خطورة التكفير وآثاره

خطورة التكفير وآثاره

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه

حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الاتهام بالكفر فشدد التحذير منه، ففي الحديث الصحيح: « أيما رجل قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما »([1]) ، فما لم يكن الآخر كافرا بيقين فسترتد التهمة على من قالها، ويبوء بها، لأنه كأنما جعل الإيمان كفراً فيكون كافراً.

وروى البخاري عن ثابت بن الضحاك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  « من حلف بملة غير الإسلام كاذباً فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم، ولعن المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله » أخرجه البخاري رقم 5754 .

وروى ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله قال : « سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر » رواه البخاري ومسلم .

وقال صلى الله عليه وسلم: « لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض » أخرجه البخاري ومسلم.

وروى البخاري عن أنس بن مالك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته ». قال الخطابي ، في أعلام الحديث ، ج 1 ص 374 : « فلا تخفروا الله في ذمته : معناه : لا تخونوا الله في تضييع حق من هذا سبيله ».

أقول : وأي خفر للذمة أكبر من أن تتهمه بالشرك والكفر ، بمجرد الاحتمال ، وهو مؤمن.

فالحكم بالكفر على إنسان ما، حكم جد خطير،  ينبغي الاحتياط في ذلك كما يقول الدكتور يوسف القرضاوي "لما يترتب عليه من آثار هي غاية في الخطر، منها:

• لا يحل لزوجته البقاء معه، ويجب أن يفرق بينها وبينه، لأن المسلمة لا يصح أن تكون زوجة لكافر بالإجماع المتيقن.

• أن أولاده لا يجوز أن يبقوا تحت سلطانه، لأنه لا يؤتمن عليهم ويخشى أن يؤثر عليهم بكفره، وبخاصة أن عودهم طري، وهم أمانة في عنق المجتمع الإسلامي كله.

• أنه فقد حق الولاية والنصرة على المجتمع الاسلامي، بعد أن مرق منه وخرج عليه بالكفر الصريح، والردة البواح، ولهذا يجب أن يقاطع ويفرض عليه حصار أدبي من المجتمع حتى يفيق لنفسه، ويثوب إلى رشده.

• أنه يجب أن يحاكم أمام القضاء الإسلامي، لينفذ فيه حكم المرتد، بعد أن يستتيبه ويزيل من ذهنه الشبهات، ويقيم عليه الحجة.

• أنه إذا مات لا تجرى عليه أحكام المسلمين، فلا يغسل ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يورث، كما أنه لا يرث إذا مات مورث له.

• أنه إذا مات على حاله من الكفر يستوجب لعنة الله وطرده من رحمته، والخلود الأبدي في نار جهنم.

وهذه الأحكام الخطيرة توجب على من يتصدى للحكم بتكفير خلق الله أن يتريث مرات ومرات قبل أن يقول ما يقول!"([2]).

يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- إجابة على سؤال لفظه: هل تكفرون أهل التأويل أو تفسقونهم؟

"الحكم بالتكفير والتفسيق ليس إلينا ، بل هو إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فهو من الأحكام الشرعية التي مردها إلى الكتاب والسنة ، فيجب التثبت فيه غاية التثبت ، فلا يكفر ولا يفسق إلا من دل الكتاب والسنة على كفره أو فسقه.

والأصل في المسلم الظاهر العدالة بقاء إسلامه وبقاء عدالته ، حتى يَتَحَقَّقَ زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي، ولا يجوز التساهل في تكفيره أو تفسيقه ؛ لأن في ذلك محذورين عظيمين:

أحدهما: افتراء الكذب على الله تعالى في الحكم، وعلى المحكوم عليه في الوصف الذي نبزه به.

الثاني: الوقوع فيما نبز به أخاه إن كان سالماً منه، ففي صحيحي البخاري ومسلم([3]) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَد بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا".

وعلى هذا فيجب قبل الحكم على المسلم بكفر أو فسق أن ينظر في أمرين:

أحدهما : دلالة الكتاب أو السنة على أن هذا القول أو الفعل موجب للكفر أو الفسق.

الثاني: انطباق هذا الحكم على القائل المعين أو الفاعل المعين، بحيث تتم شروط التكفير أو التفسيق في حقه، وتنتفي موانعه.

ومن أهم الشروط: أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت أن يكون كافراً أو فاسقاً؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً ) (النساء/115) وقوله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (التوبة/115) ولهذا قال أهل العلم: لا يكفر جاحد الفرائض إذا كان حديث عهد بإسلام حتى يُبَيَّنَ له" الخ([4]).

 

وجوب التفرقة بين النوع والشخص المعين:

لقد قرر المحققون من العلماء أنه يجب التفرقة بين الشخص والنوع في قضية التكفير، ومعنى هذا: أن نقول مثلا: الشيوعيون كفار، أو الحكام العلمانيون الرافضون لحكم الشرع كفار، أو من قال كذا أو دعا إلى كذا فهو كافر، فهذا وذلك حكم على النوع، فإذا تعلق الأمر بشخص معين، ينتسب إلى هؤلاء أو أولئك وجب التوقف للتحقق والتثبت من حقيقة موقفه، بسؤاله ومناقشته، حتى تقوم عليه الحجة، وتنتفي الشبهة، وتنقطع المعاذير.وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:

"إن القول قد يكون كفرا، فيطلق القول بتكفير صاحبه، ويقال: من قال هذا هو كافر. لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره، حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها"([5]).

وهذا كما في نصوص الوعيد. فإن الله تعالى يقول: [إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما، إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا] (النساء: 10).

"فهذا ونحوه من نصوص الوعيد حق، لكن الشخص المعين لا يشهد عليه بالوعيد، فلا يشهد على معين من أهل القبلة بالنار، لجواز أن لا يلحقه الوعيد، لفوات شرط، أو ثبوت مانع. فقد لا يكون التحريم بلغه، وقد يتوب من فعل المحرم… وقد تكون له حسنات عظيمة تمحو عقوبة المحرم… وقد يبتلى بمصائب تكفر عنه، وقد يشفع فيه شفيع مطاع".

قال: "وقد تكون بلغته ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها. وقد تكون عرضت له شبهات يعذره الله بها…".

قال: ومذاهب الأئمة مبنية على هذا التفصيل بين النوع والمعين.

فإذا كان كل هذا الاحتياط واجبا في شأن المصرحين بالكفر، فكيف يجترئ مسلم على تكفير الجماهير التي تشهد أن "لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله" وإن خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا؟

إن الإقرار بالشهادتين، قد عصم دماءهم وأموالهم -إلا بحقها- وحسابهم على الله تعالى. فإنما أمرنا أن نحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر.

وقد صح الحديث بل تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله تعالى"([6]).

هيئة التأصيل الشرعي لجماعة الإخوان المسلمين في سورية

25 شعبان 1435هـ  الموافق 23/06/2014 مـ

               

([1]) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5753) ومسلم في صحيحه (225) وأحمد في مسنده ( 4687).

([2]) ظاهرة الغلو في التكفير للقرضاوي، ص29-30.

([3]) البخاري (6104) ومسلم (60).

([4]) القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى، ص: 87-89 .

([5]) فتاوى ابن تيمية 7/507و619 .

([6]) ظاهرة الغلو في التكفير للقرضاوي ص: 26-28.