المرأة الناقصة من الداخل

المرأة؛ ذلك الإنسان الذي اعتبره كثيرون موضوعا، لا ذاتا، فلم يسمحو له بأن ينطلق ليصنع عالمه الخاص، وأقول الخاص؛ ﻷني في المقابل أعترف بالجانب المشترك الذي تلتقي فيه المرأة، ككيان، مع الرجل. 

إن إثبات خصوصية المرأة لهو كفيل ليفك كثيرا من العقد الفكرية، ويفند مجموعة من الآراء التي ترفع عقيرتها عاليا في كثير من المناسبات، وهو كفيل أيضا أن يناقشها، بشرط تجردها عند المناقش من الذاتية، واعتناقها لروح الموضوعية؛ لأن الأهواء غالبا ما تموت معها وبينها المواضيع قبل أن تطفو على سطح المناقشة.

ولعل مرد هذه الفوضى الفكرية الحاصلة على الساحة بين مؤيدي الحركات النسوية وكل ما تدعو إليه وتطمح إلى تحقيقه على أرض الواقع، وبين المعارضين لكل طرح يكون مصدره الخصم المؤيد لما يعارضون؛ إلى النقص الداخلي الذي استفحل واستشرى في لاشعور فئة عريضة من النسويات المنتميات إلى الحركة النسوية، وفي لاشعور فئة نسوية أخرى، لا منتمية إلى أي حركة، ومنتمية إلى كل حركة، في الوقت نفسه، بشكل غير مباشر، بفعل ما يصلها من أفكار من الأفلام، والمسلسلات التي صارت تشكل عالم يوتوبيا لا يتقاطع بأي شكل من الأشكال مع عالم الإنس؛ عالم الواقع. 

إن الشعور الباطني بالنقص عند هذه الشريحة النسوية بات يطفو في كل صيحة ليتجسد في أفكار، وآراء، وتصرفات، كثيرا ما تتنافى مع العقل السليم، والمنطق؛ فالمرأة - كيفما كانت: منتمية أو لامنتمية- التي تطالب بالتقاطع مع بعض، أو كل خصوصيات الرجل، مثل: نوعية اللباس، أو المشي، أو قصات الشعر، أو نوعية العمل، أو الرياضة، أو التفكير، أو أي شيء مهما كان؛ لهو من إحدى أنواع الشعور بالنقص، ومن إحدى أنواع عدم الاعتراف بخصوصياتها الأنثوية، ويمكننا أن نجد هذا التطفل على الخصوصيات الرجالية، حتى في الجانب البيولوجي؛ إذ إننا نلفي ونجد مجموعة من النساء؛ بفعل هذا الشعور المرضي بالنقص الداخلي، يقدمن على إجراء بعض العمليات الجراحية، وعمليات زرع للعضو الذكري، أو ما شابه. وهذا، وإن كان حالة مرضية ونفسية... إلا أننا لا يمكننا أن نقصي ونغفل منه ذلك الشعور بالنقص الداخلي الذي كان يكبر شيئا فشيئا في الدواخل حتى استغول، وصعب علاجه، وبات ظاهرة تستدعي إعادة النظر. 

إن الحديث عن هذا الموضوع لا يجب فيه إغفال حلقة مهمة، بل محرك أساس يعتبر هو الذي يوجه معظم مفاصل هذا الشعور بالنقص، ألا وهو مفهوم الحرية؛ الحرية التي استوردناها فكان حظنا منها هو الوجه القبيح، لقد فهمناها على هذا الأساس، فتوهمنا أن الحرية هي فعل كل شيء، كيفما اتفق، ومتى اتفق! واعتقدنا أنها ضد كل قيد، وتغافلنا أنها هي في حد ذاتها قيد! لأن الانطلاق كان بها للتحرر من كل قيد كان يتحكم في حركتنا، فلما توهمنا تحررنا، باتت الحرية هي التي تتحكم فينا من حيث ندري، ومن حيث لا ندري.

لقد ساهمت الحرية بمفهومها الفضفاض، وغير المعقلن في تجسد ذلك الشعور بالنقص على أرض الواقع، فانتقل من القوة إلى الفعل، وبات يهدد حرية الآخرين باسم الحرية! ولكن، هل الحرية هي المحرك الأول والأخير لمركب النقص هذا؟ أم أن هناك دوافع أخرى تحركه؟.

إننا عندما نقول بوجود شعور بالنقص عند بعض النساء، فإننا نقر حقيقة تكاد تنطق بفيها! وإن لم يكن نطقها بالمقال، فقد كان نطقها بالحال، وهذا الشعور بالنقص غالبا ما يصحبه طموح لتحقيق الشهرة، ومع هذه الحالة يكون الشعور بالنقص هو الدافع القوي الذي يدفع نحو تحقيق الشهرة، وفرض الذات، وعندما نقول: فرض الذات، فإننا نقصد هذه الكلمة بعينها، ولا نقصد تحقيق الذات؛ ﻷن تحقيق الذات شيء، وفرضها شيء آخر، ولا يخفى عليكم ما في فرضها من شعور بالنقص، مرده الأساس إلى المقارنة الحاصلة، والتي تجريها كثير من النساء مع الرجل، وتكفينا هذه المقارنة منهن لأنفسهن بالرجل، وأملهن لأن يتساوين مع كل خصوصياته؛ أن نقر أن هذا شعور بالنقص؛ لأنهن اعتبرن أن الكمال والعلم والجمال... كله في الرجل، وعند الرجل، واعتبرن أنفسهن في المقابل في مرتبة دون، فصرن يحاربن في هذا الخط، وبان خلطهن للأوراق، وشن كثير منهن حربا على الرجل، واعتبرنه السالب الأول لحقوقهن، فتباين وتعارضن معه في كل ما أقره وقاله، فمارسن عليه ذلك الحيف وتلك الدكتاتورية التي اعتبرنها تمارس عليهن من طرف الرجل. وفي خضم كل هذه التناقضات، والفوضى غير الخلاقة، باتت تضيع كثير من حقوق المرأة، تلك الحقوق التي تعد من الأولويات التي يجب أن يكرس حولها ولها النظال، والجهد لتحقيقها ليتحقق معها توازن المرأة الداخلي، وتتخلص من ذلك الشعور الذي صار يمزق كيانها بشكل بطيئ.

وسوم: العدد 630