أمر ملكي لوزيري التربية والأوقاف للتنسيق فيما بين الوزارتين من أجل صيانة تربية الناشئة الدينية من عبث العابثين

إن هذا الأمر الملكي في هذا الظرف بالذات يعكس مدى القلق من الأخطار المهددة للتربية الدينية للناشئة المغربية ، وذلك بسبب عدم اضطلاع الوزارة الوصية على الشأن التربوي، وتلك الوصية على الشأن الديني بوظيفتهما كما يجب. ومعلوم أن الناشئة المغربية تعاني من الجهل بالقيم الدينية وهي موزعة بين ناشئة متنكرة للدين وبين أخرى متطرفة فيه . وتوجد خلف التنكر للدين والتطرف فيه مرجعيتان تعبث بعقول وعواطف الناشئة ، ذلك أن المرجعية العلمانية تلقن الناشئة التنكر للدين والتجاسر عليه ،كما أن المرجعية المتطرفة في التدين تلقنهم التطرف المفضي إلى التكفير والتفجير والعنف والإرهاب. وتعرف الساحة المغربية صراعا إيديولوجيا ساخنا بين المرجعيتين العلمانية والدينية المتطرفة حيث تعتبر مواقفهما عبارة عن ردود أفعال فيما  بينهما ، فإذا تطرفت  المرجعية العلمانية في التجاسر على كل ما له علاقة بالدين ،جاءت ردود أفعال المرجعية الدينية المتطرفة بما يقابل هذا التجاسر من تطرف  وانغلاق ، والعكس صحيح أيضا .وتفعل المرجعيتان فعلها في مختلف  القطاعات بما  فيها قطاع التربية وقطاع الشأن الديني حيث يوجد فيهما متأثرون بها أو متعاطفون مع هذه أو تلك ، فعلى سبيل المثال لا الحصر يوجد داخل المؤسسات التربوية الثانوية والجامعية على حد سواء  عندنا من يربي المتعلمين على التطرف العلماني كما يوجد  داخلها من يربيهم على التطرف الديني  وتعكس ذلك الصراعات في الفضاءات الجامعية. وتصفي المرجعيتان حسابهما الإيديولوجي في المؤسسات التربوية على حساب الناشئة المتعلمة البريئة . فما معنى أن يسوق الأستاذ العلماني بضاعته الإيديولوجية بين  تلاميذه وطلبته في حصة دراسية ، في حين يسوق الأستاذ المتدين المتطرف بضاعة تطرفه بينهم في الحصة الموالية ؟ ويوجد هذا مع شديد الأسف بالرغم من وجود نصوص رسمية  تنص على تكوين المتعلم المتشبع  بدين المغرب الذي  هو الإسلام ،  بعقيدته السنية الأشعرية ، وبمذهبه الفقهي المالكي ، وبطريقته الصوفية السنية الجنيدية . ومع أن المدرسين من كلتا المرجعيتين يقرون  بهذه التعليمات الرسمية حين يوقعون محاضر الالتحاق بمهام التدريس ، وهو توقيع  دلالته القانونية الملزمة تعني قبول المهام المسندة إليهم ،فإنهم يضربونها عرض الحائط عندما يجدون أنفسهم وحدهم مع تلاميذهم أوطلبتهم في الفصول الدراسية ، وفي غياب المراقبة التي لا يمكن أن تلازمهم طوال الوقت . فهل سيفضي التنسيق الذي أمر به جلالة الملك  بين الوزارتين الوصية على التربية والوصية على الدين  إلى معالجة إشكالية صراع  المرجعيتين العلمانية والدينية المتطرفة ، والذي هو في تزايد مطرد ؟  