خيارات دول الجوار السوري الصعبة، جيرة الروس و المتطرفين سنة أو شيعة

كلما اقتربوا من النهاية التي سعوا إليها ظهرت إليهم تقاسيم وجه الحقيقة أبشع

نجح الأمريكي أولا في إقناع قادة دول الإقليم جميعا أن تأييدهم للثورة السورية ، على غير الطريقة الأمريكية ، سيجعلهم يقعون ضحية الفوضى والتطرف ، ثم تم تجسيد هذه الفوضى والتطرف في صورة داعش والميليشيات السنية المتطرفة ، هذه الميليشيات التي حركها محركوها لتقوم بعدة تفجيرات في تركية ولبنان ، والتي أقدمت بكل قسوة ووحشية على إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة ؛ لترسل الرسالة الأسوأ إلى الشعب الأردني الشقيق ثم إلى الحكومة الأردنية وبقية دول المنطقة ،عن ماهية المستقبل الموحش الذي يحيق بالجيران جميعا ، فيما لو صار الأمر في سورية لأصحاب المخالب والأنياب هؤلاء ...

سارت جميع دول الإقليم وأخصها المجاورة لسورية ، والتركيز هنا على الدولة الأكبر والأثقل استراتيجيا ( تركية ) ، في ركاب الرؤية الأمريكية ، التي ظلت تتعهد ( بحل سياسي ) يغيب عن مرتكزاته بشار الأسد والوالغون معه في حمام دم السوريين . فلم تتقدم هذه الدول عن الخارطة الأمريكية ولم تتأخر عنها خطوة .

وظل المراهنون على الرؤية الأمريكية ، مع أنه ليس من السهل التقليل من قدراتهم المتميزة على الاستشراف السياسي ، ولا التقليل من حجم الخبرات المتراكمة لدى مؤسسات قرارهم عن طبيعة المكر والتقلب الأمريكي .؛ ظل هؤلاء مرتبطين بالقرار الأمريكي ، لا يتقدمون عليه بخطوة ، ولا يسبقون المتحدث الأمريكي بكلمة على أمل أنه سيخرجهم وسورية والمنطقة من الحالة التي باتت تشكل بالنسبة إليهم جميعا ورطة متعددة الأبعاد ، أبسط ما فيها مشكلة اللاجئين بكل ثقلها وأعبائها وتداعياتها على المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية .

 لا بد أن نعترف أن المشكلة الجيوسياسية في طبيعة النظام الذي سيحكم سورية من بعد ، بالنسبة لدول الجوار هي أكثر خطرا من كم من البشر المستضعفين الذين لا حول لهم ولا قوة ، والذين أكبر مشكلتهم أن تؤمن لهم وجبة طعام وعبوة دواء أو كرسي تعليم .

تهيبت دول الجوار كثيرا أن يكون جارها الفوضى أو التطرف الداعشي بأشد صوره أو بأخفها ، فاستسلمت لما ظنته الرهان الأمريكي على حل سياسي يحمي سورية من أن تبقى في يد مجرم عتيد طالما عانت منه دول المنطقة ولاسيما في تركية ولبنان ، أو أن تقع في ثقب الفوضى الأسود ، أو في يد التطرف الأعمى ؛ فيكون لهذه الدول من هذا أو ذاك أو ذياك أوفى نصيب .

سارت دول الإقليم جميعا مع القرار الأمريكي ، ولم تر في إطلاق الولايات المتحدة يد الميليشيات الشيعية المتطرفة في العراق وسورية أي نذير بشر أو سوء . وحين كانت ميليشيات حزب الله تفري فريها في رقاب السوريين ، ومعها أكثر من ستين فصيلا شيعيا ، وحين كان قاسم سليماني يتنقل على الأرض السورية كما يتنقل بين أصفهان ومازندران ، وحين كانت قوات الحشد الشعبي تقتل وتغتصب على أرض العراق الحبيب ؛ نجح المخادع الأمريكي في جذب أنظار العالم ، ومنها أنظار المتضررين الأوائل من دول الجوار ، عن خطورة الميليشيات الشيعية المنظمة والمدربة والموجهة من قبل قيادة مركزية ، وشغلها وشغل الرأي العام بحديث عن خطر مبالغ فيه أضعافا مضاعفة لتنظيم ( داعش ) ، دون نكران منا لخطورة هذه التنظيم ، فعقدت التحالفات ، وتحركت الأساطيل الجوية والبحرية لحرب هذه ( الميليشيا ) واعتبر كل ما تفعله الميليشيات الشيعية مقبولا أو على الأقل مسكوتا عنه لا يشكل خطرا ولا يستوجب حذرا ...

