هل التطرف هو الحل ...؟!

هل التطرف هو الحل ...؟!

زهير سالم*

[email protected]

كل المعطيات التي تحيط بالمشهد العربي تدعو إلى اليأس . اليأس الناجم عن مؤامرة كونية بالمعنى الحقيقي تحيط بالأمة في كل مكان . عجز وضعف وتقهقر وهيمنة وخضوع . ودائما هناك ( آخر ) يفعل بنا هذا بيد خفية وأخرى مباشرة إن اقتضاه المقام .

 هذه مصر، مصر ( الانقلاب أو مصر السيسي ) فلا فرق ، فهذا الضجيج الذي يفتعله الساسة الغربيون حول الأحكام الصادمة التي يصدرها قضاء الانقلاب الأمريكي المضاد في مصر . الانقلاب الذي أسس له ودعمه واعترف به الغرب  ( الأمريكي والأوربي والروسي ) وأجراؤهم في المنطقة ...

قضية الأحكام الصادرة على مندوبي قناة الجزيرة هي قضية معيارية لنفاق الغرب بكل مؤسساته . ولو ان مجموعة طالبانية في جبال أفغانستان أصدرت مثل هذه الأحكام لزلزلت العالم كما حصل يوم قضية آثار داميان.

لا يشكل  ما يجري في مصر كله إلا واحدا من ألف من الإغلاق الذي يزداد إحكاما على شعب سورية . أكثر من ثلاث سنوات من الإغلاق الذي يتمثل في إطلاق يد القاتل المبير بشار الأسد في أديم الشعب السوري ووضع ألف قيد وقيد على السماح للمستهدفين بالقتل في حقهم في الدفاع عن أنفسهم .

 بشار الأسد يقتل السوريين بكل وسائل القتل وصل إليها العلم الحديث مقترنا بحالة من التوحش الإنساني الذي لم يمر أبدا على معبد أو كنيسة أو مسجد أو مدرسة أو معهد أو أي مؤسسة شمت رائحة عالم ما بعد الجبل أو الغابة .

 وداعمو بشار الأسد الإقليميون والدولويون هم الآخرون يجدون مجدهم في الإمعان في انتهاك السوريين وقتلهم وإبادتهم وكأنهم يتصرفون في فراغ دولي استراتيجي وسياسي مطلق لا وجود فيه لمناقض أو مزاحم أو مشارك ..

في مصر وفي سورية وفي العراق حيث وصل الخبراء الأمريكيون ليضعوا الخطط للرئيس الأمريكي ليكون شريكا مباشرا في إبادة الشعب العراقي ، واستكمال ما أخطأته الغزوتان الأمريكيتان الأولى والثانية ضد إنسان العراق .

لا نشك أن الأمريكي والغربي بشكل عام يستهزئ من مسميات ( السني والشيعي ) ولكن سخريته من أمر شيء وتوظيفه في مشروعه أمر آخر . لقد وجد الغرب والأمريكي بشكل خاص في مسمى ( الشيعة السياسي ) أقلية قابلة لأداء دور وظيفي ، تعينه على إخضاع شعوب هذه المنطقة ، وكسر إرادتهم ، حسب تعبير بشار الأسد ، أو محو وجودهم حسب تعبير حسن نصر الله فعقد صفقاته معهم وقرر أن يرمي هذه الصفقات بكل صلف في وجوه المنطقة كما أكد الرئيس أوباما قبيل زيارته الأخيرة للعربية السعودية . أوباما قال للعرب : المرشد هذا وأشار إلى خمنئي طهران فمن أبى فهذا وأشار إلى القتل الممنهج المفروض على الشعب السوري أو على خيارات الخبراء الأمريكيين الذين وصلوا توا إلى العراق ...

كل ما يدور حولنا يحاصرنا باليأس  . واليأس هو الدافع الأول للتطرف ، فالتطرف حالة عدمية تغلق فيها على الإنسان كل النوافذ والكوى . يشعر الإنسان أنه ليس فقط غير قادر على كسب شيء بل إنه لم يعد هناك ما يخسره . يرى أعداءه في مداراتهم المتقاطعة يتلمظون بمضغ لحمه الحي فيقرر أن يسمم هذا اللحم . هدم المعبد على رؤوس الكل أسطورة عبرانية ولكنها تعبير إنساني في الوقت نفسه وهذا الذي نتحدث عنه ..

التطرف حالة من فقدان الرؤية ، تبادل الموت هو أقصر الطرق إلى شفاء النفوس . الأمل بوعد رباني في عالم لا ظلم ولا ظالمين فيه .

 يسخر الطغاة والمجرمون والفجرة من شباب يندفع بإرادته إلى الموت يقولون إنهم ( يسعون إلى الحور العين ) ولكنهم لا يقولون وهم الذين ملؤوا العالم ظلما وجورا وعنصرية وتمييزا إنهم ( يسعون إلى عالم من العدل لا ظلم فيه ولا استبداد فيه ولا وجوه قبيحة فيه )

دوافع التطرف ودواعيه في مشهدنا العربي  تحاصر العقلاء من أولي الأحلام والنهى فكيف بالشباب المتوثب الذي تعودت يده أن تسبق لسانه كما سبقت كلماته كل ما يمليه عقله .

إنها الفتنة التي تدع الحليم حيران التي أخبرنا عنها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أحاطت بنا تستدعي المزيد من التقوى والمزيد من التفكير والتقدير والتدبير ...

ولكن التطرف ليس حلا ، التطرف بكل ميادينه النظرية والعملية هو هروب من مواجهة الفتنة ودحر أطرافها . والتطرف شكل من أشكال الانتحار يقرر صاحبه أن يترك المشكلة التي واجهته خلفه ويمضي . بل التطرف ليس هو هروب من المشكلة فقط بل مشاركة عملية في تعقيدها.

وعلى أصحاب مشروع الأمة النهضوي الحضاري بكل أبعاده أن يكونوا حاضرين بعد أن أعاد الغرب المتحضر بإحكام كل الأغلاق . يحرجني إذ يسألني وماذا بعد أن حيل بيننا وبين صندوق الانتخاب حقيقي في سورية وماذا بعد أن سقط صندوق الانتخاب  الحقيقي في مصر ؟!   

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية