قد علمنا أن لافروف يفاوض بصدق عن بشار الأسد .. كيري يفاوض عن من ؟!

يبدو أن المشهد على الساحة السياسية السورية لم يعد يحتاج إلى الكثير من التحليل . فكل شيء أصبح واضحا بل متعريا بطريقة تثير ما هو أكثر من الارتياب ، هذا لمن أراد أن يواجه الحقيقة وليس أن يتهرب منها ...

لم ينفضّ سامر ( المجمَّعين ) في الرياض حتى فوجئ الرأي العام والخاص بتعليقين مهمين . أحدهما من لافروف يقول فيه : ( كل ما قالته العرب باطل . حتى يتم تسمية الإرهابيين خيطا خيطا وشعرة شعرة وعزلهم عن المشهد السوري ) . وطبعا تسمية ( الإرهابيين ) الذي يومي إليه لافروف هي التسمية بالمعايير الروسية ، التي هي نفسها المعايير الأسدية ، كل من حمل السلاح ضد بشار فهو إرهابي ببعض المناورة والتحريف ( راجع تصريح بشار الأسد للإعلام الإسباني ) . وكان التصريح الصادم الآخر هو تصريح السيد كيري عن تجمع الرياض نفسه: ( ما تم في الرياض جيد ولكنه غير كاف وهناك نقطتان إضافيتان لا بد من تسويتهما ) . الأكثر إثارة للريبة أن كيري لا يفصح عن حقيقة النقطتين ، ولعلهما مما يستحيي الناس من المجاهرة بذكره ، وأنه أي كيري لا يرى أن هذا الفريق (المجمّع ) في الرياض أهلا لخطابه فيعد الرأي العام أنه سيبلغ المطالب الجديدة للأشقاء في السعودية ليقوموا بدورهم بإبلاغ الأمر إلى منفذيه . ولا ينسى كيري أن يعلن للملأ عن ثقته بأن الرهط البضعة والثلاثين لن يردوا له أمراً..

ولو ألقى معاذيره

أستمع بتركيز شديد ، وأقرأ بتركيز أشد ، إلى معاذير الذين انساقوا وفرطوا وضيعوا . وأعلم أن لبشار الأسد أيضا معاذيره النفسية ( وليس الأخلاقية أو العقلانية ) في كل ما يفعل . بل إن كل الذين يرتكبون الجنايات ( وإن شئت قرأتها بالخاء ) يملكون معاذيرهم أيضا . وسرد هذه المعاذير هي بعض تقنيات العمل الروائي . حيث يعمد الروائيون المبدعون إلى قراءة التبريرات النفسية لخيارات أبطالهم، شائنة كانت أو بطولية .

ومن هنا يأتي الإصرار في عالم السياسة على قراءة الحدث وتقويمه بمدخلاته ومخارجه العملية ، وليس ببواعثه ونوايا أصحابه . فلا أحد يقوم الفعل الداعشي بنوايا أصحابه ، ومهما يكن من أمر فقد كان أقل المطلوب أن نسمع تعليقا من السادة المعنيين بكلام كيري على ما قال . فالسكوت في معرض البيان بيان . وصمتهم يعني أنهم ينتظرون التعليمات الجديدة للامتثال .

الأبعد توضيحا لحجم المأساة أن كيري بعد أن تلقى حزمة ( المعطيات ) التي تم إنجازها في (تجمع ) الرياض وعد بالانطلاق بها إلى موسكو للتفاوض حولها . فهل هناك صورة أكثر تعبيرا عما آل إليه الوضع في بلدنا سورية . لافروف – كيري هما أصحاب القضية والوكلاء عليها !! وإذا صح هذا بالنسبة لبشار والروس الذين أصبحوا محتلين للأرض السورية ، وتولوا مهمة القتال الميداني عن بشار الأسد ، بعد حرب سياسية ودبلوماسية في الدفاع عنه على مدى عمر هذه الثورة ، فهل يصح هذا بالنسبة للثورة السورية وللشعب السوري وكيري ، كيري الذي خذلت إدارته الشعب السوري على مدى خمس سنوات ، وظلت متشككة ومشككة في ثورته وثواره وتطلعاتها وأهدافها ؟! وإذا صح أن يمضي هذا التوكيل بعض القوى اللواتي ...فهل يصح هذا من اللاتي ...؟!

ثم التقى بالأمس الثلاثاء الوكيلان في موسكو ، تفاوضوا اتفقوا ، في الحقيقة لا نعرف على ماذا اتفقوا ، واختلفوا وكذلك لا نعرف على ماذا اختلفوا، شكر بعضهم بعضا ، ابتسم بعضهم لبعض ، عقدوا العزم على لقاء آخر خلال ثلاثة أيام يستكملون فيه المباحثات للاستكمال والاستدراك ووضع اللمسات الأخيرة على مستقبل سورية وشعبها وأرضها ...

ثم بعد أن يتم تسوية كل شيء سيتم جمع الفريقين للتوقيع . قد يحدث نوع من الشغب قبل التوقيع . قد تحرض إيران بشار الأسد على التمرد . وقد يلجأ البعض إلى المناورة والمداورة . ولكن في النهاية سيكون مهمة المجمعين هؤلاء البصم على ما يقرره المقررون . البصم في تاريخنا المدني سابق مرحلة التوقيع . والبصمجية في تاريخنا السياسي يحتلون ذرى المنابر منذ عقود ...

ليبقى السؤال المحرج القائم هو : هؤلاء الملايين من السوريين الذين قتلوا واعتقلوا وشردوا من يمثلهم . هل يمثلهم كيري بحق وبصدق كما يمثل لافروف بشار ؟! أو هل يمثلهم هؤلاء الذين أقصوا حتى ( اسم الله ) عن وثيقة رؤيتهم فرفضوا أو عجزوا أن يفتتحوها ( باسمك اللهم ...)

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 646