إنسانية الثورة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد ، فكلما تحرك الساكن من الأحداث إذا بالظمآن للتغيير يهرع إليه يحسبه ماءًا وما هو إلا سراب صنعه خياله الراغب في التغيير وحلمه الذي يحقق من خلاله ما يريد ولكن على سرير النوم لا ميدان العمل.

أكتب هذا لأني سئمت من إسهال الكتابة الذي أصاب الجميع ، فالكل يكتب ويسجل مقاطع فيديو ثم يرسلها في فضاء الفضاء ، وكل همه الإعجاب والتعليقات بالمديح التي سوف يحصدها، حتى القنوات والصحف الداعمة للثورة شغلها الشاغل الردح والفضح بالإضافة إلى كثرة الكلام التي لا تقدم ولا تؤخر ، بينما الهدف الذي يجب ألا يغيب عن الجميع هو العمل ، تحويل الكلمات إلى واقع في حياة الناس ، هدفنا ليس فضح الانقلاب بل هو نتيجة ولكن توعية الإنسان حتى يستطيع أن يحكم بنفسه ويرى بنفسه فضائح الانقلاب كنتيجة لجهد التوعية الذي بذلناه.

إن مكانك ليس في سطور تكتبها ولا تعليقات تحصدها ، بل في قلوب تملكها وعقول تعلمها ونفوس تؤدبها ، علينا أن نتحرك بين الناس بالحكمة والموعظة الحسنة والأسوة الحسنة ، علينا أن نكون مع الناس في أفراحهم وأتراحهم ، و على الثورة أن تكسب أنصارًا جددًا في كل يوم وليلة ، وكلما زاد أنصار الثورة كلما قل أعداؤها وضعفوا واستكانوا واقترب النصر ، لا يتحجج أحد بقلة الموارد أو عدم وجود إعلام مؤيد للثورة فقد انتصر الإنسان في معارك كثيرة قبل اختراع الهاتف والتلفاز وقبل الفيسبوك وتويتر ، إن عظمة الإنسان أن يستخدم المتاح ليحقق الغير متاح.   

معركتنا هي الإنسان ، ميدانها عقله وقلبه ، سلاحها العلم والإيمان ، وقودها المقاومة ، أساليبها مفتوحة بما لا يخالف الشرع الإلهي  ولا العرف الإنساني. وعلينا أن نجد القواسم المشتركة والتي سأسميها الأهداف الإنسانية والتي لا يختلف عليها أي تيار يسعى للإصلاح ، نريد للإنسان أن يكون حرالقرار ، يتاح له العيش الكريم والتعليم المناسب والمكان النظيف والنظام الذي يحفظ له حقوقه ويطالبه بواجباته ، نريد نظامًا يخدم الإنسان لا ليسخره لخدمة عصابة من اللصوص دنيئ النفس ، وضيعي الأخلاق. لذا أنا أدعو إلى إنسانية الثورة حتى نجمع كل التيارات التي تتفق على هذا الهدف النبيل. 

لا يهم لون الغرفة ولا لون الستائر ولا أي أثاث في البيت ، المهم قواعد البيت وأركانه ثم حوائطه ثم نتدرج من الأهم فالمهم ، وعلماء المسلمين علمونا أن مقاصد الشريعة هي ضروريات ثم حاجيات ثم تحسينات، وكذلك يجب أن يتجه تفكير المصلحين نحو الضروريات ، وعلماء الاجتماع الذين يتتبعون نزول القرآن منذ التقت السماء متمثلة في جبريل أمين الوحي – عليه السلام – والأرض متمثلة في خاتم الرسل محمد – صلى الله عليه وسلم – وتركيز القرآن على التوحيد بحكم أنه محور الإسلام الأساسي ولم يتناول الأحكام التفصيلية وتم تأجيل الأمور التي تعود الناس عليها من خمر وربا حتى قوي إيمان الناس فصارت الأوامر يسيرة على أنفسهم محببة إلى قلوبهم ، فنزل الأمر بتحريمها ، وهناك الكثير من المسلمين – للأسف الشديد – ثقلت عليهم أوامر الدين لما ضعفت فكرة التوحيد في رؤوسهم وضعفت حقيقة الإيمان في قلوبهم ، لذلك علينا أن نسعى الآن بكل جهد أن يتعرف الناس على ربهم وأن يعودوا إلى مفاهيم الإسلام العامة قبل أن ندعوهم إلى تطبيق الأوامر، مع عدم التفريط في حدود الله أو تزيين المعاصي للناس – حاشا الله – ولكن نتدرج في التطبيق مع توضيح أوامر الله وحدوده.

