حكاية التمثيل في هيئات المعارضة وصدقيتها ..

يسأل، ويعلق عديد الأصدقاء على مؤتمر الرياض وسلبياته، واحتمالات تجسيد مخرجاته.. وفي الهمّ السوري كثير من التخوفات، وهناك الناقدون الدائمون، والمشككون، والمتزاحمون.. وكثير من آراء متنوعة ..

إشكالية كبرى في أي تشكيل جديد، أو هيئة تقوم حول مضمونها، وأدواتها، وتمثيلها الحقيقي ..

ـ حين قام المجلس الوطني بمبادرة من بعض الإسلاميين المستقلين وأصدقائهم، وبعدد محدود / 73/ عضواً احتجّ كثير على عدم تمثيله لقوى معارضة رئيسة، وفعاليات مهمة.. فجرت توسعة أولى له.. بعد مداولات ونقاشات مختلفة، وتجاوز العدد ال200 عضواً، وظلّ التزاحم شديداً، وظلّ هناك العديد ممن يعتبره ناقص التمثيل، وظل المئات، بله الآلاف يجدون أنفسهم الأجدر بالمشاركة من جلّ الأعضاء  الذين دخلوه .

ـ في مداخلة لي في أحد مؤتمرات المجلس الوطني تحدثت عن ظاهرة السوري الذي انفجر خزينه واحتقانه دفعة واحدة وتناثر في كل الاتجاهات، وبرز الحماس المندفع للمشاركة بالشأن العام، والتزاحم على جميع المواقع، وصناعة تاريخ خاص، ومكانة معينة، واستخدام شتى الوسائل لدى البعض للوصول إلى موقع يعتبره مهماً..وأنه لو أصبح عدد المجلس 500 مثلاً لوجدنا 500 آخرين على الأبواب تعتبر نفسها الأجدر والأحق، وخلفها 500 أخرى في متوالية طويلة ..

ـ وتحت الضغوط الشديدة، وباسم عناوين الحراك الثوريث..توسّع المجلس ليصل في لحظة ما إلى /650/ عضواً، ثم الاضطرارا لما عرف ب"الترشيق" حين استقر على نحو /425/ شكل ذلك عبئا ثقيلاً، في وقت كان المجلس ينخّ ويتلاشى بفعل عوامل متراكبة، ومنها استبداله بالإئتلاف .

ـ كانت فكرة الإئتلاف كما سعى إليها صاحب المبادرة، الأستاذ رياض سيف، وشاركه عدد قليل، تشكيل جسم رشيق لا يصل الخمسين لواقع ممثل واحد لكل تشكيل سياسي، وعدد من الشخصيات الوطنية المستقلة التي كانت معايير اختيارها تخضع للمعرفة، والشائع..وواجه، منذ البداية، إشكالين متداخلين : حصة المجلس الوطني فيه، والتي دخلت ككتلة  بحدود الثلث، وإدخال ما يعرف بمندوبي المجالس المحلية كشكل جديد لم يكن الأعضاء أصحاب خبرة سياسية، أو تاريخ واضح في المعارضة .

ـ وحين لم يلتحق المحسوبون على هيئة التنسيق استقر العدد عند 63 عضواً، واصطدمت محاولات تعديل النظام الأساسي بما يتناسب مع تحالف سياسي بقصة الثلثين من الأصوات مما شكّل أول أهم العقبات التي منعت نأسسته، وتطويره، وفتحت الباب لنوع من التأزم المضاف إلى أزمة المعارضة والعمل الوطني.. وتحت الشعور بأهمية شمولية التمثيل لبعض القوى السياسية، ورفع وجود المرأة فيه بما لا يقل عن %20 كانت حكاية الحراك الثوري تفتح الأبواب واسعة لتعريف هذا الموصوف بدقة، وصعوبة حصره..وضمن الظروف غير الطبيعية لما يعرف ب"التوسعة" دخل الإئتلاف ما يقرب نصف عدده/51/ عضوا مما يعرف بالقائمة الديمقراطية والحراك الثوري وممثلي الأركان، ثم /11/ عضوا من المجلس الوطني الكردي.. فأثقل الإئتلاف بواقع عدم وجود إضافات نوعية، وبات صعباً مأسسته، والتوصل لآلية عملية في اتخاذ القرار، وفي معالجة أزماته ..

