"الله... ليس كذلك"، ولميركل الألمانية وشعبها : شكر ... بشكر

ومع تميز الموقف الألماني في التعامل مع اللاجئين السوريين أحببت أن أعود إلى جذور هذا التميز وتاريخه في العلاقات ( الإسلامية – الألمانية) خلال ثلاثة قرون من تاريخ الحروب الصليبية . حيث أصر ثلاثة أباطرة ألمان من سلالة شتاوفر على ألا ينخرطوا في ذلك العدوان على الطريقة التي أرادتها البابوية ..

في كتيب صغير الحجم مترجم في تسعين ورقة تحت عنوان ( الله .. ليس كذلك ) تجمع الشاعرة والباحثة الألمانية ( زيجرد هونكة ) سفرا ضخما من تاريخ الحضارة أو إذا شئتم من تاريخ الفروسية والأخلاق النبيلة ، أو إذا شئتم من تاريخ العداوة والبغضاء والكراهية والتعصب الأعمى . تسعون ورقة ، ربما أتطلع إلى أن يقوم بعض السوريين في ألمانيا بإعادة شكر المجتمع الألماني والحكومة الألمانية بالتذكير ببعض ما فيها . عنوان الكتاب باللغة الألمانية :ALLAH IST GANZ ANDERS وناشره الألماني : HORIZONT- GERMANY

وربما أعود بكم إلى هذا الكتاب مرة بعد مرة ولكنني هنا سأنقل رسالة شكر ألمانية سطرها عالم فلسفة لاهوتية ألماني يدعى ( أوليفروس ) منذ ثماني مائة عام يشكر فيها الملك الكامل ( شقيق صلاح الدين ) لأنهم عندما كانوا أسراه مع جيشهم بكل من فيه ، اعتبرهم ضيوفا ، وكان يؤثرهم بثلاثين ألف رغيف على مدى أربعة أيام . " وتلك الأيام نداولها بين الناس "

 سأكتفي هنا بنقل النص كما أوردته الكاتبة الألمانية المولودة في عام 1921 والحائزة على العديد من الجوائز العلمية والبحثية ومنها جائزة شيللر على أشعارها الجميلة ..

تنقل في الصفحة الخامسة والعشرين في كتابها الصغير الكبير :

( ومن الشواهد الدالة على هذا الموقف الأخلاقي أن أحد الألمان الذين شاركوا في الحرب الصليبية بعد عودته إلى وطنه على نهر الراين لم يجد بدا من تحرير رسالة إلى سلطان مصر الملك الكامل يعبر فيها عن مشاعره تعبيرا مؤثرا وقد ترسخت في مخيلته المذابح الفظيعة التي أبيد فيها أهل دمياط جميعهم في مصر بناء على أوامر البابا ومبعوثيه الكرادلة ورجالات الكنيسة وذلك بعد الاستيلاء على حصن دمياط بعد حصار طويل ...

لم يكن ذلك الألماني سوى عالم الفلسفة اللاهوتية ( أوليفروس ) من كولونيا على نهر الراين بألمانيا الذي بهره ما اكتشفه من المروءة والفروسية العربية التي أثبتتها شخصية السلطان ( الكامل ) .على الرغم من جميع الأهوال والفظائع التي اعتادها السلطان من قبل النصارى ، ولقد سجل ذلك الشاهد ما رآه بعينه كما لو كان حدثا سعيدا لا يمكن للعقل أن يتصوره ، فقام بكتابة تلك الرسالة التالية إلى السلطان الكامل عام 1221 ، الملك الكامل المعروف بصداقته للقيصر فريدريك الثاني ، إذ أنه لم يقتص من الصليبيين العين بالعين والسن بالسن ، وإنما أطعمهم في مسغبتهم أربعة أيام طوالا مرسلا إلى جيشهم المتضور جوعا كل يوم ثلاثين ألف رغيف ، ومواد غذائية أخرى ...

كتب أوليفروس يقول :

منذ تقادم العصور لم يسمع المرء بمثل هذا الترفق والجود خاصة إزاء أسرى العدو اللدود ، ولما شاء الله أن نكون أسراك لم نعرفك مستبدا طاغية ، ولا سيدا ماكرا ، وإنما عرفناك أبا رحيما شملنا بالإحسان والطيبات ، وعونا منقذا في كل النوائب والملمات . ومن ذا الذي يمكن أن يشك لحظة في أن مثل هذا الجود والتسامح والرحمة هو من عند الله .

إن الرجال الذين قتلنا آباءهم وأبناءهم وبناتهم وإخوانهم وأخواتهم وأذقناهم مر العذاب لما غدونا أسراهم ، وكدنا نموت جوعا راحوا يؤثروننا على أنفسهم على ما بهم من خصاصة ، وأسدوا إلينا كل ما استطاعوا من إحسان بينما كنا تحت رحمتهم لا حول لنا ولا سلطان )

( انتهى زمن كتاب الله ليس كذلك : صفحة 25 )

وفي الإشارة إلى الخصاصة عاشت مصر في عهد الكامل مجاعة لم يمر بوادي النيل مثلها ..

ويبقى الشكر موصول بالشكر حتى يشيع بين الناس العرفان والشكر .

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 631