من الآثار السلبية للشبكة العنكبوتية على اللغة العربية

خواطر وأفكار كثيرة تستثار حول حال اللغة العربية في يومها العالمي ، ومن ثم تتعدد زوايا النظر إلى هذه الحال . وهي في جملتها تحزن ولا تسر . ووجوه إحزانها لمحبيها والغيورين عليها جمة ، وأظهرها وأشهرها فشو الخطأ في أبسط ضوابطها النحوية ، وفي رسم كلماتها . ولا نتكلم عن شحاحة زاد كثرة كاتبيها من مفرداتها خاصة في فنون الأدب قصة وشعرا . وفي ثمانينات القرن الماضي _ ما بالنا باليوم ؟! _ بينت إحصائية في العراق أن متوسط مفردات الشاعر العربي الحديث لا تتخطى مائتي مفردة . ولا نتجاهل أن هذه الإحصائية جاءت من العراق ، وأنها لحظت أول ما لحظت الشعراء العراقيين أبناء وأحفاد الفحول الثلاثة : الزهاوي والرصافي والجواهري ، ومن مثل محمد مهدي الجواهري وفرة في  مفردات اللغة ،  وجرأة على اشتقاق صيغ منها تبدو خارجة على مقاييسها المألوفة ، لكنها تصنع  رصيدا جديدا لها ؟! ومن قراءتي لبعض ديوانه الكامل انتهيت إلى وصفه ب " لسان العرب " الشعري في جوار " لسان العرب " المعجم . وأحب في هذه الوجازة أن أتكلم عن بعض الآثار السلبية للشبكة العنكبوتية على اللغة العربية ، والكلام عن هذه الآثار لا ينفي حقيقة أن للشبكة آثارا إيجابية كثيرة على اللغة العربية وفنونها الكتابية المتنوعة ، وأكبرها تيسير الاطلاع على تلك الفنون قديمة ومعاصرة . والقصد من التعرض للسلبيات الحث على السعي لتجنبها والتقليل منها . من المسلمات التاريخية في اللغة والأدب أن ظهور وسيلة توصيل جديدة لهما  ولسائر تجليات الفكر والمعرفة والفن ؛ يدفع إلى اتساع دائرة المسهمين في هذه  الجوانب من منتجين ومتلقين لهذا الإنتاج ومتفاعلين معه ، أي أن هذه الجوانب تصبح شعبية مبتعدة عن الاقتصار على الصفوة القليلة في المجتمع ، وحالما تصير شعبية فإنها تميل إلى التسهيل في اللغة لتلائم المتلقين . وفي نفس الوقت تدخل فئات من مستعملي اللغة ومنتجي فنونها الكتابية المختلفة ممن لا يلمون إلماما  مناسبا بمادتها اللفظية ، ولا يبرعون براعة مقبولة في مهاراتها الأسلوبية وفنونها الأدبية ، وينفتح الباب لظهور الأخطاء اللغوية  والإنتاج الأدبي الضعيف . ظهور الصحف بعد اختراع المطبعة أوجد لغة قريبة من عامة الناس ، وصارت لغة الصحافة رمزا للتسهيل والتبسيط في اللغة وزيادة الأخطاء . وزادت الإذاعة والتلفزة بعد الصحف ظاهرة التسهيل والتبسيط والخطأ اللغوي حتى نافست العامية فيهما اللغة الفصيحة ، وتعدتها كثرة استعمال في بعض الإذاعات والتلفزات في العالم العربي . وجاءت الشبكة العنكبوتية سائرة على نفس طريق وسائل التوصيل التي سبقتها ، ولكن بخطا أسرع وفاعلية أوسع بما وفرته من مجال لأعداد جديدة من القراء والكاتبين الأضعف إلماما باللغة وأدبياتها ، فتضاعفت الأخطاء اللغوية نحوا وإملاء وأساليب تضاعفا واسعا ، وظهرت أعمال أدبية تصنف قصائد ولا علاقة لها بالشعر ، وتصنف قصصا وهي مقالات ، والصادم بقوة  هنا أن الخطأ اللغوي والضعف الأدبي الفني طال بوبائه أقلاما تتقدم أسماء أهلها ألقاب علمية عالية . ويعلل اتساع هذه السلبيات  بأن مواقع الشبكة لا تقيم ما تنشره من حيث صلاحه للنشر أو عدمه مثلما تفعل الصحف الورقية ، وهي بالطبع لا تصححه مثل هذه الصحف ، والأكثر سوءا أن بعضها  لا يهتم حتى بتصحيح أخباره وتقاريره الخاصة به ، ويعيد نشر المواد الإعلامية من مصادرها الأخرى بما فيها من أخطاء . ومنكر كبير أن تكتب صحيفة في عراقة " الأهرام " في موقعها الإلكتروني فعل الأمر ( اقرأ ) هكذا " إقراء " ، فتحوله إلى مصدر على وزن ( إفعال ) للفعل الرباعي ( أقرأ ) . ومنكر بنفس الدرجة أن يكتب أستاذ جامعي ( أخوكِ ) هكذا " أخوكي " ، وأن يخطىء أستاذ جامعي يدرس الأدب العربي صواب علاقة التأنيث والتذكير بين العدد والمعدود التي هي في أسهل تعريفاتها علاقة تزاوج بين مذكر ومؤنث ؛ فإذا كان المعدود مذكرا وجب أن يكون العدد مؤنثا ، والعكس بالعكس ؛ نقول : ( ثلاثة رجال ) و ( ثلاث نساء ) . وهناك أخطاء مردها إلى أن بعض الكتاب لا يراجعون ما يكتبونه ، ويرسلونه للنشر فور الانتهاء من كتابته تأثرا بروح السرعة التي اتسعت بعد ظهور الشبكة العنكبوتية ، ولا تسلم حتى العناوين من هذه الأخطاء ، وأحيانا تصاب بها أسماء الكتاب . لحظ الخليفة عمر بن الخطاب  _ رضي الله عنه _مرة أخطاء في رسالة أحد عماله إليه ، فكتب إلى ذلك العامل : " قنع كاتبك بالسوط ! " ، نريد غيرة عمرية على لغة القرآن الحسناء .

وسوم: العدد 646