إين الخلل؟

مقتطع من مقالة مختلفة العنوان تعود إلى 21.8.14

سمحتلي الأحداث الجارية  بإعادة نشرها وبهذا العنوان

لايمكن لاحد أن ينكر أو يتنكر لخلل الممارسة الذي أصاب جناحي المعارضة الرئيسيين ، المدني والعسكري ، والذي أدى عمليا ( الخلل )  من جهة الى إطالة حرب الاستنزاف بين الثورة والنظام ، وبالتالي إراقة الدماء ومن جهة اخرى الى تقلص حجم ومساحة المواقع التي سيطرت عليها المعارضة الوطنية والجيش الحر ، ومن جهة ثالثة الى برود همة بعض الثوار ، وابتلاعهم الطعم  ( السم في الدسم ) الذي وضعه لهم  أعداء ثورات الربيع العربي ، من العرب وغيرالعرب ، ولا سيما طعم فوبيا الديموقراطية والآخوان المسلمين . 

هذا ويمثل الخلاف السني الشيعي ، والموقف المتباين لكلا الطرفين من ثورات الربيع العربي  ، الفخ الأكبر والأخطر الذي نصبه أعداء  هذه الثورات لوقف دومنو الربيع الديموقراطيفي في الوطن العربي عامة  وفي سورية والعراق ومصر خاصة ، ولحفر هوة عميقة من جهة بين القومية العربية والدين الاسلامي ، ومن جهة أخرى بين الأقلية والأكثرية داخل الوطن الواحد ، تلك الهوة التي زاد في عمقها وخطرها المتطرفون من كلا الطرفين ( داعش البغدادي ، وقاعدة الظواهري ، وشبيحة الأسد ، ومليشيات المالكي وولي الفقيه ) ، ولا سيما بعد وصول حافظ الأسد الى السلطة في سوريا عام ١٩٧٠ ، والخميني  في إيران   1979، والغزو الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣  ، وهو ماانعكس سلبا على اداء الثورتين السورية ( منذ ٢٠١١ وحتى اليوم ) والعراقية ( منذ ٢٠٠٣وحتى اليوم ) ( والمصرية منذ تموز 2013 وحتى اليوم ) . 

 لايمكن لاحد أن  ينكر أو يتنكر، للعلاقة الجدلية (التأثير المتبادل أفقيا وعموديا) ) بين ثورة آذار السورية   ، وبين ماجرى ويجري في كل من مصر والعراق الامر الذي يعني أن  الموقف السلبي للقوى والأطراف المعادية لثورة الشعب السوري الديموقراطية  سوف يظل على حاله ، سواء في إطار الجيش الحر أو في إطار أية تسمية أخرى ،  من حيث استمرار أعداء الربيع العربي ، في الداخل والخارج ، بالعزف على  نغمة مكافحة الإرهاب ، وتدعيش الحراك الوطني الديموقراطي المرتبط بهذا الربيع ،  ولاسيما في مصر وسورية والعراق ، وبالتالي الحفاظ على الأنظمة الموالية للخارج   ( المالكي والأسد والسيسي ) المقبولة من ( روسيا وامريكا وإسرائيل وإيران )،  وبغض النظر عن التصريحات التضليلية لهذا الطرف او ذاك ، من الاطراف العربية والاسلامية والدولية ، و التي  ظاهرها الرحمة وباطنها الكذب والعذاب . إن ماتقوم به روسيا في سوريا اليوم هي الدليل العملي على مانقول .

     ان سحق وتدمير القوى الوطنية والقومية والإسلامية الفاعلة ، في الوطن العربي عامة ، وفي سورية والعراق خاصة ، ومنع وصول لهيب ثورات الربيع العربي الى الأنظمة التابعة لهم ، والحامية لمصالحهم ،  هو الهدف الحقيقي الكامن وراء هذا الموقف المتفرج للدول الكبرى ، على مذابح أطفالنا ، وتدمير بيوتنا ، والفتك  بأرواح رجالنا ونسائنا  ، وليس موقف الأنظمة القزمة الأخرى  ، العربية منها وغير العربية ، سوى الانعكاس الكاريكاتوري المضحك والمبكي   لموقف تلك الدول الكبرى بصورة أساسية . إن التذرع بداعش مرة ، وبالنصرة أخرى ، إن هو الّا الذريعة الواهية ، بل ورقة التوت التي تحاول تلك الدول المعنية التابع منها والمتبوع ، ستر عوراتها الأخلاقية والسياسية  بها . بل إن داعش بالذات ليست أكثر من " حصان طروادة " الذي تتلطى خلفه هذه الدول ( العظمى منها وغير العظمى ) وصولاً إلى هدفها الرئيسي في تدمير ثورات الربيع العربي وعلى رأسها ثورة آذار 2011  السوريةالتي باتت شعاراتها تقلق إسرائيل و حماة إسرائيل

