بصراحة ...

بصراحة لم يفاجأني قرار الهيئة العليا للمفاوضات بقبول الذهاب لجنيف، ولو بعد ذلك التصعيد الذي حدث، ورفع سقف المطالب، ومحاولاتها التمسك عندها درجة التهديد بالمقاطعة التامة..

لقد تحدثنا، وتناقشنا طويلاً، وفي دوائر مختلفة، وعلى مدار أيام كثيرة..أن الموقف المعبر عن روح الثورة وأهدافها، المهيّأ لتحمل الضغوط، والنتائج السلبية التي ستنجم عن قرار المقاطعة، ومواجهة الضغوط المختلفة..تحتاج لتوفير مقومات حقيقية، بعيداً عن الشعارات النارية، والرغبات الصادقة، والأماني الوطنية، الصادقة ..

أولها وأساسها : أوضاعنا الداخلية في عموم الميادين، خاصة لجهة مدى ترتيب أوضاعنا في الإئتلاف ، ومدى قدرته على الإسهام في قيادة عملية من هذا المستوى، وواقع العمل المسلح لجهة تعدد الفصائل وما بينها من خلافات وتناقضات من جهة، والعجز عن توحيد عملها في غرفة عمليات واحدة، وتحت إمرة قيادة معنية قادرة على وضع استراتيجية وتكتيك المواجهة ضد الاحتلالين : الروسي الإيراني، والنظام، وعلاقة تلك الفصائل بالقيادة السياسية ومدى مستوى التنسيق، والإيمان بضرورة وجود موقف واحد منبثق من جوهر أهداف الثورة التي انطلقت لتحقيقها، وصولاً إلى القناعة بوضع نفسها في إطار قيادة سياسية مقتدرة، ناهيكم عن العلاقة بالميدان بكل جبهاته وتفرعاته .

ـ وثانيهما : مستوى علاقاتنا بالدول الشقيقة والصديقة، وهل وصلنا إلى تفاهمات واضحة الحدود، متفاعلة بين مصالح الشعب السوري وبين مشاريعهم ومصالحهم، وبما يعزز الوطنية السورية والقرار المستقل، ويساعد على اتخاذ قرارات أساسها : الثورة وتحقيق أهدافها، وما يعنيه ذلك من تقديم العون اللازم لبناء ميزان قوى حقيقي يردّ على العدو، دون التدخل الضاغط لبناء مواقف مغايرة .

                                               ***

لقد تناقشنا مراراً بواجب، وأهمية، وضرورة أن يكون لنا برنامجنا وتكتيكنا الذي يضع مروحة الاحتمالات، جميعها، على طاولة البحث لاستنباط ردودنا، وما يمكن فعله في جميع التقلبات، وإزاء الضغوط التي ستمارس علينا بأشكال وخلفيات مختلفة، وبدائلنا في حالات المشاركة، وسقوف، وألوان تلك المشاركة، وكذلك الأمر في حال المقاطعة، أو ممارسة حقنا في الضغط لانتزاع بعض حقوق شعبنا الإنسانية التي لا بدّ منها كمدخل لولوج أية عملية سياسية حقيقية، وليس مجرد محادثات، ومشاورات ، أو مفاوضات يجري التلاعب بها، وبالمصطلحات وما تحمل من دلالات .

ـ لقد زحمتنا، وزاحمتنا أوضاعنا المُربكة، فلم ننجح في إعداد أنفسنا لشتى الاحتمالات وفق مستلزمات كل موقف، أو تناوب في التكتيك الضروري، وفي التوصل لرؤى مفصّلة، وإعداد أوضاعنا في كل ميدان، خاصة وأن من يدرس ويحلل مسار الأمور، وحكاية الحل السياسي منذ الاتفاق الروسي ـ الأمريكي على انتزاع السلاح الكيماوي، فالتدخل الروسي الاحتلالي وأهدافه، وبيان فيينا 1، وفيينا 2 فالقرار 2254 كان عليه أن يستخلص المواقف مسبقاً، وان يتعامل معها بواقعية تتجه نحو بناء ميزان قوى بديل، ونحو تجسيد العديد من المهام، والأفكار التي جرى تداولها مراراً، كي يمتلك فعالية الردّ، والرفض، والضغط، والمقاطعة، أو المشاركة ..