ـ اليوم يواجه مؤتمر الرياض العلل إيّاها، إن كان لجهة عدد، وخلفيات المندوبين، أو للطريقة التي دعوا فيها، والتي لم يكن للسوريين أي دور مهم في القرار، ولا في تحديد الأسماء، ولا المخرجات، خاصة ما يتعلق بفكرة الهيئة التفاوضية العليا، وعددها، ونسب تمثيلها، ومهامها، ومستقبلها. ورغم حشد 115 عضواً جاء كثيرهم تحت عناوين المستقلين..إلا أن التمثيل يبقى ناقصاً، وهناك قوى، وشخصيات وطنية مهمة لم تدعَ، وكذلك في نسبة تمثيل المرأة..الأمر الذي يبقي الباب مفتوحاً لمحاولات التوسعة، ولتذمر الكثير، ولأحكام البعض السلبية، والمسبقة ..

                                                           ***

إشكالية الثورة السورية : بدءاً، وعلى امتداد مسار سنواتها في عدم وجود قيادة مسبقة لها، أو متولدة من صلبها، وما شهدته من تشكيلات، وبروز عناصر على لسطح بفعل عوامل مختلفة، وحركة المنشقين بما لها وعليها، ومؤثرات دوائر النفوذ، والقوى الإقليمية والدولية، وبنية المعارضة التقليدية المتصفة على العموم بالشيخوخة، والانفصام عن الأرض والأجيال، ومحدودية الفعل على الأرض، وما فعله العمل المسلح من انزياحات في مضامينه، وقواه، وفي إضعاف الجانب السياسي، وانسداد أفق الحل السياسي، وما تعرفه البلاد من دمار منظم، وبعد الانفراج، والنصر...

جميعها عوامل متداخلة تبرز قوية في التشكيلات والهيئات القائمة..لدرجة أن البعض يمكن أن يولف تشكيلة من بضعة أفراد ويطلق عليها اسماً كبيرا لدخول ميدان المنافسة والمشاركة، في حين أن تصنيف المعارضة المستقلة بات أصعب الأمور المطروحة، وصولاً إلى منسوب من الصدقية، والعدل .

ـ عبر ذلك كله، ومن خلال الأداء الضعيف للإئتلاف..وبقية التسكيلات المعارضة.. لم يستطع السوريون أن يكونوا طرفاَ رئيساً في المعادلة التي تخصّ بلدهم، وقبلوا على التواؤم مع متطلبات ومشاريع الآخرين..الأمر الذي قاد إلى تدويل المسألة السورية، وضعف الجانب الوطني..

ـ ورغم وجود شخصيات، واصوات وطنية مهمة تدعو إلى استعادة القرار الوطني، وإلى بلورة وتجسيد مشروع وطني يكون منطلقاً وأساساً للتعامل الندّي مع الأشقاء والأصدقاء، إلا أن الأثر الجمعي لهؤلاء ضعيفاً، ودون المطلوب، وتلعب فيه حالات التفرقة، وضعف الأداء، والتنهيج، والتنسيق، ومنسوب الضغوط، والاحتياجات المتعددة للدعم، والتمويل، والحضور.......

ـ مؤتمر الرياض حقق نتائج إيجابية مهمة ولا شكّ في تكريس ما يشبه المصالحة، أو التوافق بين عديد تشكيلات وهيئات المعارضة، وتوصل إلى التوقيع على بيان جيد يلتزم بثوابت الثورة ولو عبر صياغات لبعض الأفكار والثوابت، يمكن أن يؤولها البعض بشكل مختلف.. كما جرى التوافق على تشكيل الهيئة التفاوضية العليا.. وسيادة جو إيجابي بين الجميع، وتعارف الكثير على بعضهم، وآرائهم وخلافاتهم وتبايناتهم.. وما يقومون به من حوارات، وفي حضور عدد مهم من ممثلي الكتائب والقوى المسلحة وقبولهم بالحل السياسي، ومشاركتهم الآخرين في الحوارات والنقاشات التي جرت..

ـ لكن نقائص عديدة تحيط بمؤتمر الرياض : تاسيساً، وبنية..ولئن كان من المبكر إطلاق الأحكام على التجسيد، وعلى المسار.. فالأكيد الأكيد أن مصير هذا الجسم الجديد يرتبط بالقادم..اي : هل هناك تسوية سياسية ستحدث في الأفق؟؟.. وكيف؟.. وعلى أية أسس؟.. وبأي ميزان للقوى ؟؟..

ـ وهل يكون بديلاً للإئتلاف.. كما يطمح ويتمنى البعض؟..أم سيبقى مقتصراً بالتسوية السياسية ـ إن حدثت ـ وتبقى مرجعيات المشاركين هي الجهات التي جاؤوا، واختيروا منها ؟؟..

ـ ويبقى السؤال الأهم : هل يمكن لهذا التشكل، وغيره أن يستلهم روح الوطنية السورية العريقة فيمسك ويتمسّك بها، ويعمل بوحيها ومقتضياتها ؟؟...

وسوم: العدد 646