أيها السائرون في ركاب.. تزيلوا

إن أكبر خطر يهدد الشعوب ومصير ثوراتها ومستقبل مشروعاتها بأبعادها الوجودية والحضارية هم الأشخاص الذين يتقدمون الصف الوطني ونفوسهم مطوية على استعداد أولي للسير في ركاب . و( السير في ركاب ) كناية عربية معبرة بالغة الدلالة تشير إلى الرجل لا يملك القدرة الفطرية على ( القيام وحده ) ، وتحمل همّ قومه ، وأعباء مشروعهم ؛ وهو مع علمه بحاله يفرض نفسه عليهم ، ويحرص على التقدم أمامهم. السائر بالركاب ، أو الممسك به يأنس دائما ليكون في كنف آخر يستمد منه ، ويرهن نفسه لإراداته وإشارته . يقعد إذا قعد ، وينهض ‘ذا نهض ويسير إذا سار ، ويقف إذا وقف . يرضى إذا رضي ، ويغضب إذا غضب ، ويحمى إذا حمي ويثاقل إذ يثاقل ؛ فكأن الأول هو الفارس الذي يمتطي جواد القرار ، والسائر في ركابه هو التابع الذي يمسك بحزام ( الركاب ) . يعدو مع الفارس وجواده أينما اتجه وحيثما سار .

إن من حق هذه النفوس ( التابعة ) أو التي تستقوي بالتبعية ، وتأنس بها أن تنحاز، لو ملكت بعض التواضع والصدق من طريق الناس، وأن تكف عن السمسرة بآلامهم وآمالهم ، واللعب بحاضرهم ومستقبلهم .

والأقسى في الأمر أن تجد قوما ( يمسكون بركاب قوم ممسكين بركاب قوم آخرين ) . حسب تعليقة الأعشى ( عُلقتها عرضا وعُلقت رجلا غيري وعُلق أخرى غيرها الرجلُ . وعُلقته أخرى لا تلائمه ومن بني عمها ميت بها وهلُ .)

 الممسكون بالركاب ضعفاء في أنفسهم أصحاب جرأة وعرامة على من يليهم ، هم طامحون يجدون من الجهل والعصبية روافع ترفعهم فيرتقون ويدندلون . ولا يعدم الممسكون بالركاب هؤلاء من منطق تسويقي يسوّقون به بضاعتهم من الذلة والمهانة والتبعية والتبار في عصر أصبح فيه الإعلام التسويقي كالتسويق الإعلامي علما له قواعده ومدارسه ورواده والمشتغلون به وعليه.

وأبشع ما تكون عمليات التسويق هذه عندما تتم على حساب مجاهدين كالأنجم الزهر قبضوا على الجمر ، ووضعوا دما على كف ، وأثبتوا قدما في مستنقع الموت ، ومضوا إلى غاية آلوا على انفسهم أن تكون الأكمل والأجمل والأتم والأرقى ..

إن ما نتابعه في ساحة الثورة السورية اليوم من تتايع أشخاص وأقوام في طريق الدنية ، يُسرون حسوا في ارتغاء ، ويجعلون أنفسهم دائما قضية الثورة ، وهدف حراكها ، عيونهم شاخصة أبدا إلى مقعدهم في دائرة التضييع والتمييع والخذلان ، أو إلى مقبض يدهم من الركاب المتحول يخصم موقفهم أبدا قول الله تبارك وتعالى (( فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ )) ؛ يجعلنا نستشعر الخطر ، ونتحسس موضع المصيبة ، ونحن ندرك حجم ما يفرضه الاعتراف بحقيقة ما آل إليه الوضع في سورية من تبعات واستحقاقات وتضحيات . ثم نسمعهم على كل منبر يزمزمون ( الزمزمة صلاة المجوس على طعامهم ) ليس على فضح أساليب المكر وطرقه وخفاياه وما يمكن أن يدبر لشعب أعطى فما أكدى ، وجاد فما بخل ، وإنما على ما يرضي راكب الجواد ويطمئنه على أن لديه أتباعا يوثق بهم وبإخلاصهم وبقدرتهم على المطاوعة والملاينة لسد أي ثغرة يراد منهم سدها .

لم يترك الماكرون والخاذلون للشعب السوري خيارا . وعلى الممسكين بركاب المجتمع الدولي أن يستقلوا بأمرهم ويتحملوا مسئولياتهم أو يتزيلوا من طريق هذه الثورة وطريق رجالها . وأن يذكروا بعض ما حُفظوا فلم يحفظوا ..

وإذا لم يكن من الموت بد .. فمن العجز أن تموت جبانا

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 648