لقالوا لديمستورا : العين تطرقك ... روح فك الحصار عن المجوعين

يلتقي معارضون سوريون في الرياض من جديد . يلتقي هؤلاء المعارضون – يزعمون - على مستوى مجموعة التفاوض التي ستأخذ على عاتقها تمثيل المستضعفين من الشهداء والمنتهكين والمعذبين والمشردين وكذا الأبطال والثوار من السوريين . علما أن من بين هؤلاء الممثلين (الممثلين) من نظر خلال خمس سنوات إلى هذه الثورة كعمل عبثي ، وإلى هؤلاء الثوار كحمقى أو كإرهابيين وخارجين عن القانون ، وبينهم من سل عليها سيف لاءاته المقدسة التي لم تنسخ ولم تقيد ولم تخصص رغم كل المستجدات والمتغيرات والتطورات ...

يلتقي هؤلاء المعارضون تحت وقع القصف المكثف للطيران الروسي والأسدي على الشعب السوري ، والهجوم المحموم للقوات الإيرانية والحزبللاوية على المخيمات والأحياء وأماكن عيش المدنيين .

وبينما ينشغل الممثلون ( الممثلون ) في تنميق مفاصل الخطاب الذي سيتوجهون به إلى السيد ديمستورا ، تخرج علينا من مضايا ومن غيرها من المدن السورية المحاصرة صور الهياكل العظمية لللأطفال والرجال والنساء التي نجحت الحرب الدولية على ( الإرهاب ) في تذويب شحمهم وأكل لحمهم وتنقية عظامهم ..

 الشحنة الشعرية في عبارة بدر شاكر السياب منذ نصف قرن

 ( وفي العراق جوع ) أكبر من أن يقدرها إلا من يعرف من هو العراق وما هو الجوع ، وما معنى أن تقترن أرض السواد قبل أن يدر النفط فيها بالجوع . وبالمثل بل يزيد ما يمكن أن يعني لأهل الأرض أن ينادي المنادي اليوم وفي الشام ، بل في غوطة الشام جوع .

كيف لإنسان ، أي إنسان ، أن يتصور كيف يستقيم لبشر أسوياء ويزعمون أنهم سوريون ، وأنهم معارضون أن يفكروا ، تحت هطل صور الأبرياء المجوعين بلا حدود في فداحة الجرم وفي عدد الضحايا، بأي شكل من أشكال الشراكة مع هؤلاء الذين يتلبسون بالجريمة نظاما وأفرادا ..؟!

وإذا كان الحديث عن أي شكل من أشكال الشراكة مع المتلبسين بالجريمة هؤلاء غير مقبول لا من الأمريكي و لا من الأوربي و لا من الروسي ومن كل بشر سوي .. فكيف يمكن أن يكون مقبولا من المدعين للانتماء الوطني ، والحرص على الثورة ومصالحها وثوارها ؟! 

دائما للتفكير العاقل المستقيم ، بل للعقل الغرائزي الفطري أولياته وألوياته وبدهياته ومسلماته التي يحاول أن يقفز عليها اليوم هؤلاء الذين يتهيأون بعد أيام لمقابلة دي ميستورا الذي هان عليه وعلى من وظفه من أمر سورية كل شيء ، حتى أن يموت الأطفال من الجوع ، وأن يأكل الناس تحت حصار وكيلهم الذي يرفضون جميعا أن يتخلوا عنه وعن نظامه القطط والكلاب وما لا يؤكل من الحيوان والنبات .

إن الذين يعزلون أنفسهم ، أو يعزلهم الآخرون ، عن السياق اليومي المعاش للشعب السوري المحاصر والمجوع والمقصوف والمهدد والمهجر والمشرد ، ثم يريدون من شعب خرج على ظالمه الأول ، وتمرد عليه أن يقر لهم بالولاية ، وان يمنحهم الثقة ، وأن ينام على أيديهم أو يشرب من أكفهم هم مخدعون سذج أو مخادعون مراوغون ..

إن أي حديث عن أي حل سياسي في ظل القصف الذي يدمر ديارنا ، والحصار الذي يقضم أجساد أطفالنا ، والاحتلال الذي يساومنا على حرية قرارنا ، والاعتقال الذي يحاول كسر إرادة إنساننا ، والتشريد الذي يعبث بوجودنا وكياننا هو حديث خرافة عبثي لا يلعب لعبته إلا بشار الأسد وأشكاله من المهوسين والممسوسين ..

وستسجل جريمة حصار السوريين وتجويعهم على النحو الذي بات يعرفه كل مسئول في هذا العالم جريمة ضد الإنسانية يرتكبها ليس فقط الذين ينفذونها على السوريين بل كل المتواطئين والصامتين عنها ، وكذا كل المتشاغلين عنها بلعبة ( القيل والقال )

من حق هؤلاء الذين يستعدون لاستقبال ديمستورا بعد أيام أن يقولوا له : العين تطرقك اذهب ففك الحصار عن المجوعين قبل ألحديث عن أي شراكة من المجرمين .

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد649