قمة اللمبي والكفيل الصليبي!

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

حين قرأت تعليقا ساخرا يصف القمة العربية السادسة والعشرين التي انعقدت بشرم الشيخ ورأسها أتابك عسكر قائد الانقلاب بأنها قمة اللمبي ؛ لم أضحك ، بل لم أبتسم ، لأنه تعليق أصاب كبد الحقيقة . فاللمبي في الوجدان الشعبي المصري يمثل شخصية كاريكاتورية مضحكة تعتمد في سلوكها على المفارقات التي تجعلها محل استنكار ومؤاخذة ، ويعالجها بمواقف تثير الضحك أكثر مما تثير اللوم والمؤاخذة .

حكام العرب يصرخون أمامنا لأن الغرب الصليبي يكيل بمكيالين في القضايا التي تهمهم وتشغلهم ، ولكنهم في الخفاء يفعلون فعله وأسوأ منه . لقد جاءوا إلى القمة ليكيلوا بأكثر من مكيال مع شعوبهم وفيما بينهم . هيمن عليهم موضوع الشرعية في اليمن وضرورة استعادة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي منصبه وقيادته للبلاد ، وانتزاع مؤسسات الدولة من الحوثيين أنصار الله الذين انقلبوا عليه بالتحالف مع الرئيس المخلوع على عبد الله صالح وجيشه الذي يمثل قطاعا كبيرا من القوات المسلحة اليمنية وخاصة ما يسمى قوات الحرس الجمهوري .

كانت قوات جوية خليجية بقيادة آل سعود ، ومعها بعض القوات من دول أخرى تقوم بهجمات عنيفة ضد مراكز تجمع الحوثيين وقوات المخلوع ، وكان المطلوب من قمة اللمبي كما سماها التعليق الساخر أن تصادق بالموافقة على ما يقوم به التحالف العسكري الذي يقصف اليمن لاستعادة الشرعية .

في الوقت نفسه وعلى خط مواز في الناحية الأخرى لشرم الشيخ كان هناك في الإسكندرية رئيس شرعي منتخب انتخابا حرا نزيها بعد منافسة مضنية يقبع في سجون انقلاب عسكري دموي فاشي ، ولا يجد من يذكره بكلمة أو يدعو إلى تخليصه من الأسر واستعادة شرعيته ولو ببضع كلمات في بيان مؤتمر القمة !

في الاتجاه ذاته دولة أخرى اسمها ليبيا انقلب على شرعيتها جنرال عسكري متقاعد اسمه خليفة حفتر ، قاد مجموعة من القوات العسكرية المنشقة ، وانقلب على الحكومة الشرعية في طرابلس ، وحكمت المحكمة العليا في طرابلس بعدم شرعية الحكومة التي يعمل تحت ظلالها في طبرق شرق ليبيا  ، وبالتالي عدم مشروعية  انقلابه ، ولكن قمة اللمبي آثرت أن يكون مندوب حفتر الانقلابي هو ممثل ليبيا في المؤتمر !

أما سورية الشقيقة فإن مؤتمر القمة العربية وصف ما يجري فيها بالعنف الذي يجعل الحكومة السورية لا تستطيع التحكم في مجريات الأمور وحفظ الأمن ، دون أن يلتفت المؤتمر إلى الحاكم الدموي الطاغية الذي قتل من شعبه قرابة ربع مليون إنسان ودمر مدنا بأكملها وهجر قرابة نصف الشعب السوري إلى خارج الحدود ، وأظهر عبقرية غير مسبوقة في اختراع البراميل المتفجرة والغازات السامة والأرض المحروقة !

قمة اللمبي كانت من جانب آخر استعراضا سياسيا من جانب الانقلاب العسكري الدموي الفاشي في مصر لإظهارما آل إليه وجوده السياسي بعد إسقاط شرعية الرئيس مرسي بوة الدبابات ؛ من قبول عربي ودولي تحقق بحضور تسعة عشر دولة عربية وعدد من الرموز الدولية في  مقدمتهم أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون ، ويلحق ذلك بما حققه في مؤتمر المانحين الذين وعدوه بمزيد من " الرز "، و"حباته " التي وصلت في تعداد بعض الصحف الانقلابية إلى ما يزيد عن سبعين ومائة حبة ( الحبة بالمفهوم الانقلابي تساوي مليار دولار !) ، تمخضت عن أربعة حبات يتعثر الحصول عليها ، أو توضع لها شروط مجحفة .