ومعلوم أن معالجة الانحراف عن قيم التربية الإسلامية  لدى الناشئة خصوصا ولدى غيرها عموما إنما يكون بالقضاء على أسباب هذا الانحراف . ومن أسباب هذا الانحراف  الصراع الإيديولوجي بين العلمانيين وبين المتدينين المتطرفين . وواهم من يتحدث عن التطرف في الدين، ويهمل التطرف العلماني مع أن العلاقة بين التطرفين جدلية ، يؤثر كل منهما في الآخر . ولا يمكن الحسم في أمر التطرف عند جهة دون أخرى . فكما يتعين على المتدينين المتطرفين  التزام  الإسلام الوسطي الأشعري والمالكي والجنيدي  يتعين أيضا  على المتطرفين العلمانيين اللالتزام بذلك . فلا يمكن أن ينتقل المتطرف في الدين من التطرف إلى الاعتدال ، ويظل العلماني  على تطرفه لا ينتقد ولا يحاسبه . وصيانة الناشئة من الوقوع في شراك التطرف  الديني المفضي  إلى العنف والإرهاب اللذين باتا يهددان المجتمع الدولي برمته يبدأ من منع الجسارة العلمانية على  مشاعرهم  وقيمهم الدينية . والتسامح إنما يلقن للناشئة من خلال احترام مشاعرهم الدينية . فإذا كانت العلمانية  تستخف بالقيم الدينية ، وتدعو إلى إقصاء الدين من حياتهم،  فإنها تكون أول صانعة ومصدرة للتطرف الديني . فدفاع العلمانية على سبيل المثال لا الحصر عن التبرج وعن العري والصاية المنحسرة  عن الجسد الأنثوي هو السبب في  ظهور التشادور الأفغاني  والخمارالخليجي،  والعكس صحيح أيضا ، ودفاع العلمانية  عن الردة ،وعن الإفطار في رمضان ، وعن حرية الجنس ....هو السبب في الغلو في التدين، وفي ظهور التكفير حتى بلغ الأمر عند بعض المتطرفين حد تكفير من يقرأ القرآن جماعة ، ومن يصلي على النبي جماعة ، ومن يرفع أكف الضراعة  إلى الله  عز وجل جماعة ... وغير ذلك من  التصرفات الدخيلة على مساجدنا  والوافدة علينا وفود العلمانية . وعلى قدر تطرف وتجاسر ووقاحة العلمانية مع الدين  يكون التطرف في التدين ، والعكس صحيح أيضا . وشعار الحرية الذي يتسلح به العلمانيون لممارسة الحياة على طريقتهم وكما يحلوا لهم خارج سلطة الدين  هو نفس الشعار الذي يتسلح به المتطرفون في التدين ، الشيء الذي أفضى إلى سوء استعمال الحرية وإلى الفوضى في تأويلها . وكما تساند العلمانية العالمية  أتباعها ، يساند التطرف الديني العالمي  أيضا أتباعه، فينتج عن ذلك فتور الولاء للوطن، ويحل محله الولاء  للخارج العلماني أو للخارج المتطرف الديني . وما كان المغرب  يعرف من قبل سطوة  تيارات دينية  متطرفة ، وأخرى منحرفة ومخالفة لعقيدته  السنية ، وساعية لتمزيق لحمته الوطنية ، ولا كان يعرف تيارات متجاسرة على الدين بكل وقاحة ومخربة  لقيمه الدينية .وأخيرا نقول إن مراجعة مضامين المناهج الدراسية والمقررات الخاصة  بمادة التربية الإسلامية أو غيرها من المواد الحاملة للدين لتخدم الاعتدال في التدين تقتضي معالجة  الفكر المتطرف  بنوعيه العلماني والديني .، كما أن مراجعة الخطاب الديني  في المساجد يقتضي  أيضا معالجة الفكر العلماني المستفز للمشاعر الدينية والمولد للتطرف الديني الذي يجد التربية الخصبة للنمو والانتشار  في غياب خطاب الاعتدال الديني وغياب الوسطية أمام  المد العلماني المتطرف  الزاحف . ونأمل أن  تجد التوجيهات الملكية السامية آذانا صاغية لتدارك دين الناشئة  الضائع بين المتجاسرين عليه وبين المغالين فيه .

وسوم: العدد 654