إن الصورة القاتمة التي ذكرناها أعلاه ، تسمح لنا بأن نقول بصوت عال وواضح ، والكلام هنا موجه بصورة أساسية للمعارضة السورية ، في الداخل والخارج :  إذا كان الخيار بين التوافق أو المواجهة بين أطراف وأطياف هذه المعارضة ، فنحن ننصح كافة هذه الأطراف والأطياف ، أن يكون خيارهم جميعاً  ودو ن استثناء ، التوافق فيما بينهم ( ولو في إطار الحد الأدنى)  ،  والمواجهة المشتركة مع النظام القمعي الديكتاتوري الوراثي  لعائلة الأسد ، وذلك دون أن ينتظروا شيئا من الاخرين ، العرب منهم وغير العرب ، وهو ما يعني - عملياً- ضرورة تأجيل الخلافات السياسية والحزبية والأيديولوجية بينهم ، ( وهي خلافات موجودة ومشروعة ) إلى مابعد تحرير الوطن من  براثن هذا النظام الفاسد ، وإقامة البديل الديموقراطي ، حيث ستكون  عندها الأبواب مشرعة للتنافس الحر الوطني والسلمي والشريف بين كافة مكونات هذه المعارضة  ، دونما استثناء .

ان الاختلاف في الرأي بين الناس ، أيها الأخوة الثوار، هو أمر مشروع  ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ... من : البقرة 251)  ولكن  هذا الخلاف يجب أن يحمي الارض ( المجتمع / الوطن / الامة )  من الفساد ، لا أن يكون هو نفسه سببا لهذا الفساد ،  فالأرض هي بستان الإنسان ، وكلما تعددت ألوان الورود والزهور في هذا البستان كلما كان اجمل وأكمل  ، دعونا نختلف  ، ولكن دون أن نفترق  ، لتتعدد الورود والزهور ، ولكن في إطار وحدة البستان  ، فالمجتمعات البشرية ،  - أيها الإخوة - تشبه  يد الإنسان  التي تتمايز أصابعها ، ولكن هذا التمايز( هذه التعددية ) هو شرط عمل هذه اليد في تأديتها لوظيفتها في خدمة هذا الإنسان . لايهم أن يكون

 اسم الجناح العسكري من الثورة ، الجيش الحر ، أو الجيش الوطني السوري ، أو أي اسم آخر ، وإنما المهم هو أن يكون الثائر للثائر سواء أكان مدنياً أو عسكرياً ،  من  الثوار السابقين أو اللاحقين  ، كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ، وأن يكون هدف الجميع واحداً ، هو إسقاط النظام  الديكتاتوري الطائفي الراهن ، بكل مرتكزاته ورموزه  ، وإقامة  نظام وطني مدني ديموقراطي تعددي على أنقاضه. 

يمكننا ان نجسد الصراع الدائر اليوم حول ثورات الربيع العربي عامة ، وثورات مصر وسورية والعراق خاصة بالصراع بين مثلثين : مثلث عسكري قاعدته روسيا ، وضلعاه الآخران  إيران  والأسد ، ومثلث مدني قاعدته مبدأالمواطنة ، وضلعاه الآخران الدستور وصندوق الاقتراع النزيه والشفاف ، ومن المؤسف أن نرى بعض المثقفين العرب يطبّلون  ويزمرون لمثلث الديكتاتوريات العسكرية ، على حساب مثلث الديموقراطية المدنية ،  وتحت ذرائع واهية ماأنزل الله بها من سلطان  . ويبدو أن الصمت في بعض الحالات أبلغ من الكلام .

وسوم: العدد 654