ضخم جدا كما وكيفا وجغرافيا وتاريخيا وفي مجالات العمل ...الخ فالعقول ومناهج التفكر والمؤهلات العلمية لا تستطيع استيعاب كل ذلك ناهيك عن حجم ونوع التحديات الناعمة والصلبة للمرحلة ،  بما يمتلكون ويقومن به من طريقة خاصة لإدارة  دولاب العمل كبشر ومعرفة وموارد  يظنون أنهم يقومون بما يقومون به لصالح الدعوة بينما هو مجرد اجتهادهم ولهم أجرهم عند ربهم  لكننا وبكل أدب وحب وتقدير وإجلال واحترام نستأذنهم في تسليم الراية لجيل جديد من الشباب الحقيقيين ــ لا الشباب أصحاب نفس الثقافة ممن يطلق عليهم أصحاب الشيخوخة المبكرة وبطبيعة الحال هم أهل الثقة السابقة ــ بل على معايير وأسس من المؤسسية والمهنية الحديثة .

تبريرات كثيرة جدا خلقت جيلا جديدا من أصحاب الشيخوخة المبكرة ،لا داعي لمناقشتها وتكرار الجدل حولها ، هي سنة الحياة في حتمية التغيير المستمر ، والبقاء للأصلح لتحقيق مصالح البلاد والعباد خلال هذه المرحلة التاريخية المحددة  ، والذي هو حقيقة وغاية الدين والدعوة ، ومن الطبيعي ألا يكونوا صالحين للمرحلة التي تتلوها ، وهكذا تدور عجلة الحياة وفق قوانين وسنن إلهية.

وذلك ما أكد عليه الإمام المؤسس الشهيد حسن البنا حين وصى (ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف، وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع، واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة، ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة، ولا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة، ولكن غالبوها، واستخدموها وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها على بعض، وترقبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد   (  والحديث عن الأصلح ليس الأصلح بشكل عام فهذا شأن يقرره الله تعالى  وما للعباد من دخل فيه ، وحبنا للدين والدعوة والوطن أعلى وأجل من حبنا وتقديرنا للأشخاص ، وإن كانوا أصحاب فضل وسبق ، وهذا من أهم قيم دعوة الإخوان.

أهم مؤشرات الداء ، وفى الإيجاز وصون الذات غاية ومقصد

1ــ بقاء نفس المسئولين الذي كانوا شريكا أساسيا في صناعة الأزمة.

2ــ غياب المرتكزات الأساسية للنظام المؤسسي الحديث المعترف به علميا في كافة الأكاديميات العلمية المتخصصة ، وعمليا في كافة المؤسسات الناجحة محليا وعالميا  وأهمها تحديد المهام والاختصاصات والصلاحيات وفق نماذج معيارية تستند لمفاهيم ومقررات العلم الحديث ، واحترام التخصص والاحتراف والمحاسبية ، ما يعنى أن إدارة العمل  وفق معايير متباينة خاصة بالاجتهادات الشخصية للأفراد ، مع غياب المراجعة والمحاسبة ، مما يؤدى بطبيعة الحال لتفاقم الأخطاء وتعقدها وتكريسها وتحولها إلى أمر واقع يلزم التعاطي والاستجابة له والتعايش معه ، تعززه بعض المفاهيم الموروثة الخاطئة ، وبذلك تقوض موارد وجهود وفاعلية المؤسسة .

بطبيعة الحال المؤسسية هي العمود الفقري لمنظومة قيم الديمقراطية التي نريد التحول إليها

فكيف بنا إن افتقدنا أهم قيم ومعايير الديمقراطية ، ففاقد الشيء لن يعطيه .

نحتاج إلى تحول مؤسسي حقيقي مفاهيم ومعايير ونظم وسياسات تعلوا فوق الجميع والجميع أمامها سواسية ، تحدد للوحدات والوظائف مهامها وصلاحياتها ومعايير مهنية لاختيار أنسب الأفراد لها ، كما تحدد معايير ومؤشرات أداؤهم وآلية كاملة لمحاسبتهم على أدائهم وإنجازاتهم .

3ــ تقليدية الأفكار والوسائل والأدوات المستخدمة والتي باتت محل سخرية العامة قبل سخرية الخصوم ، والافتقار لأبسط أساليب الإبداع والابتكار ، والتي تعد من أهم قيم وحقائق الدين والمنطق .