ـ بين الوقائع الواضحة، ومحاولة تصليب المواقف، والاستناد إلى شعبنا وتأييده..رفعت الهيئة العليا للمفاوضات السقف كثيراً، واختلطت الأمور بين شعبوية تبحث عن تأييد، ومحاولة ممارسة تكتيك الضغط لفصل الإنساني عن السياسي، وظهر للكثير أن الهيئة في طريقها للمقاطعة طالما لم تتحقق بعض الأمور ـ المدخل، خاصة البندين 12، و13 من القرار الأممي الخاصين : بفك الحصار وحرب التجويع، والسماح بقوافل الإغاثة ضمن ممرات آمنة لها، ووقف قصف المدنيين، واعتبار حمايتهم شرطا لازماً..وكانت جميع الإجابات الواردة من المبعوث الأممي، ونائب الأمين العام للأمم المتحدة، ووزير الخارجية الأمريكي.. تطلق وعوداً لم تجد ترجماتها على الأرض..

ـ في مناقشاتنا المختلفة طرحت رأيي منذ البداية وبوضوح.. أننا ووفق جميع المعطيات، والأوضاع يجب أن نعدّ أنفسنا للمشاركة المترافقة مع العمل في محورين : تعزيز أوضاعنا الداخلية في جميع المجالات، وسدّ الثغرات والفجوات داخل الهيئة العليا للمفاوضات لتبقى متماسكة تحول دون وجود انشقاقات محتملة، أو خروقات تكون لها تداعياتها، ومعرفة حدود موقف الأشقاء والأصدقاء، وهل هم معنا في حال المقاطعة، أو عدم المشاركة، وهل هم مستعدون لتحمل معنا بعض الضغوط التي ستُمارس علينا؟.. ومدى إسهامهم الفعلي في ترتيب أوضاعنا البديلة ..

وأننا نذهب متمسيكن بثوابتنا المعروفة، فإن سارت الأمور باتجاه إيجابي ندخل المفاوضات ـ شرطاً ـ محددا ومنطلقا من قرار جنيف 1، خاصة لجهة تشكيل الهيئة الحاكمة الانتقالية بصلاحيات كاملة، فإن لم تسر الأمور بهذا الاتجاه ننسحب فوراً، ونعلن للملأ الحيثيات والتفاصيل .

ـ نحن نعلم ـ وفق جميع المعطيات المتوفرة ـ أن النظام لن يقبل بأي عملية سياسية تؤدي لأنهائه، وأن حلفاءه، خاصة الروس يعون ذلك، ويعملون على إطالة حكمه حتى عام ونصف على الأقل، بما في ذلك طرح ترشيحه لانتخابات رئاسية، وأن المناخات ليست إيجابية، والاحتلال الروسي لا يخفي أهدافه في سحق قوى الثورة لخلق ميزان قوى على الأرض يفرضه على المعارضة، ويجبرها : إما على الإذعان والقبول  بالواقع، أو رفضه، ومحاولة تحميلها مسؤولية " فشل" المفاوضات، والعملية السياسية .

ـ وحين صعّدت الهيئة العليا للمفاوضات سقف مواقفها وشروطها..لاقت تأييداً شعبياً واسعاً اعتبرته استناداً رئيساً لها في مواصلة الثبات على مواقفها.. إلى درجة أن قبولها حضور جنيف بدا للكثيرين وكأنه سقوط حر مخالف للتوقعات والمقدمات.. في حين أن من يعرف الأوضاع، ومستوى الضغوط المتنوعة كان يدرك أن لذلك السقف سقفه، وأن أوضاع الهيئة لا تسمح بالتشدد المفضي للمقاطعة، وأنها ستتعرض لضغوط كثيفة، وستقدّم لها الوعود الواعدة ، وتأمين ولو حضوراً فيزيولجيا في جنيف..

ـ الهيئة العامة التي نثق بجوهر مواقفها، والتزامها بالثوابت.. ستحضر وهي على مسافة من دخول القاعات، فإن تمّت الاستجابة للمطالب الإنسانية، ووضع المفاوضات على جدول الأعمال يمكنها أن تنتقل إلى تلك المرحلة، وإلا ستنسحب بعد أن تقوم بفضح ما يمارسه النظام وحلفائه من تعطيل وعدم التزام بالقرارات الدولية .

ـ في جميع الحالات : المطلوب كثير منا جميعاً هذه الفترة.. باتجاه تعزيز صفوفنا، وتحسين أدائنا، وإصلاح أوضاعنا في مختلف المجالات ..

وسوم: العدد 653