لا تؤكل الأموال بالباطل في دين الإسلام فهل تقاعد الوزراء ونواب الأمة باطل؟

من المعلوم أن تصريح البرلمان المغربي بأن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام يلزم المغاربة بالالتزام بأحكامه . ومن أحكامه أن الأموال لا تؤكل  بين المنتمين إليه بالباطل مصداقا لقول الله عز وجل : (( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم  وأنتم تعلمون )). وبمناسبة خوض الرأي العام الوطني في  ما يتقاضاه الوزراء والبرلمانيون بعد انتهاء مدد انتدابهم مما يسمى تقاعدا  لا بد من استحضار أحكام الإسلام  بخصوص أكل الأموال. فالأموال في الإسلام  إنما تكتسب بالكدح  والسعي وبذل الجهد ، الذي يجعل أكلها بالحق خلاف اكتسابها دون كدح وهو ما يجعل أكلها باطلا . و مفهوم الأموال في الإسلام واسع الدلالة ، وهي كما يقول  المفسر الطاهر بنعاشور ما بقدره يكون قدر إقامة نظام معاش الناس في تناول الضروريات والحاجيات والتحسينيات ، والأموال عنده  ثلاثة أنواع : نوع يقوم نظام المعاش  به لذاته كالطعام ،ونوع به يكمل النوع الأول كالأرض التي تزرع ، ونوع ثالث يسد مسد العوض عنه وهو العملة أو النقد . ولا يعتبر المال مشروعا في الإسلام إلا إذا حصل بكدح أو ضرب في الأرض، وهو السعي  وبذل الجهد المستحق للحصول على مقابل من المال . وأكل الأموال بالباطل بين الناس في الإسلام هو الحصول عليها دون كدح  أو جهد مقابل لها . وقوله تعالى : (( وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون )) له تفسيران عند المفسرين، ذلك أن الإدلاء قد يكون عبارة عن تقديم تبريرات من أجل الحصول على أموال غير مستحقة ، وقد يكون تقديم رشوة للحصول عليها ، ويكون الأمر في الحالتين متعمدا وعن سبق إصرار لقوله تعالى  : ((بالإثم وأنتم تعلمون )) بحيث يقدم الآكلون أو آخذو المال على أكله أو أخذه بغير وجه حق عمدا وهو إثم ،والإثم عمل ما لا يحل شرعا . فإذا ما كان الإدلاء عبارة عن تحايل على القانون من أجل إضفاء المشروعية على أكل الأموال، فإن الإسلام يتبرأ منه لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين اختصم لديه خصمان وقدم كل منهما حجته : " ألا إنما أنا بشر وإنما يأتيني الخصم فلعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له ، فمن قضيت له بحق مسلم ،فإنما هي قطعة من نار فليحملها أو ليذرها " وهذا يعني أنه من تحايل على أخذ مال الغير بحجة ملفقة ، فإنه إنما يقتطع لنفسه قطعة من نار جهنم . ومما قاله  قتادة  في هذا الصدد ما يلي : " اعلم يا ابن آدم أن قضاء القاضي لا يحل لك حراما ،ولا يحق لك باطلا ، وإنما يقضي بنحو ما يرى ، وتشهد به الشهود ، والقاضي بشر يخطىء ويصيب ، واعلموا أن من قضي له بباطل أن خصومته لم تنقض حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة فيقضي على المبطل للمحق بأجود مما قضى للمبطل على المحق في الدنيا " . وأما إذا كان الإدلاء رشوة تقدم لمن يقضي بين الناس في خصوماتهم المالية فالأمر أدهى وأمر بالنسبة للراشي والمرتشي وحتى الرائش بينهما حيث يقتطع كل منهم  لنفسه قطعته المستحقة من نار جهنم  بما ارتكب من إثم متعمدا وهو على علم تام بذلك . وتكون العقوبة أشد وأقسى حين يكون المال مال الله عز وجل كما جاء في الحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة " والتخوض هو تكلف الخوض أي التصرف في مال الله بغير وجه حق . والمال العام مال الله عز وجل لارتباطه بالمصلحة العام ، و الذي اشترط في أخذه أن يكون بحق لا بباطل . ومما يؤكد ذلك موقف  رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن اللتبية وهو من الأزد وقد كلفه بجمع الزكاة ولما قدم قال : هذا لكم ، وهذا أهدي إلي ،فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ، فحمد الله عز وجل ، وأثنى عليه ثم قال : " أما بعد ، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول: هذا لكم ، وهذا هدية أهدي إلي ، أفلا جلس في بيت أبيه أو أمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا ؟ والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله يحمل بعيرا له رغاء ،أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه فقال : اللهم هل بلغت " قالها ثلاثا . ومما يستفاد من هذا الحديث أنه من استعمل على عمل مهما كان فجنى منه مالا أو امتيازا غير مستحق ولا يقابله كدح أو جهد، ولا يدخل ضمن ما خصص له من أجر مقابل عمله فإنه سيطوق يوم القيامة بين يدي الله عز وجل ما أخذه باطلا ودون وجه حق على الحال الذي أخذ به  سواء كان جملا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ... أو سيارة لها هدير أو بنزين له لهب ، أو غير ذلك  . وبموجب هذا الحديث لا هدية تهدى من المال العام  وهو مال الله لمن يستعمل على عمل من أجل الصالح العام  . وبقي أن نعود إلى قضية تقاعد الوزراء والبرلمانيين ونتساءل عن مشروعيته  وقد انتهى استعمالهم كوزراء أو كنواب  يمثلون الأمة . فإذا ما جاز أن يتقاضى الوزراء والنواب أجورا مقابل ما يقدمونه من خدمة للأمة، فهل يحق لهم أن  يتقاضوا معاشات بعد انتهاء مدة خدمتهم ، وهي مدة لا تدوم مدى العمر بل هي سنوات معدودة بالنسبة للنواب ، أما بالنسبة للوزراء فقد لا تدوم كمدة انتداب النواب . ومعلوم أن التقاعد هو اقتطاع من أجور المستعملين أو الموظفين أثناء ممارستهم لأعمالهم ووظائفهم، فهل يقتطع من أجور الوزراء وأجور البرلمانيين كما يقتطع من أجور غيرهم بقصد التقاعد ؟ أم أن الأمر لا يختلف عما توهم ابن اللتبية من أنه يستحق الهدايا بسبب ما استعمل عليه . فإذا كان الوزراء والنواب يسلكون مسلك ابن اللتبية الأزدي فيقتطعون لأنفسهم تقاعد بعد انصرافهم إلى بيوتهم أو بيوت آبائهم أو أمهاتهم فقد حسم رسول الله صلى الله في الأمر وحذر من أخذ هدايا بسبب القيام بالمهام والوظائف من غير الأجور المستحقة أثناء الخدمة أو الاستعمال لأن ذلك من أكل الأموال بالباطل  والله ورسوله أعلم.

وسوم: العدد 650