4ــ الضعف والتراجع الكبير للأداء السياسي والاعلامى في مقابل التقدم الكبير والسريع على الأرض ، مما قلل من فرص استثمار المكاسب والفرص المتحققة على الأرض

5ــ غياب وتغييب معايير الاختيار المهني المؤسسي الصحيح وتغليب الثقة على الخبرة والتخصص والاحتراف ، وتهميش أصحاب التخصص ، والإصرار على إبعادهم عن مواقع صنع القرار لحساب أهل الثقة مما صنع ولاءات خاصة داخل الجماعة ، ونشر ثقافة غريبة على ثقافة الجماعة التي تأسست ونشأت عليها.

6ــ قطع الطريق على أية مراجعات على مستوى القرارات والأفكار والقيادات و عدم

الاعتراف بأخطاء الإخفاق في الجولة الأولى مع العسكر والدولة العميقة

7ــ استيعاب غضب وتساؤلات أفراد الجماعة بردود إيمانية غير مقنعة لتجاوزها

 للمنطق العقلي الذي يجب أن يستند إلى التوجيه  ( قل هو من عند أنفسكم )  بما يستوجب ضرورة المراجعة والتقييم الجاد للفترة السابقة .

8ــ الإصرار على عدم قبول النصيحة والاستعلاء عليها أحيانا .

9 ــ عدم امتلاك رؤية وخطة إستراتيجية واضحة المعالم ومحددة المرحلة ومبرمجة زمنيا لدحر الانقلاب

10ــ ضعف النتائج  المتحققة  مقارنة بالتضحيات الجسام التي تقدم  يوميا على الأرض  لدحر الانقلاب

11 ــ مع استمرار الأزمة لفترة طويلة غابت عن الجماعة العقول المفكرة لحساب القيادات الحركية الميدانية ، فتلاشى العقل والفكرالاستراتيجى عن الجماعة وتحولت الجماعة إلى أشبه بسيارة نقل كبيرة تدار بموتور دراجة نارية ، وللتوضيح أكثر من هم العلماء الذين قدمتهم الجماعة من بعد الشيخ محمد الغزالي ، وما هو رصيد الجماعة من مراكز إنتاج الأفكار ومراكز الدراسات والبحوث ومعاهد التدريب المتخصصة ، وإن شئت فأسأل عن كم عالم ومفكر وباحث خرجوا من الجماعة ، وان شئت فقل تمت محاربتهم بشكل خفي وناعم حتى نحوا جانبا ، وحقيقة الأمر الجماعة في أحوج ما تكون إليهم .

والمقترح فعله هو أن الجميع ينتظر مبادرة كريمة من قيادة الإخوان المباركة التي شرفت بحمل الأمانة خلال الفترة السابقة والتي تعد من اخطر المحطات المفصلية في تاريخ الدعوة ، لتسليم الراية للجيل الجديد ، عبر آلية منظمة تبدأ باختيار لجنة متخصصة من خبراء الإخوان في التخطيط والإدارة والتنظيم الاستراتيجي لترسيم معالم المؤسسية الحديثة بتدرج ولتبدأ بتصميم  التوصيف الوظيفي للوحدات والوظائف المختلفة داخل الجماعة  ،والمعايير المهنية والتربوية الأساسية الخاصة لترشيح الأفراد لهذه الوظائف والمهمام المختلفة  ، مع تصميم آلية خاصة تفتح المجال للشباب وتضبط وترشد عمليات الاستمرار في الوظائف لمدد زمنية طويلة وفق قواعد الإدارة والتربية الحديثة .

بعدها تتوالى وبالتدريج عمليات التحول إلى البناء المؤسسي الحديث المتكامل ، من دون أية اهتزازات في البناء الكلى للجماعة ،ولتكن هذه هي بداية التغيير الداخلي الطبيعي الهادئ الناعم الذي يحفظ للجماعة قوتها وتماسكها ، ويعزز قدرتها على تطوير رؤيتها واستراتيجياتها ونظم ووسائل عملها ، بما يعزز للثورة المصرية قوتها ويضمن إستمرارياتها حتى استكمال أهدافها كاملة لدحر الانقلاب وتطهير البلاد وبداية عملية تنمية حقيقية لتحقيق المصالح الوطنية المصرية .