في التعليق على البيان الختامي لاجتماع الرياض

لله .. ثم للتاريخ .. ثم للثورة والثوار

 من حق وواجب أن نستهل بتوجيه الشكر والتقدير والعرفان إلى خادم الحرمين الشريفين ، وحكومته الموقرة ، والأشقاء في المملكة العربية السعودية على ما بذلوا ويبذلون من جهود لدعم الشعب السوري ، وتأييد ثورته ، وترشيد خطواته ، وبث روح الصمود والمقاومة في رجاله وقياداته .

ومن حق وواجب أن نتوجه بالشكر والعرفان والتقدير إلى كل الأشقاء على الساحتين العربية والإسلامية من قادة ونخب وشعوب يتفاعلون إيجابيا مع ثورة الشعب السوري ومحنته المتمادية بكل صورها وأبعادها وانعكاساتها . فجزى الله خير الجزاء من أعان الثورة السورية ورجالها وضحاياها ولو بشق تمرة

ومن حق ومن واجب ثالثا أن نتوجه بالدعاء بالرحمة والمغفرة والرضوان لشهداء سورية الأبرار ، اللهم تقبل منهم واقبلهم وارفعهم ، وبالشكر والتأييد لحاملي الأمانة بإخلاص من مجاهدي سورية ، وثوارها ، والمضحين في سبيل الدفاع عن وجود إنسانها وصون هويته وعقيدته وعرضه وليعيش على أرضه حرا كريما عزيزا ، والشكر موصول لحاملي لواء هذه الثورة بإخلاص وصدق وأمانة من النخب السياسية والثقافية ونخص حملة عبء التمثيل السياسي في الداخل والخارج على السواء في كافة التنظيمات والتجمعات والهيئات .

ومن حق ومن واجب أن نقول إن ما صدر عن المجتمعين في الرياض من بيان مع ما فيه من إيجابيات لا يمكن أن تُغفل ؛ كان صادما بقسوة للحقيقة السورية التي قامت هذه الثورة من أجلها ودفاعا عنها . وكان صادما للكثير من السوريين الحاملين لعبء هذه الثورة ، والمضحين باسمها وفي سبيلها بدمائهم وبأعز ما ملكت أيديهم .

 وعلى الرغم من محاولات الدولة المضيفة ( العربية السعودية ) جهدها لتبث روح الاستعلاء والإباء في قلوب هؤلاء المجتمعين إلا أن المحاولة لم تؤت أكلها ، ليصدر عن المجتمعين في الرياض مثل هذا البيان المهلهل المتراخي الذي ينقصه الكثير من روح الانتماء ، ومن مقتضيات الوفاء ، ومن مفاصل الرؤية الوطنية في أداء الأمانة على وجهها ولأهلها .

 بيان عجز كاتبوه عن الوفاء حتى لقواعد لغة العرب لكثرة ما ورد فيه من أخطاء مشينة ومريبة . وكأن الخطأ في لغة العرب مطلب مقصود لذاته على وجه التحدي غير المباشر للعربية وأهلها.

لقد انطلقت ثورة الشعب السوري دفاعا عن حق ، فلما أجمع العالم على خذلانها ، رفع الشعب السوري شعاره العقائدي المفصح عن هويته ( مالنا غيرك يا الله ) ، ولما تقاطر مجاهدو سورية على الشهادة ، وتكسرت النصال على النصال في قلوب الأمهات والآباء والزوجات والأبناء ؛ أعلى المجاهدون أصواتهم تأساء وتعزية فنادوا في صوت واحد : ( هي لله ..هي الله ..) ثورة كان ( الله ) فيها هو الأول والآخر والظاهر والباطن ، تذكر هذا ثم اقرأ معي بيان سكان زحل هؤلاء مرة بعد مرة بعد مرة إلى سبع وإن شئت إلى سبعين ثم انظر هل ذكر اسم الله فيه ..؟! هل ذكر اسم الله في مطلعه ، أو ذكر اسم الله في ديباجته ، أو ذكر اسم الله في حاشيته أو ذكر اسم الله في خاتمته ...؟!

هذا البيان الذين يسعى أصحابه إلى نفي اسم الله عن وثيقة تدعي أنها نقطة اللقاء بين السوريين هل يعبر بحق عن إرادة ثوار كان شعارهم ( ما لنا غيرك يا الله ) أو غايتهم ( هي لله ..هي لله ) أو كان نداؤهم ( سيدنا محمد قائدنا للأبد ..) ؟!

ألم يكن من واجب المجتمعين في الرياض ، الذين لم ينسوا أن يجاملوا أو يداهنوا في أم اللغات، أن يدركوا أن رافعة اجتماعهم وقوام لقائهم إنما يقوم على كواهل هؤلاء المجاهدين الذين يذكرون اسم الله عند اللقاء فيشجعون ، وعند الجوع فيشبعون ، ومع البرد فيدفئون ، فيجاملوهم بافتتاح وثيقتهم ( باسم الله ) ، أو أن يرصعوها بآية من كتاب الله ؟! .