ثم جاء العدوان الروسي على الشعب السوري ، وبقدرة قادر استطاع القائمون بهذا العدوان أن يقنعوا دولا إقليمية ، وقادة عربا مشهودا لهم برؤيتهم السياسية وبحنكتهم وخبرتهم ، أن هذا العدوان إنما جاء ليقصم ظهر الإرهاب والإرهابيين ، فاسترسل هؤلاء القادة مع هذه الاحتلال ، وأغضوا حتى عن جرائمه على الصعيد الإنساني ، على أمل أن يجدوا على يده مخرجا لسورية من الذي هي فيه . يقول محللون إن إظهار بعض دول الإقليم الترحيب بالعدوان الروسي هو مجرد مكايدة للسياسات الأمريكية ، التي أذهلت العالم في انبطاحها الاستراتيجي العالمي والإقليمي . العالمون في بواطن الأمور يؤكدون أن تفسير الموقف الأمريكي بالانبطاح هو بعض السذاجة السياسية ، وإن ما يتلبس به الرئيس أوباما هو جزء من الحرب الاستراتيجية الأمريكية على ما سبق الرئيس الأمريكي نيكسون إلى تسميته ( بالخطر الأخضر ) . وأن الرئيس أوباما لسعيد جدا أن يجد أدوات مثل ميليشيات الولي الفقيه أو مثل المنافس الروسي تقوم بهذه الحرب القذرة بالنيابة عن الولايات المتحدة الأمريكية .

الجديد في الأمر ، وبعدما تكشفت عنه السياسة الأمريكية في موقفها من الحرب الطاحنة التي يشنها الروس على الشعب السوري ؛ أن دور الجوار السوري وجدت نفسها محاصرة بخيارات أشد سوء ...

فمع ما تعاني منه هذه الدول من محنة قاسية ، بوجود ملايين اللاجئين على كاهلها تجد نفسها مهددة اليوم بقوى من الجيرة الشرسة ستكون داعش في أقصى تطرفها أهون هذه القوى وأقلها شراسة وشرا ، لأن داعش تبقى عدوا محترقا عالميا تتعاون عليه وتتهدده كل دول العالم .

بينما الجار الروسي الجديد القوي الشرس والمهدد والمحارب تتحاشاه كل دول العالم ، بل تسعى إلى مهادنته ومجاملته . حتى الناتو ،التي ظلت تركية تقدم له خدماتها منذ الحرب العالمية الثانية ، قد قرر أن يترك تركية مع جارها الشرس والعدواني العنيد وحيدة ؛ فما بالنا بالدول الأخرى في الإقليم .

وعلينا أن لا ننسى أن الروسي قد أقام تحالفا مكينا مع الركيزتين الأمريكتين القويتين في المنطقة : إيران وإسرائيل . هل ستنجح حكومات المنطقة في شراء ود الروس ، أو في اتقاء شرهم ، في ظل كل هذه المعطيات الجديدة أمر ما أكثر الشكوك فيه ..

وغير الروسي هناك الجار الشيعي الجديد بالنسبة لتركية والأردن ولبنان ، فالميليشيات الشيعية المتعددة لم تكن في لحظة أقل قسوة وتوحشا من المتطرفين ( الآخرين ) ، وما جرى وما يجري في العراق والمقدادية منها بشكل خاص أوضح دليل . وبينما تتميز هذه الميليشيات بكونها مدعومة من دولة إقليمية كبرى هي إيران ، ومشمولة بعين رعاية وعطف من دولة عظمى هي الولايات المتحدة ، فأي جوار سوء ينتظر هذه الدول ، وأي مستقبل للعلاقة مع ( سورية روسية شيعية ) بقي فيها أو غاب عنها بشار الأسد ؟!

أما تركية ، التي تراخى قادتها طويلا بانتظار القرار الأمريكي ، فستنعم أكثر بجوارها الجديد من حزب (البيد ) أو مع حزب العمال الكردستاني الذي سيجدد قواعد تدريبه وانطلاقه على الأرض السورية . الجار الذي سبق أن جرب الأتراك جواره يوم كان عبد الله أوجلان في آخيّة حافظ الأسد ...

لقد قالت العرب يوما : الصيف ضيعت اللبن ...

فهل ما زال في صيف القوم بقية . يا قومنا صيّفوا قبل أن تصيّفوا ..هذا ليس حديث شماتة أو تشفي وإنما هو حديث مشفق على قومه أن تغتالهم أو تجتالهم أو تتخطفهم أحزاب الشياطين.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 654