الأمر الثاني علينا أن نعلم أن الانقلاب لن يستمر إلا بتفرقنا وضعفنا لا بقوته وذكائه لذا فإن وحدة القوى الثورية هي أهم وسيلة لتحقيق النصر. وسأضرب مثالًا بأحد العوائق التي تمنع الوحدة وتؤجل النصر وهو شرعية رئيس مصر الدكتور مرسي – فك الله أسره – وهل إذا سقط الانقلاب يعود الدكتور مرسي رئيسًا ليكمل مدته ، والله يعلم كم أحب الرجل وأرى أنه قد ظُلِم من الجميع وأن الرجل بثباته الأسطوري قد دخل التاريخ من أوسع أبوابه وأسأل الله أن يجزيه عنا خير الجزاء ، ولكني أحب أن أفرق بين أمرين بين الثورة ذاتها وبين نتائجها ، ولا خلاف أن المجلس الشعب الذي حله القضاء الفاسد والدستور ثم الرئيس مرسي كل هذا من نتائج الثورة ، ولا يختلف عاقلان على أن مجلس الشعب الذي يمثل حزب النور أكثر من 20% لن يقبله أحد بعد تواطؤ الحزب المشئوم مع الانقلاب المشئوم ، والثورة لا يختلف عليها أحد وخصوصًا إن اجتمعت على الأهداف الإنسانية بينما النتائج يختلف عليها البعض ، ولكن هناك حل وسط وهو أن يشكل الدكتور مرسي بحكم أنه الرئيس الشرعي للبلاد مجلسًا رئاسيًا يتم اختيار أعضائه بالتعيين من القوى الثورية أو بالانتخاب المباشر من الشعب ، أو أي طريقة أخرى. وأنا على يقين أن الرجل مستعد للتخلي عن منصبه حتى تنجح الثورة ولكنه المنصب الشرعي الوحيد التبقي من نتائج الثورة ، فليس من مصلحة أي فريق أن يتجاهل شرعيته وفي نفس الوقت ليس من المصلحة أن يكون عائقًا لتوحيد القوى الثورية.

أنا أدعو الجميع أن ينسى الماضي ولا يأخذ منه إلا دروسًا تعينه على حاضره ومستقبله ، أن يتفق الجميع على الهدف الأكبر ويؤجلوا الأهداف الفرعية ، أن يلين الجميع في يد الجميع ، وألا يشترط أحد على أحد ، فالكل قد جانبه الصواب ، وما ذلك إلا ليتحقق قدر الله في انقلاب كشف الله به لنا عن مواطن الفساد في مصر ، ولعله خير ولكن بشرط أن يقودنا إلى الأمام لا أن يدفعنا إلى الهاوية.

 الأمر الثالث هو أن نستعد لإدارة البلاد في ظل وجود طابور خامس من الخونة و المنافقين وأصحاب المصالح بالإضافة إلى كثير من أبناءنا الذين لم يتلقوا التعليم الكافي ليفهموا ويتحملوا مرحلة التغيير ، لذا يجب من الآن تكوين لجنة المائة أو العشرة (مائة شخص أو عشرة أشخاص) من المتخصصين في مجال معين ليديروا الوزارة المسؤولة عن هذا التخصص ، ويتم اتخاذ أي قرار من خلال هولاء المائة والذي تحكمهم أصول علمية في التشاور وآليات اتخاذ القرار، وتقوم هذه اللجنة من الآن بجمع المعلومات وتحليلها عن كل شئ صغير أو كبير يمس عمل الوزارة ومنها الهيكل الوظيفي للوزارة والمناصب والإدارات واللجان وما يجب بقاؤه وما يجب إلغاؤه وأسماء الفاسدين والمرتشين وأسماء المشتبه فيهم ، كل شئ نجمعه ونحلله ونحدد المشاكل ونقدم الحلول الجاهزة للتطبيق وآليات التقييم والتقويم ، نريد لهؤلاء أن يجعلوا ثورتهم في تخصصهم ليحققوا النصر لثورة الإصلاح والتغيير ، وهذا ينطبق على كل وزارة وهيئة في مصر وما شابهها من بلاد العرب والمسلمين ، وبذلك تكون لكل وزارة لجنة تديرها لا وزير واحد ، ثم تفوض كل لجنة واحدًا منهم (أو ثلاثة) ليمثلهم في الحكومة ، ويتم تشكيل الحكومة بنفس الطريقة حتى تستقر الأمور ونعبر المرحلة الثورية الانتقالية.

ولا حول ولا قوة إلا بالله

وسوم: العدد 661