وأعود لأنظر في البيان...

 وأقرؤه مرة بعد مرة أبحث فيه عن كلمة انتصار واحدة لحطام (جريمة الحرب ) تدار على الشعب السوري منذ خمسين سنة وليس فقط منذ خمس سنوات فلا أجد ، أبحث عن كلمة انتصار واحدة لأعراض عشرات الألوف من المغتصبات ، أو لدماء مئات الألوف من الشهداء ، ومثلهم من المعتقلين، ولعشرات الألوف من المفقودين ، أو للملايين من المهجرين ؛ أبحث عن كلمة انتصار واحدة في صورة وعد بعدل ، أو وعيد بقصاص فلا أجد .. !! فكل الذي يتطلع إليه الموقعون على البيان ، ( إجراءات حسن نية ) من شريكهم العتيد أو الجديد .

 وهكذا بفضل أو فضيلة التوافق المحموم يصبح كل المطلوب من مجرم الحرب وأركان ورموز نظامه بشار الأسد أن ينزلوا عن سدة الحكم!! مجرم حرب قتل نصف مليون سوري وشرد نصف سكان سورية ودمر عمرانها ثم يعرضون عليه ( السراح الجميل ) مقابل المخرج الهزيل !!

وتقرأ في بيان التوافق المحموم ...

( الحفاظ على مؤسسات الدولة وإعادة هيكلة وتشكيل مؤسساتها الأمنية والعسكرية ..) في علم الدلالة اللغوية والسياسية ثمة تباين واضح بين مفهومي إعادة الهيكلة ...وإعادة التشكيل ، ودمجهما تحت غطاء إعادة واحد لا يخلو من مكر وكيد والتواء .. واضح أن لفظ التشكيل إنما ألحق إلحاقا بالهيكلة على سبيل الاسترضاء . إن إعادة الهيكلة قد يعني شطب أسماء المجرمين من الأمنيين والعسكريين الذين قُتلوا لأنهم قُتلوا ، وترقية الأمنيين والعسكريين الذين قَتلوا ، وتسريح أولئك الذين انشقوا فلم يُقتلوا ولم يَقتلوا !! وهل إعادة هيكلة مؤسسات الإجرام إلا جريمة يقترحها مجرمون لمجرمين ؟!

ثم تقرأ في البيان الذي وقع عليه الموقعون: ( تأسيس دولة تقوم على مبدأ المواطنة ) ومعلوم أن الدولة تقوم على الإرادة الحرة لمواطنيها ، وعلى عقد اجتماعي يجمع بينهم ، الدولة تقوم على سيادة القانون أصلا ، ومبدأ المواطنة هو بند في لوائح القانون الأساسي الذي يسمى بالدستور ، والمواطنون بحكم مواطنتهم وقانونهم الذي لا تدوسه إرادة الفرد المتسلط ، متساوون في الحقوق والواجبات . واضح من هذا الاجتزاء المحموم أن الذين كتبوا بنود هذا البيان هم فريق من المسكونين بالهواجس ، المهووسين بالجزء والجزيء .. المستهدفين للنائمين على آذانهم من الذين لم توقظهم من سباتهم تضحيات شعب يدفع ثمنا لخلاصه كل هذه التضحيات ..

نفتقد ونحن نقرأ البيان الختامي المنبت الغريب وثيقة المبادئ الخمسة التي تقدم بها منذ أسابيع للمجلس الإسلامي السوري . وثيقة المبادئ الخمسة بوضوحها وإيجازها وبلاغتها التي نرى فيها الكلمة الفاصلة الجامعة فمن أحب أن يجتمع مع أصحابها عليها فحيهلا ....ومن رغب عنها فثوار سورية عنه أرغب . وبغير بنود هذه الوثيقة لا نقبل وعلى غير حقائقها لا نوقع.

أيها الغارقون في خمر نشوتكم أفيقوا فقد انتشى قبلكم بهذه الخمر كثيرون ، فتحملوا من إثم ما يقع اليوم على الشعب السوري أوفى نصيب .

أيها المجاهدون الأبطال ، وهذا البيان الذي دعيتم للتوقيع عليه سداته الباطل ولحمته الغرور ... وهذه ثورتكم أمانة بين أيديكم ، وهذه دماء إخوانكم الذين قضوا ومضوا تناشدكم اللهَ ألا تهنوا ولا تحزنوا

أيها المجاهدون الأبرار هذه ثورتكم وأنتم أصحابها ... وهذه دياركم وأنتم الأحق بها وأهلها ... ثقوا بربكم واستأنفوا مسيرتكم ... ولا يستخفنكم الذين لا يوقنون ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 646