«العلماءُ السُّوريُّون» تحتَ القتل والتَّعذيب

د. محمد عناد سليمان

د. محمد عناد سليمان

[email protected]

لم يكن العلماء السُّوريُّون بمنأى عن آلة القمع والقتل «الأسديَّة»، ونحن نتحدَّث عن أصحاب العقل والقلم الحرِّ الذين لم يخنعوا ولم يركنوا ولم يخضعوا لظلمه وإجرامه؛ بل كانت ألسنتهم صدَّاحة بقول الحقّ، أمام السلطان الجائر، والدِّفاع عن المستضعفين من أهلهم.

وبالأمس وصلنا نبأ استشهاد الأخ الشيخ الفاضل، والمربِّي العالم الدّكتور «محمد زكريَّا الندَّاف» نتيجة التَّعذيب الذي لاقاه في معتقله بعد عام على اعتقاله على أحد الحواجز التَّابعة لـ«لنِّظام الإرهابيّ الأسديِّ»، وبعد أيَّام فقط على صدور مرسوم رئاسيٍّ بالعفو العام.

والدكتور «محمد» رحمه الله، من مواليد عام «1973م» من مدينة «الكسوة» التي أعتزُّ وأفتخر بها، وتبعد عن «دمشق» جنوبًا ستة عشر كيلو مترًا، وهي المدينة الأولى لمدخل «دمشق الجنوبيّ» قدومًا من «درعا».

والشيخ الدُّكتور «محمد» رحمه الله حاصل على إجازة في الشَّريعة، ودبلوم الفقه الإسلاميّ، ثم الماجستير، والدّكتوراه في الفلسفة الإسلاميَّة من كلية «دار العلوم» بـ«جامعة القاهرة»، والتحق بالتَّدريس في «جامعة دمشق» في قسم «العقائد والأديان»، من مؤلفاته: «الأخلاق السّياسيَّة للدّولة الإسلاميَّة في الكتاب والسُّنَّة»، و«المودة بين الصَّحابة والقرابة»، و«توضيح وبيان لأركان الإيمان».

وكان للشيخ المرحوم دورٌ كبير في ترتيب وإعداد «الثَّورة» منذ بدايتها، وتنسيق حراكها، وبثَّ روح التَّعاون بين روَّادها، عبر تهيئة جيل من الأمَّة يرفض العبودية السّياسيَّة، ويرتقي بعلمه إلى ما فيه خيرها في دينها ودنياها، ومّما قاله لي: «إن لم نستثمرْ هذه الفرصة فسنعيش عبيدًا إلى الأبد»، و«يجب أن ينتهي حكم الأسد إلى الأبد».

وقد كان لي شرف التَّنسيق مع الدّكتور رحمه الله والمشاركة في أوَّل مظاهرة في مدينة «الكسوة» بتاريخ 25 / 3 / 2011م، لتُعلنَ «الكسوة» بذلك بداية ثورتها على هذا «النِّظام»، ومسيرتها النَّهضويَّة مع أخواتها من المدن السُّوريَّة التي لحقت بركب «الثَّورة».

لكن أبى النِّظام المجرم إلا أن يقتل العلم وأهله، ويشرِّدهم في الآفاق، وأن يجعل من الشَّعب آلة يبثُّ فيها روح الحقد والكراهية، وقتل الصّوت المنادي بالحقِّ، واللسِّان المدافع عن المظلومين؛ بل إنَّنا لم نشهد استنكارًا من «وزارة الأوقاف السُّورية» لفقد عالمها الجليل، أوبيانًا من «رئاسة جامعة دمشق»، أو «عمادة كليِّتها»، أو «أقسامها»، في إشارة واضحة إلى صمتها ورضاها عمَّا يقوم به «النِّظام».

والجدير بالذِّكر أنَّ ثمة أساتذة جامعييِّن ما زالوا يقبعون في سجون «الإرهاب الأسديَّة» منذ بداية «الثَّورة» نذكر منهم الأخ الشَّيخ الدّكتور «محمود جابر» أستاذ جامعيّ في اللغة العربيَّة وآدابها، من أهالي «معضمية الشَّام» حيث اعتقل في الشَّهر الخامس من عام 2012م، ولا يزال رهين السَّجن على الرَّغم من صدور عدد من المراسيم الرئاسيَّة بالعفو العام.

ولا شكَّ أنَّ السُّلطات السُّوريَّة تتحمَّل المسؤوليَّة الكاملة عن حياتهم، وسلامتهم، مع ضرورة إحالة ملفَّاتهم إلى محاكم خاصَّة ومتابعتها من قبل المنظّمات الحقوقيَّة والإنسانيَّة.