غزة ومقارعة جبهة الفقر والبطالة والحصار

م. محمد يوسف حسنة

"اتصلت عليه وقلي والله ما عندي سحور بكرة ومش عارف شو بدي أعمل بالإفطار"، كانت هذه العبارة التي سمعتها أثناء مروري في أحد شوارع مدينة غزة لحديث دار بين رجل وزوجته مررت بجوارهما بالأمس.

وقبيل أيام كنا قد نقلنا عائلة تفترش أرض منطقة السودانية وتلتحف سماء غزة إلى شقة سكنية متواضعة بالإيجار، ذهبنا لتفقد حال العائلة وتقديم بعض المساعدات فإذا برب البيت هارباً من متطلبات صغاره وزوجته وأقسم ألا يعود فلا قدرة له على الإنفاق وفي بيته لا يوجد شيكل واحد.

وفي نفس الوقت كانت عائلة أخرى تعتصم أمام مقر الوكالة في غزة الأنروا منذ عشرين يوماً دون أن يتدخل أحد لمساعدتهم، كان أكثر حظاً من سابقه نجحنا في توفير مشروع صغير له بالإضافة لإيجار الشقة وبعض حاجيات المنزل.

وتزامن أيضاً مع عائلة ثالثة تم طردها نتيجة عدم قدرتها على دفع الإيجار فاضطرت لافتراش محيط مسجد في شمال قطاع غزة دون مصدر دخل وسط عويل وصراخ الأطفال الصغار.

أربع مشاهد في أقل من أسبوع صدمتني بواقع مرير في قطاع غزة، قطاع غزة الذي تكالب عليه الفقر والبطالة والحصار ليضرب اقتصاده ونسيجه المجتمعي، مما يجعلني أقف حائراً أمام أولويات التدخل وآليات إقرار مساعدة الناس، وأين دور الحكومة والمؤسسات وأين دور رجال الأعمال والأفراد؟

حسب المركز الفلسطيني للإحصاء فقد بلغت نسبة الفقر في قطاع غزة 38.8%  وبلغت نسبة البطالة 40.8% ، وحسب دراسات أخرى فإن نسبة الأسر التي تُعاني من انعدام الأمن الغذائي 57%  مرشحة للزيادة، يُضاف لهم 40 ألف موظف فلسطيني في قطاع غزة لم يتقاضوا رواتبهم منذ شهرين.

الكارثة الإنسانية في قطاع غزة لها تبعات خطيرة على معنويات وقدرة الفلسطيني على التحمل والصمود، وهو مؤشر خطير على عدم قدرتنا على إدارة واحتواء الأزمة والكارثة الإنسانية، وعدم المرونة في التعامل مع الواقع الصعب الذي نحياه والسير قدماً ببرامج مخطط لها سلفاً دون الالتفات الحقيقي لحاجة الناس ومتطلباتهم.

فمازالت بعض المؤسسات الأهلية تُنظم ورش العمل في أفخم مطاعم قطاع غزة تحت بند التخطيط وتحديد الاحتياج ورسم الخطة الاستراتيجية بينما يتسول المواطن قوت يومه والذي من المفترض أن تكون هذه الورشة مخصصة لتغيير وضعه وتلبية حاجته.

ومازالت برامج الجندر والتوعية والتثقيف مستمرة لمواطن ومواطنة قد لا تجد أو يجد ثمن المواصلات لحضور التدريب.

ومازال تشييد المساجد والمبالغة في الإخراج الفني والمعماري لها على قدم وساق بينما تفترش عائلات الأرض وتلتحف السماء.

ومازال رجال الأعمال في حلٍّ من أمر مساعدة الفقراء والوقوف أمام مسؤولياتهم والتبرع بفائض مالهم لمن يقضي الفقر على إنسانيته وكرامته قبل أن يكون الحديث عن صوت معدة خاوية، يستثني منهم البعض.

والحكومة الفلسطينية مازالت عاجزة عن حل الإشكالات الإنسانية التي تعصف بقطاع غزة بدءاً من ضرورة معالجة وضع معبر رفح مع الحكومة المصرية ورفع الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة، مروراً بحل مشكلة الكهرباء المزمنة في القطاع وتوفير الأدوية والمستهلكات للمشافي والمراكز الصحية.

إن الحكومة الفلسطينية مطالبة بالوقوف أمام مسؤولياتها أمام شعبها بما يعزز صمودهم ويقوى شوكتهم في مواجهة مخططات الاحتلال ومحاولته تركيع الشعب الفلسطيني.

والاستلام الفعلي لحكم القطاع بعد تشكيل حكومة الوفاق وسد الفراغ السياسي والإداري الموجود، لا يُعقل أن تبقى غزة دون أب ودون مسؤول يستطيع الحديث بوضوح عن اشكالاتها في المحافل الدولية

أتمنى أيضاُ من الفصائل الفلسطينية أن تنزل لتفقد أوضاع الناس وتقديم ما يتيسر فالأمور في غاية السوء ونحتاج تكاتف الجميع لانتشال القطاع من الكارثة الإنسانية التي يحيا بها والظرف الصعب الذي يمر به.

ومخطئ من يُراهن أن سياسة التجويع ستكون في صالح أحد أو أن نيرانها ستكوي جهة دون أخرى إن ثورة الجياع إن قامت لن تُبقي ولن تذر وسيطال لظاها من يعتقد أنه في مأمن منها قبل من يتوقع أن تحرقه نارها. 

رمضان كريم وكل عام وأنتم بخير استغلوا بركة وخير هذا الشهر في سد حاجة الناس.