لا ريب أن من يكيلون بأكثر من مكيال لا تعنيهم المبادئ أو القيم العامة التي يتعلق بها من يملكون ضميرا إنسانيا حيا ، لأن غايتهم هي تحقيق مصالحهم الخاصة ولو كانت على حساب الأخلاق والضمير والقيم البشرية المضيئة . وهو ما  يفعله الكفيل الصليبي بقيادة الولايات المتحدة مع الحكام العرب والمسلمين المتعاقدين معه !

الكفيل الصليبي لم يسترح للربيع العربي وتغيير المتعاقدين المزمنين من أمثال بن على ومبارك والقذافي وعلى صالح ، فشجع متعاقدين مزمنين آخرين على خوض غمار الثورة المضادة التي نجحت في مصر واليمن وكادت تنجح في تونس ، ومازال الصراع معها جاريا في ليبيا . ولكن الكيل بمكيالين كان لا بد أن يصطدم بمضاعفات جلبت على أصحابه متاعب لم تكن متوقعة  . فمن تبنوا على عبد الله صالح ودعموه وحصنوه فيما يعرف بالمبادرة الخليجية لمحاصرة الإسلام ؛ لم يدركوا أنه غدّار مثل آخرين وخائن لليد التي رعته وأطعمته فتحالف مع الحوثيين وانقلب عليهم قبل أن ينقلب على الرئيس اليمني الشرعي ، وكان ذلك بمباركة من الكفيل الصليبي الذي أغمض عينيه حتى استولى الحوثيون على عاصمة اليمن ومدنها واحدة بعد الأخرى لدرجة اعتقال الرئيس وحكومته والموالين له في قيادات الجيش ، وهددوا باحتلال الحرمين الشريفين وصاروا العاصمة الرابعة الموالية للمجوس الجدد . وحينئذ أدرك المتعاقدون ومعهم الكفيل أن السحر انقلب على الساحر ، فبدأت عملية الردع والتأديب من خلال الحملة العسكرية الجوية التي قد تتطور إلى حملة برية .

قمة اللمبي لم تكن من أجل شعب اليمن وشرعيته وإرادته الحرة ، لأن المتعاقدين المزمنين والجدد يعملون دائما ضد الشعوب العربية وقمعها ونهبها وإذلالها لحساب الكفيل والمتعاقد السوبر- أقصد الكيان اليهودي الغاصب . القمة جاءت لتضفي الشرعية العربية على الحملة العسكرية الخليجية وتحمي عروش المتعاقدين ، ومصالح الكفيل الصليبي وخاصة في البترول وباب المندب . 

لو أنهم كانوا مع الشرعية حقا ما دعموا الانقلابات والحكومات الديكتاتورية في أرجاء بني يعرب وقحطان ، وما زغردوا  وغنّوا " تسلم الأيادي " لقتل الأبرياء في رابعة  العدوية والنهضة ومن قبلهما الحرس الجمهوري والمنصة وأكتوبر ورمسيس والفتح ودلجا وكرداسة وناهيا وغيرها ، وما وافقوا ضمنا على بقاء الطاغية النصيري الذي يقتل الشعب السوري على مدار الساعة بدعم الكفيل الصليبي! 

قمة اللمبي أثبتت أن حكام يعرب وقحطان قادرون على الفعل واستخدام السلاح لو أرادوا ، ولكنهم لا يستخدمونه أبدا في حماية شعوبهم أو تحرير المقدسات الإسلامية وفلسطين . إنهم يستخدمونه فقط في إسالة الدم العربي وحرمان الشعوب العربية من الحرية والعدل والكرامة وتطبيق الإسلام الحقيقي وليس الإسلام الشكلي . ودع عنك ما يقال عن تشكيل قوة عربية موحدة ، فهي مجرد حدوتة سخيفة لإلهاء الشعوب المسحوقة بقهر المتعاقدين ورفيقهم المجوسي الجديد وكفيلهم الصليبي العتيد؛ تحت لافتة المخاطر التي تهدد الأمن القومي والإرهاب والتطرف والثورة الدينية ، وهي اللافتة التي يعمل تحتها فريق الطبل خانة على مدار الساعة .

الشارع العربي يعمل تحت لافتة أخرى تؤمن بالحرية والكرامة والعدل والإسلام.

الله مولانا . اللهم فرج كرب المظلومين . اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!