موقفنا من المفاوضات القادمة يتحدد من أهدافها

براءة من المفاوضات ... براءة من المفاوضين

بغض النظر عن رعاة المفاوضات القادمة ، وعن الداعين إليها ، وعن فريق التفاوض والمشاركين فيه ، والمشترطين عليه ، يستطيع العاقل الرشيد أن يحدد موقفا من المفاوضات التي يدعو إليها الأممي ، ويرعاها الروسي على ضوء الأهداف الرسمية المعلنة والمعتمدة لهذه المفاوضات ، والتي سيسعى المفاوضون من كل فريق إلى تحقيق سقف مطالبهم منها .

حسب الصيغة التي ما زال يطرحها الروسي والأسدي ومشايعوهم هدف هذه المفاوضات هو الوصول إلى صيغة حكومة وحدة وطنية موسعة ، يجد فيها بعض الملهوفين على كرسي غايتهم .

ولفظة ( موسعة ) في قولهم حكومة ( وحدة وطنية ) تؤكد أن الفريق الأسدي يؤمن أن الحكومة القائمة في سورية اليوم هي حكومة وحدة وطنية ، وأنهم لا يمنعون أن يوسعوا لعدد من المشاركين جديد ..

ومن حيث المبدأ لم يوافق فريق بشار الأسد على غير هذا الهدف ، وهو متمسك به ، ولم يستطع كوفي عنان ولا الأخضر الإبراهيمي ولا ديمستورا أن ينتزعوا من مفاوضهم العنيد أكثر منه ، كما لم يستطع كيري أن ينتزع من لافروف غيره...

وفي المقابل يلوّح الذين يحاولون أن يجروا المفاوضين المعارضين من قرونهم إلى المذبح بالحديث عن مفاوضات تهدف إلى الوصول إلى ( هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة ) تتولى إدارة شؤون البلد والانتقال به إلى صيغة أخرى من الحكم ، في ظل وجود كل مؤسسات الدولة القائمة وأدواتها ...

في علم السياسية أول سؤال يطرح نفسه ما هي المرجعية ( القسرية ) أو ( القصرية ) أو ( السلطوية ) أو ( الإكراهية ) للصلاحيات الكاملة التي يزخرف بها المزخرفون ( الهيئة الموعودة أو الموهومة ) ؟!

كيف ستصارع هذه ( الهيئة ) الوطنية الوليدة شجرة الشر والفساد المتجذرة في الدولة السورية منذ نصف قرن ؛ مع إصرار مسبق أعلن عنه وليد المعلم على المناورة والالتفاف والإغراق في التفاصيل ...؟!

هل الأمم المتحدة أو المجتمع الدولي أو القوى الصامتة على المأساة السورية الكبرى فيه مستعدة للتدخل في أي لحظة للدفاع عن ( صلاحيات الهيئة ) المعنية الكاملة في حال نجح المفاوضون في تحقيق سقف تطلعاتهم وشكلوا هيئة من صقور صقورهم ...؟! ولو كان هؤلاء يريدون التدخل لتدخلوا لرفع الحرج عن أنفسهم يوم مجزرة السارين ، أو للدفاع عن هيبتهم الدولية يوم داس الروسي في تركية بساطهم ...

يرد علينا بعض المتسيسين الجدد بأنهم لا يختلفون علينا في أي كلمة مما نقول ، وأنهم يعلمون كما نعلم أن ( المفاوضات ) في 25 / 1 / 2016 إن حدثت فهي جولة في مسلسل لعبة دولية يلعبها الآثمون حول سورية وهم يشعرون أن عليهم أن يلعبوها ...

وهنا يدخل جدالنا معهم حلقة الجد ...

فإذا جاز لكل دول العالم ، من أعداء الشعب السوري ، ومدعي صداقته ، أن يلعبوا على الدم السوري ، وأن يعبثوا بجراح السوريين ؛ فهل هذا جائز أو مقبول من الذين يزعمون أنهم يمثلون هذا الدم ، ويداوون هذه الجراح ...؟!

الوقت في سورية من دم . والمتساهلون بالوقت هم متساهلون بالدم .

 والمتساهلون بالوقت لا يملكون أولويات حقيقية يعملون عليها . ولو كانوا يملكونها لما وجدوا وقتا لمباراة عبثية سيحاول فيها فرسان الكلمات عرض مهاراتهم ، وتسجيل تفوقاتهم في جدلية ( قالوا وقلنا ) .

كل الذين يؤيدون المفاوضات القادمة ، حتى تحت عنوان إسقاط العذر ، وإقامة الحجة ، واللحاق بالكذاب إلى ما وراء الباب هم قوم من الفارغين أو العابثين أو المناورين . هم جزء من لعبة الدم والقتل والتشريد ضربها على شعبنا عجزهم وإخفاقهم وفشلهم المتراكم على مدى خمس سنين ...

براءة من العبث وبراءة من العابثين تعني براءة من المفاوضات وبراءة من المفاوضين ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد649